أهمية استقلالية الادعاء العام عن جهاز القضاء و دوره المهني في مكافحة الإجرام

أهمية استقلالية الادعاء العام عن جهاز القضاء و دوره المهني في مكافحة الإجرام

بقلم مهدي قاسم

لعل العراق يُعتبر من البلدان القليلة جدا ــ إن لم يكن وحيدا ــ الذي تندمج فيه دائرة الادعاء العام مع جهاز القضاء ليصبحا جهزا واحدا !!، بينما في أغلب البلدان يعمل جهاز الادعاء العام مستقلا تماما عن جهاز القضاء ، وهو الأمر الذي يعتبر طبيعيا في سياق تمييز وفرز بين أدوار ومهمات الأجهزة الجنائية والاتهامية و القضائية ، و ذلك درء لممارسة نفوذ أو ضغوط قد تكون سلبية ومعوقة ــ مهنيا ـــ فيما بينها .

فمن المعروف عن هذا الأمر هو : أن الادعاء العام هو الذي يشرف أو بالأحرى يوّجه الشرطة الجنائية عندما تقوم هذه الأخيرة بتحريك قضية جنائية أثناء وجود شبهة حول وقوع جريمة ما ،بناء على أساس معطيات أولية تشكل أساسا شرطا قانونيا كافيا ووافيا لتحريك مثل هذه القضية وفقا لقانون الإجراءات الجنائية المعمول بها في كتاب قانون العقوبات الجزائية ، من ضمنها المسح الجنائي لموقع الجريمة بهدف الحصول على أدلة جرمية فضلا عن تفتيش مسكن المشتبه به بحثا عن أدلة إضافية أخرى لترسيخ أركان الشبهة الجنائية ، فضلا عن أراء خبراء مختلفين إن اقتضت التحقيق الجنائي ، ثم إجراء تحقيقات إضافية تكميلية ، من ضمن ذلك استجواب شهود عيان وغيرها من إجراءات جنائية أخرى تستوجبها حيثيات القضية وعندما يجد الادعاء العام أن التحقيقات قد استوفت كل مستلزمات وشروط الاستجواب و كشف ذيول القضية كاملة ، يقوم برفع لائحة اتهام إلى المحكمة صاحبة الصلاحية أو الاختصاص في أحقية إجراء المحاكمة حسب الانتساب المناطقي..

وهنا أي في المحكمة سنجد ثلاثة أطرافا مستقلة تماما عن بعضها بعضا لها دورها المحدد : المحكمة ، الادعاء العام الذي يمثل الحق العام ، وأخيرا الدفاع المتجسد بالمحامي الموكل أصلا أو المنتدب من قبل الدولة للدفاع عن المتهم

بطبيعة الحال أن المحكمة ( التي يُفترض أن تكون عادلة تماما و مستقلة بالمطلق عن أي تأثير أو ضغط سياسي أوفساد مادي ) ستُصدر أحكامها العقابية بناء على وجود أدلة قاطعة ودامغة لا يطالها أي شك ، أو إسقاط القضية في حالة عدم كفاية الأدلة أو ورود شكوك حول مصداقية حدوث الجريمة من قبل المتهم ، في أحيان أخرى ونادرة سترد القضية إلى الجهة التحقيقية لوجود نواقص وثغرات في مسار التحقيقات وغيرها بهدف تلافي النواقص وإكمالها ، ثم إرسالها إلى المحكمة مجددا ..

ويلاحظ من ما ورد من حيثيات ــ أعلاه ــ أن جهاز الادعاء العام ـــ في بلدان أخرى ــ مستقل عن جهاز القضاء استقلالا كاملا ، بحيث أن كلا الجهازين يعملان و يقومان بمهماتهما بشكل مستقل تماما عن الآخر ، دون أية ممارسة نفوذ أو تأثير ما ، لا من قريب أو بعيد ، بل لا يلتقيان إلا في قاعة المحكمة و بشكل رسمي و تحديدا في أثناء عقد جلسات المحاكمة ، وفي أثناء التداول من قبل هيئة المحكمة لإصدار قرار الحكم يتحتم على المدعي العام مغادرة القاعة ، سوية مع محامي الدفاع و المتهم سوية ، ولن يدخلان قاعة الجلسة إلا أثناء إعلان قرار الحكم ، وهو على عكس مما هو موجود في العراق حيث جهاز الادعاء هو جزء من جهاز القضاء !! ..

لذا فقد آن الآوان أن يستقل جهاز الادعاء العام عن جهاز القضاء في العراق، ليكون مستقلا فعلا و قائما بذاته ، و أن يمثل الحق العام تمثيلا مهنيا صادقا ونزيها ، و أن يكون مبادرا لتحريك قضايا جنائية سيما ضد ساسة ومسؤولين الذين اعترفوا أو يعترفون علنا بأنهم قد تورطوا في مظاهر الفساد وكذلك ضد بعض آخر من الفاسدين الذين توجد ثمة وثائق تثبت حقيقة فسادهم وسرقتهم للمال العام أو التلاعب به اختلاسا ..

نقول كل هذا ونطالب باستقلالية الادعام العام لأننا نعتقد مثلما غالبية الشارع العراقي أن جهاز القضاء العراقي ليس مستقلا و أنه يخضع ويستجيب لضغوط سياسية مباشرة من جهات سياسية وحزبية عديدة ، الأمر الذي يجعله أن يغض النظر عن مثل هذه الجرائم السياسية والاقتصادية سواء على صعيد عدم تحريك قضية جنائية مثلما ينبغي ــ أو إصدارأحكام مخففة مع وقف التنفيذ ، غالبا ما تنتهي بغرامة مالية هزيلة ، مثلما في حالة رئيسة مؤسسة الشهداء ــ على سبيل المثال وليس الحصرــ ليبقى الساسة الفاسدون و كذلك المسؤولين ــ وما أكثرهم في عراق اليوم !ــ يسرحون ويمرحون مستهزئين بالمواطن العراقي تحديا واستهتارا ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here