العراق… ما بعد اللا دولة ..؟؟!!..

د. اكرم هواس

العراق… ما بعد اللا دولة ..؟؟!!..

مشهد امرأة عراقية… أم ترمي باطفالها في البحر.. ليس بسب جوع او حرب كما تخبرنا الميثولوجيا التاريخية … لكن ربما لانها ادركت انالصراع (مع زوجها) لم يعد له معنى… فتخلت ليس فقط عن السلطة .. انما عن حلم الوجود ذاته حيث يمثل الاطفال ديمومة الوجود في ذاكرةالشعوب و الامم…

لا ادري الى اي مدى يمكن ان نصدق هذه القصة و كامرات المراقبة… لكن يبدو ان المشهد … حقيقيا كان ام بروباغاندا… يمثل حالة العراقبابعاده الهيكلية و اعماقه المجتمعية ..

قبل بضع سنوات كتبت مقالة بعنوان .. العراق … العودة الى اللا دولة (2016) و في فترة الاشهر الماضية و في خضم الصراع الثقافي-السياسي بين “المشروع الايراني” و “المشروع الوطني” كما يسميها الكثيرون… تذكر المثقفون و السياسيون ووو… مفهوم “اللا الدولة” الوارد في تلك المقالة (للاسف دون ان يذكر احد المقالة و كاتبها.. لكن لابئس ).. و اصبح المفهوم بين ليلة وضحاها شعار الجميع … للاسفليس كمنطلق لبناء دولة كما كنّا نأمل بل لشيطنة و هذا و ذاك من القوى المتصارعة… لكن يبدو ان محصلة “ثقافة الشيطنة” المتبادلة هذه منالجميع تسير باتجاه الانفصام عن مفهوم الدولة نفسها (وجودها او عدمه ) و الانتقال شيئا فشيئا الى مرحلة “ما بعد اللا دولة Post-No Sate ” الفعلية و المؤسساتية…

اذا كان لابد من تعريف فيمكن ان يكون الامر بهذه المقاربة: “الدولة” معناها وجود مؤسسات و سلطة تُمارس دورها في المجتمع… “اللا دولة” هي حالة افراغ مؤسسات الدولة من سلطتها و دورها بحيث يصبح وجودها هيكلا بلا روح و فاعلية… “ما بعد اللا دولة”… هي حالة انقراضمؤسسات الدولة و احكامها الشكلية بحيث ان الافراد و المجموعات البشرية و كذا المنظمومات المجتمعية تقوم بدورها بعيدا عن اي اعتبارلوجود هياكل الدولة و كأن ليس لها وجود..

مع كل الاحترام لرئيس الوزراء الجديد و زملائه الوزراء (بعض الوزراء اصدقاء قدماء) و كل الموظفين و الهيئات العسكرية و غيرها… الا انالحقيقة التي اشترك الجميع في صنعها هي ان ذهاب الدكتور عادل عبد المهدي كان بمثابة اعلان انتهاء الدولة العراقية الحديثة و الانتقالالى مرحلة “ما بعد اللا دولة” …

بكلام اخر … منذ ظهور داعش و العراق دخل المرحلة الثانية من “اللا دولة” (المرحلة الاولى بدأت مع الاحتلال الامريكي) و هذه المرحلةالثانية ايضا وصلت نقطة النهاية بذهاب عبد المهدي … و هكذا جاء اختيار مصطفى الكاظمي (مع كل الاحترام لشخصه) فقط لانهشخصية من خارج الاطار العام … اي انه لا يمثل اية قوة مجتمعية او سياسية او اقتصادية … هذا يعني ان اختياره جاء محصلة قناعةتوصلت اليها تلك القوى الفاعلة على الارض بان مفهوم الصراع وصل الى نقطة اللا عودة بحيث انه لم تعد هناك دولة حتى يستمر الصراععلى السلطة فيها… ما بقي على الارض في العراق هو صورة احتدام الصراع بين مشروعي ايران و امريكا بشكل واضح و مباشر و بذلكانتفى دور ال Proxies المحلية .. اي ان العراق دخل مرحلة فراغ داخلي و اصبح الصراع يدار بشكل مباشر من الخارج… و هذا ما جعلالقوى المحلية ان تزيل من اعتباراتها اي اهتمام بالسلطة …سواء كنّا نتحدث عن السلطة في اطار “الدولة” بشكل مبدأي او حتى في اطار”اللا دولة” لتي ادارتها القوى الاوليغاركية في السنوات الاخيرة… لكن اسدال الستار عن حكومة عبد المهدي كان يعني افراغ المسرح مناللاعبين المحليين ايضا فلم يعد احد يهتم بمن ياتي وزيرا او غفيرا..

لاشك ان السيد الكاظمي و معه العديد من الزوراء و الموظفين يحاولون بشكل او باخر تجميع بعض الخيوط … لكن يبدو ان الخيوط تنقطعبتسارع اكبر بكثير من امكانية الحكومة على تجميعها… الصورة قاتمة في الخارج كما هي في الداخل فلا احد يهتم كثيرا بدعم الحكومة ولا احد يأمل انها تستطيع ان توقف تفكك الاواصر و تحلل قوة التبلور السياسية و الاجتماعية … زيارات هنا و هناك و الاجتماع مع هذه اوتلك من الحكومات لم تعد تستطيع ان ترسخ شيء اخذ يتلاشى و قد يتحول الى العدم ..

لا اعتقد ذلك يعني ان العراق سينقسم كما كانت تأمل بعض القوى هنا و هناك … كما ان مرحلة “ما بعد الدولة” لا تعني باي شكل جمهوريةافلاطون و لا مشاعية ماركس …بل نمط من انماط الاناركيزم Anarchism التي تنتشر ثقافتها هذه الايام في العالم(يمكن متابعة كتاباتيالعديدة حول انحسار الدولة القومية) .. باختصار شديد…العراق قد يتحول الى صحراء قاتمة … لا ماء و لا نبات و لا فن و لا ثقافة و لا حياةالا لمن يمر فياخذ غرفة من النفط و يختفي وراء السحاب ؟؟…

هل كانت هذه الصورة هي التي تراءت هكذا لتلك الأم و هي في طريقها لرمي مستقبل الحياة (اطفالها)الى اتون الغياهب لعلهم يجدونيوسف عند عتبة بوابة الاخرة …فيخبرهم ان مملكة الله اكبر من ذلك الذي كان اسمه الوطن في العراق..؟؟.. ربما…!!.. لكن ماذا عن … وعن…؟؟؟؟؟… حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here