ماذا نستفيد إذا حكمنا على صدام بالكفر؟ من لم يكفر بالطاغوت لا تنفعه لا إله إلا الله ولو كانت آخر كلامه

الأحكام لا تتحقق إلا بتوافر شروطها وانتفاء موانعها
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فما زلت في بيان مسألة مهمة ألا وهي حكم المرتد إذا مات بعد أن قال “لا إله إلا الله” هل يكون بذلك مسلما؟ ولقد ذكرت لك أخي القارئ الكريم في المقال السابق الفرق بين الكافر الأصلي إذا قال لا إله إلا الله وبين الكافر المرتد الذي يقول لا إله إلا الله ويكررها فارجع إليه فإنه نافع ومفيد. وكنت قد وعدتك أخي القارئ بالجواب على الإشكال الآتي: “من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة”

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة” [رواه أبو داود (3116) وصححه الألباني]. لقد ظن البعض أن هذا الحديث على إطلاقه من غير قيد أو شرط وأن كل من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة حتى لو لم يحقق شروطها ولا شك أن هذا من أبطل الباطل، ومن القواعد المقررة عند أهل العلم “أن الأحكام لا تتحقق إلا بتوافر شروطها وانتفاء موانعها”.

وهكذا “لا إله إلا الله” لا يدخل قائلها الجنة بمجرد قوله إياها، بل لابد له من تحقق شروطها لذا قال الإمام البخاري في صحيحه: قيل لوهب بن منبه “أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، لكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح الله، وإلا لم يفتح لك”.

شروط لا إله إلا الله

نظمها بعضهم فقال:

علم يقين وإخلاص وصدقك مع **** محبة وانقياد والقبول لها

وقيل:

وزيد ثامنها الكفران منك بما **** سوى الإله من الأوثان قد ألها

فلا بد من العلم المنافي للجهل واليقين المنافي للشك والإخلاص المنافي للشرك والرياء والنفاق والصدق المنافي للكذب والمحبة المنافية للبغض والانقياد المنافي للترك والقبول المنافي للرد، ولا بد من الكفر بالطاغوت والإيمان بالله تعالى وهذه الشروط كلها لها أدلتها من الكتاب والسنة ليس هذا موضع ذكرها.

لا بد من الكفر بالطاغوت
إذا عرفت هذا أخي القارئ الكريم تبين لك سبب تكفير العلامة المفتي الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى للطاغية الهالك صدام حسين، فإنه وإن قال لا إله إلا الله ولو كانت آخر كلامه فلا تنفعه حتى يكفر بالطاغوت، ومن الطاغوت، حزب البعث الاشتراكي الإلحادي الذي يقول فيه شاعرهم:

آمنت بالبعث ربا لا شريك له **** وبالعروبة دينا ما له من ثاني

أخي القارئ العزيز وفقك الله للحق المبين إذا لم تستوعب هذا فتدبر قوله تعالى ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرةـ 256]. وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل” [رواه مسلم كتاب الإيمان (1/53)]. قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين في كتابه القول المفيد (1/157) قوله: “وكفر بما يُعبد من دون الله” دليل على أنه لا يكفي مجرد التلفظ بلا إله إلا الله بل لا بد أن تكفر بعبادة من يُعبد من دون الله، بل وتكفر أيضا بكل كفر، فمن يقول: لا إله إلا الله ويرى أن النصارى واليهود اليوم على دين صحيح، فليس بمسلم ومن يرى الأديان أفكارا يختار منهنا ما يريد، فليس بمسلم بل الأديان عقائد مفروضة من قبل الله عز وجل يتمشى الناس عليها. أ. هـ

صدام ليس شيعيا ولا سنيا
يغلط كثير من الناس فيقول صدام سني ومحسوب على السنة!! والحق أن ليس كل من ليس بشيعي فهو سني. فالدروز ليسوا شيعة ولا سنة، والإباضية ليسوا شيعة ولا سنة، والخوارج ليسوا شيعة ولا سنة وهكذا الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والكلابية والصوفية وغيرهم كثير فهم وإن كانوا ليسوا شيعة لكن أيضا ليسوا سنة، ومن باب أولى أن صدام وأمثاله ممن اعتنق حزب البعث الاشتراكي العفلقي وارتد عن الإسلام ألا يقال عنه سني إذ سنة النبي صلى الله عليه وسلم عنه بعيدة عنه بعد المشرق عن المغرب.

هل يحتمل أن صدام تاب قبل أن يموت؟
أخي القارئ ذكرت لك في المقال السابق أن هذا الاحتمال ظن، واما كفره وتبنيه للبعث وأفكاره ومبادئه يقين واليقين لا يزول بالشك فإذا صح أن يقال “يمكن تاب” يصح أيضا أن يقال ويمكن “لم يتب” والذي يؤكد عدم توبته إصراره على البقاء معتزا به ولم يتبرأ منه والله تعالى يقول (إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا) [البقرةـ 160] ولأن أهم شروط التوبة الإقلاع عن الذنب والندم عليه قال تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران ـ 135] وقال تعالى (إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساءـ 146].

ماذا نستفيد إذا حكمنا على صدام بالكفر؟
سبحان الله هذا سؤال غريب كيف يخفى على كثير من الناس؟ فلو قلنا وماذا يضر الله تعالى لو خلق الجنة ولم يخلق النار ولم يعذب أحدا من عباده؟ فكيف سيكون الجواب؟ أخي القارئ الكريم، رب العالمين يقول في كتابه أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (36) [القلم ـ 35] ويقول (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) [السجدةـ 18]، إذن نحن كيف نساوي بين المحسن والمسيء؟! فكم يتألم أولئك المظلومون الذي ابيدت قراهم وسفكت دماؤهم وذهبت ديارهم وهتكت أعراضهم كم يتألمون إذا سمعوا من يقول صدام شهيد وبطل رحمه الله رحمه الله يرجى له الجنة سبحان الله سبحان الله يقصد العجب من قول هؤلاء فوالذي نفسي بيده لو أن أحدهم ذاق عُشر الظلم الذي كان يظلم صدام به الناس ما قال هذا الكلام وجرح به المظلومين وذويهم.

وتدبر قول الله تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 14ـ15]. واقرأ وتدبر وتذكر وتفكر قول الله عز وجل ( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) ]المطففين]. فقد جعل الله من نعيم أهل الجنة أنهم يضحكون يوم القيامة من الكفار، وأما كونه قتل بأيدي ظلمة مثله أو أظلم منه فهذا من حكمة الله تعالى وتدبيره قال تعالى (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأنعام ـ 129]، واما كونه قتل يوم الحج الأكبر وصعد المنصة بخطوات ثابتة وقال لهم أنا عسكري اقتلوني بالرصاص لا شنقا وقال لهم يا جبناء وقالوا له إلى جهنم وبئس المصير إلى غير ذلك من الحجج السخيفة الواهية العليلة فإنها لا تستحق الرد ويكفي في الرد عليها سخافتها وضعفها.

اللهم ادفع الظالمين بالظالمين واجعلنا من بينهم سالمين وآمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين.

الشيخ سالم بن سعد الطويل

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here