المليشيات (الولائية) ليست من الحشد الشعبي

د.عبدالخالق حسين

هناك حملة إعلامية مستميتة من أتباع إيران على مواقع التواصل الاجتماعي، والإعلام الإيراني لتضليل وتشويش الرأي العام العراقي، الغاية منها اعتبار جميع المليشيات المسلحة المنفلتة ضمن (الحشد الشعبي المقدس)، وأي نقد يوجه لأي من هذه المليشيات هو نقد للمقدس، ويعتبر الناقد من الجوكر الأمريكي وعميل لإسرائيل!!

لذلك أرى من الضروري الفصل بين الحشد الشعبي الموالي للعراق، والذي يأتمر بأمر رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، وبين المليشيات الولائية (أي الموالية لايران)، مثل (كتائب حزب الله العراقي)، و(عصائب أهل الحق) وغيرهما بالعشرات الخارجة عن القانون. فالحشد الشعبي الحقيقي قد تأسس استجابة لفتوى شرعية من المرجع الديني الأعلى، الإمام علي السيستاني في حزيران عام 2014، بعد تسليم الموصل والمحافظات الغربية الأخرى إلى (داعش) من قبل حكوماتها المحلية، و بعد أن راحت (داعش) تهدد باحتلال جميع أنحاء العراق بما فيها بغداد العاصمة. وقد ساهم الحشد ببطولة، وتضحيات جسيمة مع الجيش العراقي في تحرير الأرض والعرض، مما كسب اعجاب وتقدير الشعب العراقي.

ولم يكتف أتباع إيران بإضفاء القداسة على هذه المليشيات الخارجة عن القانون، بل راحوا يعملون على زعزعة الثقة بالجيش، وبكل القوات الأمنية العراقية الرسمية، وتدمير معنوياتها، وذلك بنشر الأكاذيب والافتراءات مفادها أن الجيش العراقي لا يمكن الاعتماد عليه في حماية العراق من الغزو الداعشي القادم، لأن هذا الجيش انهزم من أمام 400 داعشي في الموصل عام 2014. لذلك يجب الاعتماد على هذه المليشيات لحماية العراق، والتي يطلقون عليها بالحشد الشعبي المقدس، والحشد منهم براء.

باختصار شديد، أود أن أبين لماذا وكيف تم تسليم الموصل والمحافظات الغربية الأخرى إلى داعش بدون أية مقاومة تُذكر. لقد تم ذلك بعد اتهام السيد نوري المالكي رئيس الحكومة آنذاك، بأنه طائفي وهمَّش أهل السنة، وضد المصالحة الوطنية، و أن أهل الموصل محافظون لا يتحملون وجود جيش بإمرة ضباط شيعة، وعليه، وإذا كان المالكي جاداَ في المصالحة، عليه أن يعيد الضباط العسكريين الموصليين إلى الجيش المرابط في الموصل. وفي نفس الوقت كانت هناك حملة استعداء أهل الموصل على الجيش، واطلاق أسماء تسقيطية عليه، مثل جيش المالكي، والجيش الشيعي، والرافضي، والمجوسي… الخ، وكان الأهالي يرمون الجنود بالحجارة ويبصقون عليهم في الشوارع. وتحت هذه الضغوط، استجاب لهم المالكي فتم تعيين ضباط موصليين، وأغلبهم بعثيين. وقبل يوم أو يومين من تسليم الموصل إلى (داعش) منح هؤلاء الضباط جنودهم إجازات مفتوحة، وأمروهم بترك ثكناتهم والسفر إلى بلداتهم. وتم تسليم الموصل، والمحافظات الغربية الأخرى فيما بعد، بدون أية مقاومة، بل وانضم عدد كبير من هؤلاء الضباط إلى (داعش)، وهرب القادة العسكريون الكبار إلى كردستان وفق مؤامرة قذرة تم حبكها بمنتهى الخبث والدهاء، ساهمت بها دول خارجية، وقوى سياسية عراقية، سبقتها حملة اعتصامات في ساحات المدن الغربية تمهيداً لهذه الجريمة، والخيانة الوطنية العظمى.

