كيف يختار الانسان عاداته الحسنة ؟

كيف يختار الانسان عاداته الحسنة ؟ * د. رضا العطار

نحن نعيش بالعادات، عادات العمل وعادات الفكر، ولكل منا عاداته الخاصة، الحسنة ام السيئة، في المشي والحديث والاكل والتفكير، اي انه يتخذ اسلوبا او اساليب في كل ما يعمل. وهذه الاساليب تلصق به طوال عمره.
والعادة في نظر الفيلسوف ولنجتون ليست طبيعة، اذ انها تفوق الطبيعة بعشر مرات.
لكن عادات التفكير لا تقل خطورة عن عادات العمل، فهناك بعض الناس يختلفون تفائلا او تشائما بالدنيا وصروفها لعادات تعودوها لا يطيقون التخلص منها. وكلنا يعرف ذلك الشاب الذي يتسم بالتهكم، يستصغر لكل ما نفعل، لكنه يملأنا طربا بنكاته ونوادره. وهناك الاخر الذي تعود الوقار فيكاد يجهل الضحك. ثم هناك آخرون قد تعودوا الانتقاد او حتى المنافرة، فهم على الدوام في موقف المعارضة والمناقضة. ثم هناك ذلك الذي تعود المخاصمة، فلا نعرف كيف نحادثه لاننا نتوقع منه كل وقت لوما لنا في غير ما نستحق ان نلام عليه. وجميع هذه الاخلاق عادات ذهنية يتعودها احدنا ايام طفولته في الغالب فتثبت ولا تتركه طوال حياته.

ولكن كما تثبت العادة السيئة كذلك تثبت العادة الحسنة. ولذلك يحتاج كل منا كي يعيش في اقتصاد ذهني وجسمي وفي ملاءمة بينه وبين الوسط الاجتماعي و المادي، اي يتعود العادات الحسنة اي عادة الدراسة الدائمة والعمل المجدي والتسلية الذهنية والمعاشرة الاجتماعية التي تنأى عن العبث والشر … وميزة العادات انها تجعل العسير من الاعمال سهلا محببا الى النفس. وصحيح ان عاداتنا العامة التي تحرك غرائزنا وتنشط عقولنا تأتينا عفوا، بعضها ايام الطفولة وبعضها بعد ذلك. ولكن ليس معنى هذا اننا نعجز عن تكوين العادات الحسنة اي نكونها بأرادتنا وعلى معرفة تامة بمنفعتها وضرورتها لنا.

والهدف الذي نقصد اليه من تكوين العادة ان نقتصد في مجهودنا حتى نستطيع ان نؤدي مقدارا من العمل اكبر مما كنا نؤديه قبل ان تتكون العادة وتستهلك من قوتنا اقل مما كانت تستهلك. والرجل الحكيم لا يترك نفسه يعيش عفوا كأنه مسوق بالظروف والصروف اذ يجب ان يعيش قصدا باهدافه وعلى تقدير مواهبه وكفاءته بما يجعل حياته مجدية و سعيدة. وهو محتاج لهذا السبب الى ان يتعود العادات الحسنة التي تعمل على رقيه وتطوره.

واول ما يحتاج اليه في تكوين عادة ما ان نقتنع بفائدتها وضرورتها لنا، وهذا الاقتناع ليس محض الميل والاتجاه، اذ يجب ان نعين الفوائد التي تعود علينا كتابة مع التفصيل الذي ربما يحتاج الى مراجعة ليتسنى لنا التفكير والتنقيح. اي اننا يجب ان نحس اننا لم نأخذ بهذه العادة الا بعد حكم قد وصلنا اليه عن دراية ويقظة واننا بنينا هذا الحكم على اسباب قوية وتحقيقات دقيقة قد اقتضاها – تصميم – حياتنا.

فاذا اقتنعنا بفوائد العادة شرعنا فيها، ولا بد من ممارستها و المثابرة فيها. وواضح اننا عندما نختار عادة، يجب ان تكون في مستطاعنا و لا تتجاوز طاقتنا وقد يؤدي عجزنا الى تركها. مثال ذلك : نفرض ان احدنا بلغ الثلاثين و يجد نفسه قد قصّر في الدراسة وان زملاءه قد سبقوه فصار لهم مقام محمود وحققوا الاماني وهو لم يحصل عليها، فهنا يحثه الواجب ان يعود ويواصل عادة الدراسة.

فأول ما يعمد اليه ان يعين هدف هذه الدراسة ويوضح لنفسه الاسباب التي تدعوه اليها، يثبتها كتابة حتى يقتنع بضرورتها، ثم يثابر، والمثابرة هنا تعني انه لا ينقطع، وهو محتاج الى تشجيع وقد لا يجد هذا التشجيع من اخوانه وعليه عندئذ ان يسجل نجاحه يوما بعد يوم لان هذا التسجيل يوضح له الخطوات التي خطاها نحو تحقيق اهدافه فهو يزيده حماسة ونشاطا واقبالا.

العادات الحسنة كثيرة ونحن محتاجون اليها كالرياضة اليومية والمحادثة بكلمات كريمة والاعتدال في الطعام مع التأنق الذي يقتضيه التمدن وامثال ذلك مما قد تصغر قيمته عندما نتأمله عملا منفردا ولكن تكبر قيمته عندما نتأمله عادة متكررة، اذ قد يسهل علينا ان نتحدث الى احد الناس في لغة مهذبة وكلمات انيقة اذا قصدنا الى ذلك وتكلفنا ولكن لا يسهل علينا فعل ذلك مع جميع الناس على سبيل العادة عفوا وسماحة وكثير من النجاح يعزى احيانا الى مثل هذه العادات.

عرفت شخصا نال منصبا عاليا بحكم الظروف السياسية الأستثنائية يفتقد الى المعارف العميقة والدراسة المستفيضة تؤهله لذلك لكنه كان ذكيا، تمكن من سد هذا النقص في ثقافته وعوضه بسلوكه الشخصي في الكلمة والايماءة. وكراهة كل ما يعيب من التصرف ومواظبة العمل، وبمرور الزمن اصبحت العادات الجديدة جزء من جهازه النفسي فلم يكن يحس اية مشقة في القيام بها فكان السبب في نجاحه، نباهته.
* مقتبس من كتاب فن الحب والحياة لسلامه موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here