ثوابت بوليود .. الخطوط الحمراء في السينما الهندية

للسينما الهندية (بوليود) بديهيات لا يمكن المساس بها و تغييرها إلا نادرا، و من يتعدى هذه الخطوط الحمراء عليه أن يكون مستعدا لتبعات عمله مهما كان مخرجا كبيرا أو نجما مشهورا، حيث يمكن أن تصل ردود الفعل الرافضة لهذا التعدي لحد التهديد بالقتل مثلما حدث مع الممثلة ديبيكا باديكون و المخرج سانجاي ليلا بهناسلي في فيلم Padmaavat سنة 2018 ، و سابقا مع الممثلة سونالي بندري في بداية الألفية بسبب لباس هندوسي غيرت شكله و جعلته فاضحا في أحد أفلامها.

الدين حاضر بقوة في السنيما الهندية و كثير من أفلام بوليود هي دروس خفيفة في الهندوسية، تعطيك لمحة سريعة عن الآلهة المهمة عندهم.

رغم احتوائها أحيانا على كثير من التحرر في الأفكار و الطرح، و العري في اللباس و العلاقات، إلا أنه توجد مبادىء أو ممنوعات لا يمكن الاقتراب منها في الأفلام الهندية او المساس بها، مثل الهندوسية، الوطن، الأم، الزوجة، حيث لا يمكن للزوجة أن تكون خائنة، ربما عدد الأفلام التي تكون بطلتها زوجة خائنة في بوليود يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، مثل الفيلم المثير للجدل

Kabhi Alvida Na Kehna المنتج سنة 2016، و هو من إخراج و إنتاج كاران جوهر، الذي تعرض لانتقادات كثيرة حينها، حيث تمرد على الصورة النمطية للزوجة في أفلام بوليود، خاصة و أن قصة الفيلم تسير نحو إعطاء مبرر للخيانة و البحث عن الحب الضائع.

كذلك هناك فيلم من بطولة الممثلة النيبالية و الناشطة الاجتماعية مانيشا كويرالا عنوانه: Tum تكون البطلة فيه زوجة خائنة، لكنها تتراجع فيما بعد عن خيانتها و تتعرض لمتابعة قاتلة من طرف عشيقها المهووس و المضطرب نفسيا، الفيلم من إنتاج سنة 2004 و من إخراج Aruna Raje.

فيلم آخر أثار غضب الرأي العام الهندي و تسبب في انتشار مظاهرات ضده و أعمال شغب في الشارع، فيلم PK المنتج سنة 2014 من بطولة عامر خان و إخراج راج كومار هيراني، و الذي اتهمه المعارضون الهندوس بالتعرض لمسائل دينية و سياسية ممنوع الاقتراب منها.

الشارع الهندي قاس جدا في ردة فعله اتجاه ما لا يعجبه في الأفلام خاصة تلك المتعلقة بالدين، و تاريخ السينما الهندية شهد الكثير من أعمال الشغب و حرق دور السينما بسبب أفلام لا تتناسب مع معتقدات و آراء الشارع الهندي بمختلف أطيافه و دياناته خاصة الأغلبية الهندوسية.

رغم أن رواد السينما الهندية الأوائل كانوا مزيجا من مختلف الديانات، إلا أن الأفلام الهندية على مدى سنواتها الطويلة التي تفوق المئة سنة سارت في الغالب بما يرضي الأغلبية الهندوسية شارعا و حكاما.

الجنس في بوليود كان من الأول تابو و من أهم الممنوعات، لكن للسينما الهندية إغراؤها الخاص بها، كان إغراء محتشما جدا في سينما الأبيض و الأسود، و كانت أغلب أفلامهم عائلية و ملتزمة بالمعنى العامي للكلمة، لكن مع الثورة الجنسية العالمية في الستينات و السبعينات من القرن الماضي عرفت بوليود نوعا من التحرر و الزيادة في العري تماشيا مع الوضع السائد، و لعل الجميع يعرف في تلك الفترة رمز الإغراء زينات أمان، التي كانت تبدو حينها قنبلة جنسية بالنسبة للهند التي كانت تمنع القبلة الفرنسية في كل أفلامها، و لا تزال ترفضها بعض ممثلات النخبة لحد الآن.

في فترة الثمانينات استمر الوضع نفسه مع الإغراء الهندي لكن لم يكن صارخا، لغاية بداية الألفية، حيث تغيرت تماما معالم الإغراء في بوليود و أصبح مبتذلا جدا يحوي الكثير من العري و اللقطات الدخيلة على قصة الفيلم، و الرقصات الغريبة التي تشوه الاستعراض الهندي التقليدي الذي شارك في التأسيس لصناعة سينمائية ناجحة.

تعتبر الممثلة المعتزلة و المنتجة الحالية Pooja Bhatt هي التي فتحت صمام الأمان و تركت الباب مفتوحا على مصراعيه لتغير مسار الإغراء في بوليود، و ذلك بإنتاجها لفيلم Jism في جزئه الأول و إخراجها الجزئين الآخرين، لتتوالى بعدها موجة من الأفلام التي اتخذت العري الفاضح سبيلا للنجاح و لم تتوقف هذه الموجة لحد الآن، رغم أن النجمات المعروفات لم يتخصصن في هذا النوع من الأدوار و إنما كانت الريادة للممثلات: بيباشا باسو، مليكة شيراوات، نيها دوبتيا………

و مع ذلك، يعتبر الإغراء معادلة فاشلة في بوليود إذا اعتمدت عليه الممثلة لوحده، و هو ليس من التابوهات المحرمة حاليا، و لا يثير غضب الشارع بقدر ما تثيره المواضيع الدينية و السياسية.

**جمال الدين بوزيان

ناشط اجتماعي جزائري

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here