أْتَمروا بآلمعروف (ألحلقةُ آلثالثة)

أْتَمروا بآلمعروف (ألحلقةُ آلثالثة)
بقلم العارف الحكيم عزيز الخزرجي

في آلحلقة الماضية بيّنا؛ أسرار خلق الله تعالى في خلقه للوجود من العناصر الأربعة و للأنسان من آلحمأ ألمسنون(السيان ألآسن) مع العناية الفائقة بيديه تعالى لتحديد ملامحه التكوينيّة و آلجّماليّة, بجانب أسرار كثيرة في علاقة آلبدن بآلحواس و بآلقلب وبآلعقل شرحناها في موضوعات سابقة و أشرنا لفلسفه خلط الرّوح بالطين ليكتمل ألخلق, تمهيداً لدخول الأمتحان الألهي بإختيار بعد عملية الهبوط للأرض؟

و بيّنا ؛ لماذا خُلقنا من ألحمأ المسنون ألآسن؟ و ما آلفرق بينهُ و بين (ألحمأ غير ألمسنون)؟

و لماذا لم يخلق الله ألانسان من طين أو معدن آخر كآلذهب أو البلاتنيوم أو الزئبق بكُن فيكون مثلاً؟

و السؤآل ألأهمّ ممّا ذكرنا: لماذا و كيف خلط الباري (ألرّوح الطيبة) مع (الطين العفن)!؟

أعتقد ألسّبب الأساسيّ يتعلّق بفلسفة الخلق نفسه و بموضوع [ألتّضاد], و إرتباطهُ بمصير الأنسان و إمتحانه عبر آلنّجدين ألمُتضادّين؛

ألأوّل : طريق الخير ألذي يتحدّد و يعلوا بمدى إرتقاء ألرّوح .
والثاني : طريق الشّر ألذي يتواأم مع مُكوّن الطين, وإنداسه.

و الطريقان يرتبطان بأصل و ماهيّة ألمُكوّنييّن: [الرّوحيّة] و [ألطينيّة], فإما يكون إنساناً روحانيّاً أو يكون طينيّاً؟ فآلروحانيّة من جانب تدفع صاحبها نحو الفضيلة و الأخلاق و القيم و الأدب و العدالة و التواضع حتى للنّملة لكون عطائها أكبر و أكثر من البشر نسبيّاً!
و الطينية ؛ تجرّ صاحبها نحو الأنحطاط الهبوط وآلتّعدي والتجاوز والفساد عبر خلق التهم و الكذب و النفاق و الغيبة و الحسد وغيرها.

أما البشر الذي عليه أن يرتقي لمرتبة الانسان فإنه مُخيّر و مُختار .. و له كامل الحريّة في إنتخاب أحد المسلكين(ألخير أو ألشّرّ), فلو إرتبط و مال و حثّ النفس بمخزون طاقته نحو آلخير و آلمعروف و هو إتجاه (الرّوح) و منع النفس عن الهوى؛ لفاز و نجح في الأمتحان الذي يُواجهه في الدّنيا, من خلال مستويات سلوكيّة وفكريّة عديدة!

أما لو إرتبط بالشّر والمنكر وأطلق عنان نفسه للهوى؛ فقد سار بخط ألشّيطان وهو طبيعة الطين العفن و المكان الرّحب لغواية الشيطان بصاحبه, عن طريق (الماديّات وحُبّ الشهوات والمال والتسلط والظهور) فيكون مصيره آلخسران وآلفشل في الأمتحان وسقوطه!