أما الجيش الحالي فهو غير ذلك الجيش، وهو الذي دفع التضحيات الكبرى مع الحشد الشعبي وقوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وأبلى الجميع بلاءً حسناً في حرب ضروس إلى أن حرروا الأرض والعرض من دنس داعش عام 2017. لذلك فأي قول يسيء إلى سمعة ومعنويات القوات العراقية المسلحة يعتبر دعاية سيئة تخدم أعداء العراق وخيانة وطنية.

فكما بينا مراراً في مقالاتنا السابقة أن الحشد الحقيقي تم دمجه بالقوات المسلحة العراقية وفق قانون صادر من البرلمان، وهو بإمرة رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة. بينما المليشيات الولائية ولاءها للمرشد الإيراني، الولي الفقيه، السيد على خامنئي. وراح أتباع إيران يشنون حملة ضد رئيس الوزراء الحالي، السيد مصطفى الكاظمي، ويصفونه بأنه “جوكر أمريكي”، وهذا لا يخدم القضية العراقية. لا شك أن ولاء هذه المليشيات لدولة أجنبية على حساب العراق يعتبر خيانة وطنية وفق جميع الأعراف والشرائع السماوية والقوانين الوضعية.

فتاريخ هذه المليشيات أسود، حيث تمردت على أوامر الحكومات العراقية المتعاقبة منذ سقوط حكم البعث الجائر عام 2003 وإلى الآن. وحديثاً قامت بضرب التظاهرات السلمية التي اندلعت في الأول من تشرين الأول/اوكتوبر عام 2019، وقتلوا المئات وجرحوا الألوف من المتظاهرين السلميين، و اختطفوا العشرات من الناشطين في هذه التظاهرات، إضافة إلى اعتداءاتهم المتكررة على الممثليات الدبلوماسية الأجنبية في العراق، الجريمة التي اعترفت بها قيادة حزب الله العراقي (راجع مقالنا الموسوم: (حزب الله العراقي يعترف بضرب السفارات الأجنبية- هامش رقم 1).

لم يتوقف خطر هذه المليشيات على المؤسسات الدبلوماسية الأجنبية في العراق، بل راحت تحرق مقرات أحزاب عراقية مثل قيامهم بحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني ببغداد، لأن أحد قياديي الحزب (السيد هوشيار زيبار- وزير الخارجية سابقاً)، انتقد الحشد بعد إطلاق الصواريخ على مطار أربيل. بالتأكيد هذا العمل الإجرامي هو ضد الحكومة العراقية. وفي هذا الخصوص نقول، ربما كان على السيد زيباري نقد المليشيات التي قامت بهذه الجريمة ويسميها باسمها، وليس بالحشد. على أية حال، وحتى لو كان يقصد الحشد الشعبي الحقيقي، ما كان على هذه المليشيات أن تقوم بحرق مقر الحزب وباسم الحشد. فهذه جريمة يراد بها ابتزاز كل من يوجه أي نقد لأية مليشيا موالية لإيران. وهذا ضد النظام الديمقراطي ودستوره الذي منح حق النقد وحرية التعبير والنشر، ويهدد السلم المجتمعي. فإذا كان الناقد على خطأ يجب الرد عليه بالنقد، وبالأسلوب الديمقراطي أيضاً، وتفنيد أقواله حجة بحجة، وليس بحرق مقرات حزبه. فهذه الأعمال العدوانية الفوضوية من شأنها إثارة العداء وحتى إشعال الحروب بين مكونات الشعب العراقي.

ومن جرائم هذه المليشيات، جريمة مجزرة الفرحاتية في قضاء بلد جنوبي صلاح الدين، حيث قامت إحدى المليشيات باختطاف 12 رجلاً قتلوا 8 منهم، واختطفوا 4. وأخيراً (كشف مصدرٌ أمنيّ، الاربعاء، مصير المختطفين الأربعة المتبقين في الفرحاتية أنه” تبين خلال الساعات القليلة الماضية، أنّ مختطفي الفرحاتية الأربعة تأكد استشهادهم”.)(2)

