النباشة .. مهنة أوجدها الفقراء باحثين عن العيش بين أكوام النفايات

منتظر الخرسان

يتكسب دخله اليومي وسط الطمر الصحي للنفايات كي يؤمن ما مقداره خمسة آلاف دينار ليقتات عليها مع اخ اصغر منه وأم جليسة المنزل، هذا هو حال “ناصر حسين” الذي عمل بمهنة ما تسمى “النباشة”.

مهنة حلوها مر فلا تكسي عاريا ولا تشبع جائعا ولكنها يمكن ان تسد من تضور الجوع بهذه الكلمات اختصرها “ناصر” وهو الذي يسكن في بيت متهرئ بمنطقة تبعد عن مركز الناصرية قرابة الثلاثة كيلو مترات وسكان منطقته يدعون من سكنة العشوائيات او الحواسم اذ يقوم منذ ساعات الصباح الباكر بتأبط كيسه المنسوج من الخيوط البلاستيكية وهو يرتدي “بلوز” بان عليها القدم وقطعة قماش يضعها على رأسه ويتلثم بها عندما يقترب من موقع الطمر كي يقي فمه وانفه من روائح اكوام النفايات.

“ناصر” يقف عند دكة الباب بانتظار رفيق له في العمل ذاته الذي لديه دراجة نارية ذو عربة خلفية تسمى “الستوتة” ليتوجهوا نحو طمر النفايات المسمى بالطمر الصحي المملوء بآلاف الاطنان من النفايات والملوثات البيئية ففي هذا المكان يمكنهم البحث عن الحياة عبر العلب المعدنية الصغيرة او قطع البلاستيك وحرق اسلاك النحاس المغطاة بالبلاستك كي يكون معدنا خالصا.

هذه المهنة سميت بـ “النباشة” اذ جاءت نتيجة البحث المستمر في داخل النفايات، وينتهي عمله في منتصف النهار وهو يملأ كيسه بهذه العلب المعدنية من الالمنيوم واسلاك النحاس وبعض القطع البلاستيكية.

عمله هذا ليس لوحده بل عشرات الأشخاص من الرجال والنساء والفتيات يعملن بهذه المهنة التي لا يرغبها المئات من الأهالي الا ان ضنك العيش أجبرهم على هذا العمل.

ويشير “ناصر” الى انه رغم المحاذير الصحية ووباء كورونا فهم لم يتوقفوا عن البحث عن قوتهم اليومي فما يجمعه باليوم الواحد لا تتجاوز قيمته المالية العشرة آلاف دينار وهذا المبلغ يمكن ان يكفي لوجبتي طعام للفرد الواحد الا انه يكفيه مع عائلته جميعا لثلاث وجبات فكل وجبة يأكلون شيئا قليلا ليوفروا للوجبة التي تليها.

وهو يتكلم اذ تشاهد كفيه التي عليها آثار السمرة من حرارة الشمس والجروح نتيجة ما يوجهه من البحث وسط النفايات فهناك الزجاج المكسر والآلات الحادة التي تصيب يديه، لم يرتدي الكفوف فهو يرى في هذا مبلغا اضافيا فكلفته لا تتجاوز الالف دينار الا انه يثقل كاهله.

سوق بضاعة النباشة يتوسط مركز المدينة او ما يسمى بأصحاب العتيق يجمعون البلاستك والقطع المعدنية من الألمنيوم والنحاس فكل مادة توزن على حدة وتقدر سعرها ليقوم بعد ذلك اصحاب المحال هذه ببيعها الى تجار كبار في بغداد او بعض المحافظات ممن لديهم مصانع للتدوير ليعاد صهرها من جديد وصناعة مواد تقدم للمستهلك.

ورغم ما يتعرض له النباشة من خطورة الإصابة بالأمراض الانتقالية فهم يُقابلون بالإساءة من بعض الناس بسبب عملهم فجميع الذين يعملون هم ممن ترك المدرسة او أميين فلذلك لا يجدون ملاذا آمنا للعمل الحكومي ولم تشرع الحكومة بإيجاد معامل خاصة بتدوير النفايات والاستفادة منهم بأجر يضمن له العيش الكريم.

رفيقه “حسين عبد الله” صاحب الستوتة والبالغ من العمر 20 سنة يقول ان هذه المهنة عمل بها منذ سنتين تقريبا اذ لم يحصل على فرصة للعمل فلم يكمل تحصيله الدراسي تاركا المدرسة في الثاني المتوسط وعجلته الستوتة المتهرئة قام بشرائها بعد ان جمع لها مبلغا قدره 600 الف دينار فلولا انها مستهلكة جدا لما كان سعرها بهذا القدر فضلا عن انها لا تقاوم العمل اليومي بشكل مستمر كما هو الحال في بقية العجلات الاخرى.

ويكمل حديثه انه في نهاية كل يوم يتمكن من جمع اكبر قدر ممكن من المواد ووضعها في عربة عجلته مع مواد صديقه ناصر والآخرين ويأخذ منهم أجرة رمزية تكفي للوقود ليعودوا بها إلى السوق ويبيعوها.

فما زالت هذه المهنة موجودة رغم الإجراءات الحكومية المتعثرة لنقل موقع الطمر الصحي الواقع جنوبي الناصرية بمسافة أبعد مما هو عليه الآن ليقللوا ضرره نتيجة الادخنة بسبب الحرائق التي تؤثر على الاحياء السكنية القريبة منه حتى تسببت بامراض تنفسية لاهالي هذه الاحياء.

“ناصر” ينهي كلامه معنا وهو جالس في عربة الستوتة مع اكوام العلب المعدنية والقطع البلاستيكية المتسخة والروائح الكريهة ليقول “هذا عملنا لا مفر منه وان تركته ليوم واحد يعني لا طعام لي ولعائلتي”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here