الديمقراطية المنتقاة رديفة الدكتاتورية

الدكتور نصيف الجبوري

الديمقراطية المنتقاة رديفة الدكتاتورية

لقد هرب الكثير من المسلمين من بلدانهم الأصلية بسبب الطغاة الدكتاتوريين المنصبين من قبل الدول الاستعمارية بعد الاستقلال المزيف. جاء اكثرهم إلى هذه الدول ودرسوا بجامعاتهم واستهوتهم شعارات الديمقراطية والحرية وانظمة العمل والتعاون الاجتماعي. لم يخطر على بال اي احد منهم اطلاقا تشكيل كيتو منعزل له ولجاليته. كان حلمه الأسمى توفر العدل والمساواة والسلام في الدولة المضيفة. فقد هرب الكثير منهم بجلده من ظلم ودكتاتورية قادته المسلمين الذين اتخذوا من الدين سلما للصعود إلى السلطة. لم يغب عن فكر معظمهم مقولة العلماء المسلمين الربانيين القائلة بأن الدولة العادلة تدوم ولو كانت كافرة والدولة الظالمة تزول ولو كانت مسلمة. لم يفكر أي احد منهم لتاسيس دولة اسلامية في اوروبا. نعم لقد هرب اكثرهم بسبب انانية وتزييف الإسلاميين التكفيريين الطائفيين الاستئصاليين لمباديء دين رفع العرب إلى قيادة الانسانية.
لقد اعتقد الكثيرين بأن الديمقراطية الغربية راسخة ومتجذرة ولا يمكن أن تنحرف عن مسارها لاسباب اقتصادية أو عنصرية أو شعبوية. لذلك فقد اندمجوا مع المجتمعات التي يعيشون فيها وتجنسوا بجنسية تلك البلدان وخدموها بكل اخلاص وقدموا حياتهم للدفاع عنها. لم يكن يخطر ببالهم أن مباديء استراتيحية وشعارات محورية كالحرية والديمقراطية من الممكن ان تتحول بين ليلة وضحاها إلى بضاعة رخيصة يتلاعب بها السياسيون لاسباب عنصرية تستهدف المسلمين دون غيرهم. كانوا يعتقدوا بأن العدالة في دول الغرب لا تميز بين مسلم وغير مسلم ولا بين اسود وابيض. لم يتصور أي احد منهم بأن العلمانية التي من المفترض أن تحمي جميع الأديان والعقائد السماوية والارضية تتحول إلى أداة قمعية وسيف مسلط على رقاب مسلمي اوربا. من القساوة أن يكتشف المسلم بعد عقود ان من كان يأويه من ظلم بلده الأصلي يتنكر اليه بعد استقراره ويظلمه في اعز مبادءه وعقائده. بل يستغل ضعفه بسبب جهل وضعف قادة جمعياته المحلية وتفكك منظومته العربية وتخلي الدول الاسلامية عنه. في هذه الظروف القاسية بات المسلم الضحية الجاهزة لتمرير الاخفاقات السياسية والإقتصادية فترهبه وتسفه وتقبح دينه وتلصق الاكاذيب والخداع والتزوير والخرافات ضد رسوله باشنع الصفات واسوء الصور. كل ذلك بهدف الى الهاب مشاعر المسلمين ودفعهم للانتقام أو الهجرة المعاكسة. علما بان الظروف الاقتصادية صعبة وقد قطع اكثر المسلمين صلاتهم ببلدانهم وأصبحوا هم واولادهم فرنسيون. تتخلى اليوم السلطات الرسمية عنهم في اشد الظروف قسوة ليكونوا في مهب الريح ولا يعرفون ما العمل وما المخرج وما هو مستقبلهم.
نرى باعيننا سقوط القيم الغربية على ايدي سياسيين سبق ان استغل اباءهم واجداهم المسلمين العرب لبناء بلدهم وساهموا في تقدمه. اما اليوم وبعد ان انتفت الحاجة اليهم اضحوا غرباء انعزاليين لا قيمة لهم بل اضحوا يسبونهم ويحتقرونهم في اقدس مقدساتهم. أي منطقية واخلاق لهذه الحضارة التي تريد أن تفرض نفسها على العالم. تلك التي استغلت قوة وعمل وعلم المسلمين البارحة لتتخلى عنهم اليوم. في وقت خان الحكام العرب الامانة وارتد أغلبهم عمليا عن دينه. ان من اساسيات مبدأ المواطنة عدم التمييز بين فرنسي واخر بسبب الدين والعرق والجنس.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here