ودليل آخر على تورط إحدى هذه المليشيات الموالية لإيران بارتكاب مجزرة الفرحاتية، حيث (كشفت مصادر أمنية عراقية، يوم الأربعاء [21/10/2020]، عن قرار حكومي بإخراج مسلحي “عصائب أهل الحق”، المرتبطة بإيران، من منطقة الفرحاتية بمحافظة صلاح الدين، شمالي البلاد، وذلك على خلفية جريمة قتل 12 عراقياً مدنياً في المنطقة واختطاف آخرين.)(3)

كذلك جاء في تقرير (الحرة- عراق) واشنطن – ((بعد أيام من “مجزرة الفرحاتية” يبدو أن الخناق بدأ يضيق شيئا فشيئا على ميليشيات “عصائب أهل الحق” التي تدير “الأمن” في المنطقة عبر ألويتها التابعة للحشد الشعبي. وبشكل مغاير لأحداث مماثلة، اتهم أهالي الضحايا بشكل صريح قوات العصائب ولواء 42 التابع لها، والذي يعمل ضمن هيئة الحشد الشعبي العراقية، بالمسؤولية عن المجزرة.))(4)

وإذا كل هذه الأدلة لا تكفي لتجريم العصابات المنفلتة، إليكم آخر تصريحات السيد فالح الفياض،

رئيس هيئة الحشد الشعبي، الذي أكد: (أن من يستهدف البعثات الدبلوماسية، هي جهات خارجة عن القانون، فيما اشار الى انه تسلم رسالة من الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، بشأن جريمة الفرحاتية. ..وقال الفياض في حديث متلفز لبرنامج “العاشرة” (19 تشرين الاول 2020)، ان “الحشد هيئة رسمية ضمن مؤسسات الدولة، ومن يقوم باستهداف البعثات الدبلوماسية جهات مخالفة خارجة عن القانون”، مبيناً ان “اللجنة التحقيقية تشكلت بأمر من رئيس الوزراء تتبع الدليل وتبحث عن الأدلة.” واضاف ان “اللجنة برئاسة رئيس الحكومة وستحاسب جميع المتورطين، وانه لا حديث عن نتائج اللجنة إلا بعد الانتهاء من تحقيقاتها”، مشدداً على ان “أي عمل عسكري خارج إطار الدولة تجاه مؤسسة عراقية أو أجنبية نعده إرهابياً”. واشار الى ان “الحشد له خصوصية لأنه انطلق من فتوى شرعية”، مؤكداً ان “هيئة الحشد غير مسؤولة عن رفع بعض الجهات شعاراً بأنها من أنصار الحشد، وان حرق مقر الحزب الديمقراطي في بغداد أمر مؤسف وعمل اجرامي”. وتابع الفياض “شعرنا بالخجل لرفع علم الحشد فوق مبنى الحزب”، موضحاً ان “القوات الأمنية ألقت القبض على 15 الى 18 شخصا متهما بالحرق.)(5)

خلاصة القول، أن هناك عشرات المليشيات المسلحة المنفلتة تعبث بأمن البلاد والعباد لخدمة إيران، وتأتمر بأوامر الحكومة الإيرانية ضد مصلحة الشعب العراقي، وهي ليست من الحشد الشعبي، لذلك يجب عدم السماح لها بارتكاب الجرائم ضد المؤسسات العراقية، والأجنبية باسم الحشد. فخطر هؤلاء على العراق وشعبه لا يقل عن خطر داعش على استقرار العراق. لذلك يجب محاربتهم وحل تنظيماتهم قبل فوات الأوان. وعلى أبناء شعبنا أن ينتبهوا إلى ما يحاك ضدهم من مؤامرات قذرة لتدمير وطنهم خدمة لإيران وباسم الدين. ولا بد أن البعض من هؤلاء يعملون ما يعملون من شر بحق شعبهم معتقدين أنهم يعملون ذلك كواجب ديني شرعي بعد أن تعرضوا لغسيل الدماغ من قبل قادتهم الذين استغلوا الدين والمذهب لأغراض سياسية.

يقول العالم الفيزيائي ستيفن واينبرغ الحائز على جائزة نوبل: “الناس الطيبون يفعلون الخير، والأشرار يفعلون الأشياء الشريرة. لكن أن يقوم الأخيار بأفعال شريرة، فهذا يحتاج إلى مبرر ديني.”

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here