الهجرات العربية القديمة الى بلاد الرافدين واسبابها – ح 6 الحلقة الاخيرة (*)

الهجرات العربية القديمة الى بلاد الرافدين واسبابها – ح 6 الحلقة الاخيرة (*)
د. رضأ العطار

كانت منطقة الشرق الادنى في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ الحضارة البشرية تحتضن اقدم حضارتين انسانيتين على وجه الأرض. اي قبل اكثر من خمسة الاف سنة لا تضاحيها حضارة بشرية اخرى على الأطلاق. هما الحضارة السومرية في وادي الرافدين والحضارة الفرعونية في وادي النيل. والظاهر ان الذي اسرع بتقدم حضارات الشرق الادنى هو قيامها في مواقع جغرافية متوسطة في العالم القديم, فلا بد ان مكتشفات السومريين مثلا كانت تصل الى المصريين القدماء عن طريق القوافل التجارية والعكس صحيح . فاعطى هذا التبادل الحضاري غير المقصود دفعات قوية لنشوء الحضارتين المذكورتين.

ان اولى الهجرات العربية التي انبثقت في صدر الأسلام من الحجاز الى الأطراف الشمالية لشبه الجزيرة العربية كانت تشمل جنود جيش الأسلام وقد رافقتها اعداد كبيرة من المدنيين زمن الخليفة عمر بن الخطاب (رض) متوجهة الى العراق عام 636 م والى مصر عام 639 م , بغية نشر الأسلام فيهما.
ثم تبعتها هجرات جماعية متناثرة الى بلاد الرافدين الى ان اطل القرن الرابع عشر الميلادي حتى اشتد زخم الهجرات لتشمل قبائل المنتفك العدنانية وقبائل الزبيد القحطانية ثم عشائر الخزاعل وبنو لام وفرازه وعقيل ونمير وغشير, ثم تبعتها قبائل ربيعة والعبيد والحميرية وصائح وشمر الطوقة ثم لحقت بها بعد حقبة زمنية عشائر بني تميم وعنزة والظفير وحرب وجبور وشمر الجربة, وفي اواخر القرن العشرين وصلت الى العراق اخر مجموعة من عشائر البو محمد واستوطنت مناطق الاهوار في محافظة العمارة واستقرت فيها نهائيا وبهم انتهى تاريخ الهجرات العربية لبلاد الرافدين بشكلها الجماعي , هذا ما يذكره المؤرخ حنا بطاطو.

والجدير بالذكر ان اسباب الهجرات العربية الأخيرة التي حدثث خلال القرن الثامن عشر اختلفت في جوهرها عن سابقاتها, كون ان الأولى كانت تكمن في تغييرات المناخ وما يعقبها من حالة الجفاف والتصحر, بينما اسباب الهجرات في الثانية كانت تكمن في ظهور الحركة الوهابية في الحجاز بقيادة محمد عبد الوهاب الذي استعمل اتباعه اسلوب العنف في تغيير معتقدات المسلمين مما حدى بجماعات كثيرة من السكان المحليين الى ترك مناطق سكناهم حفاظا على ارواحهم والألتجاء الى البلدان الأمنة في الشمال كان العراق في مقدمتها.
ان القبائل العربية التي هاجرت الى العراق عبر تاريخه الطويل قد دونت اسمائها وتاريخ وصولها في السجلات الرسمية لدى الحكومات العراقية المتعاقبة، وهي التي شكلت في النهاية البنية التحتية لخارطة سكان العراق الحديث, وان الذين يدعون بحداثة شعب العراق ادعاء باطل تدحضه الثوابت التاريخية هدفهم النيل من عروبته.

لقد هاجر الى بلاد النهرين بعد الفتح الأسلامي جماهير غفيرة من الصحابة واعلام الفكر ساهموا في توطيد حضارته الموفورة بعدما قاموا بتصحيح اللغة العربية طبقا للغة القرأن البليغة, وبذلك غدت العربية اكثر كفاءة على المناورة وامضى قدرة في التعبير مما كان له اكبر الأثر في انشاء مدارس النحو في كل من الكوفة والبصره التي ساهمتا في تنشيط الحركة الأدبية والدينية والفلسفية التي لامسنا ثمارها الحلوة وتجلياتها الأبداعية في الأحتفالات السنوية المشهودة في مهرجان المربد كان معظمها مزيجا من الأدب في اروع صوره او في العلوم العقلية في ابهى مظاهرها.

• مقتبس من الكتب التالية : تاريخ الجزيرة العربية لفليبي، الواح سومر لصموئيل كريمر، العرب قبل الاسلام لجواد علي، علاقة وادي الرافدين بجزيرة العرب لطه باقر، المجتمعات القديمة وحركات الثورة في العراق لحنا بطوطة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here