إنّ عبور هذا (الأمتحان) من خلال تجاوز (ألعقبة الكأداء) و كما خصص الباري له سوراً و آيات ؛ ليست سهلة و لا يستطيعها إلّا الذين صبروا و تمرّسوا بالمعروف عبر المطالعة و القراءة لمعرفة نفوسهم و ذواتهم و أصل تكوينهم عبر رياضات وجهاد طويل مع المغريات التي هي آلبؤرة التي ينتعش فيها آلشّر, خصوصاً إذا لم يتسلح بآلتقوى, و كما بيّن ذلك الخالق و حذّرنا (إجمالاً) في سورة الشمس و (مُفصّلاً) في سورة البلد و (إسهاباً) في سورة المؤمنون, و (تفصيلاً) في آلقصص و آيات آلقرآن, و يُمكن للباحثين ألتّعمق و التأمل في مضامين و أبعاد ذلك لمعرفة ألسّر في جمع النقيضين (ألطهارة و النّجاسة) في وجود الأنسان, بحيث إنّ الفلاسفة بجانب أئمة لدِّين قد أشاروا إلى أنّ نظريّة [ألتّضاد] تُعتبر ألدّافع و المُحدد للأطار ألعام لخلق الأنسان و سعيه و كدحه إما لجهة ألخير أو لجهة ألشّر!

بإختصار يتجسّد الأمر بـ: [لولا ألتّضاد ما صحّ دوام الفيض عن ألمبدأ ألجواد](1) و أضفتُ ؛[… أو من آلشيطان ألكذّاب] ليكتمل المعنى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هكذا عبّر (صدر آلدّين شيرازي, 1572 – 1640م) الملقب بآلملا صدرا , كتاب الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة – مطبعة المصطفوي, ط7 ص7.
وقد نقل عن الأستاذ الشهيد المطهري بجانب ما بيّناهُ في الفلسفة الكونية؛ [أنّ الموت و آلشّيبة لازمتان لتكامل ألرّوح و انتقاله من نشأة إلى نشأة أخرى، كما أنه لولا “التزاحم والتّضاد”؛ (لا تقبل و لا تتحول المادة من صورة لأخرى أيّ تحقق الإستحالة, بل اللازم أنْ يكون لها في جميع الأحوال و الأزمان صورة واحدة)، وهو كاف للمانعية عن بسط تكامل نظام الوجود، إذ بسبب (التزاحم والتضاد) وبطلان و انهدام الصّور الموجودة، يحصل التحوّل للصور اللاحقة ويبسط الوجود و يتطور حتى يتكامل], (المطهري أصول الفلسفة – ج 5 ص 69.)..
و لذا إشتهر بين الحكماء: [لولا التضاد ما صح دوام الفيض عن المبدأ الجواد], مضافا إلى تأثير الشّرور(ألشّر) في التكامل و التسابق ألمدنيّ و الحضاري, فلولا التنافس و العداوة و الرقابة؛ لما كان وجود للسباق والتحرك ثم التطور، بل لولا الحرب لما كانت الحضارة و التقدم لهذا حدّد الخالق أحكام وأخلاق يجب مراعاتها عند التعرض لذلك، وهكذا يلعب المنافسة دوراً كبيراً في تطور الحياة, بل و رغّبنا الباري في ذلك بآلقول؛ ( … وفي هذا فليتنافس المتنافسون), فمع التوجه إلى أنّ العالم الطبيعيّ عالم تدرج و تكامل و حركة من القوة إلى الفعل و من النقص إلى الكمال، والتدرج من ذاتيات الطبيعة الماديّة، بل أن حركة العالم المادي وسوقه نحو الكمال؛ لا تحصل بدون (التزاحم و التضاد) أو (بطلان و انهدام) بل، تكون موقوفة على تلك الأصول التي تسمى شروراً، لتظهر فائدة الشرور وتأثيرها في سوق مصالح الخلق و هذا يفسر بآلضّمن مسألة وجود الشّرّ و الخير أو القبح و الجمال أو غيرها من التناقضات, وبذلك ينقدح أنّ شرّيّة ما سُمّي “شرّاً” بلحاظ إضافته إلى جزئي و شئ خاص لا بلحاظ أوسع ؛ هو خير و ليس بشرّ, و إن كنت أرى أن (المحبة) و (التعارف) و (التواضع) هو الذي يوصلنا للمدنية العالية, لكن طبيعة الخلق هو الذي يحدد هذه المسألة, لأرتباط وجوده بآلشيطان الذي يمثل أصل الشر في الوجود وله حصّة في عملية التكامل و الهدم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here