الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! (اقتباس) ح 3

الهجرات العربية بأتجاه الشرق قديما ! حضرموت ودورها المحوري في نقل الثقافة الاسلامية الى اقطار جنوب شرق آسيا ! (اقتباس) ح 3 د. رضا العطار

قلنا في الحلقة السابقة ان مدينة تريم في حضرموت مبنية مساكنها من الطين، فلا أثر فيها للحجر، واسوارها الطينية عالية، تحيطها من كل جانب، ومما يثير دهشة المسافر الى حضرموت، كثرة الماذن فيها, ففي مدينة تريم الصغيرة وحدها كانت 365 مأذنة ! فالأثرياء منهم كانوا يكتبون في وصيتهم على وجوب بناء ماذنة بعد موتهم ـ لا مدرسة ولا مستوصف ولا حتى جامع ـ وقد اتفق ان كان عدد الماذن في ذلك اليوم مساويا مع عدد ايام السنة.

واذا دُعيت الى دار احدهم من الاغنياء, دهشت لما تشاهد عنده من مظاهر الترف, فالباب الخارجية جلبت له من سنغافورة واثاث الحديقة من جزر الملايو , كل شئ باللون الاخضر وكانك في غابة استوائية, وعلى المائدة الطويلة اصطفت انواع الطعام والشراب وكانك في قصر احد سلاطين ماليزيا،
كما زينت جدران الدار بنقوش فنية زاهية ذات طابع عربي جميل.

اما مكلا, المدينة الساحلية فهي تعج دوما بالبشر, وقد يصادفك جنود حفاة يستقبلون المراكب الشراعية وهي تسحب ورائها زوارق صغيرة غارقة وقد تمزقت بفعل المد قادمة باتجاه الساحل، المزدحم باسماك ملونة تركها المد قبل ان يرحل, تلتهمها السلاحف الكبيرة المنتشرة على الشاطئ.

من مكلا ابحر الحضارمة الى العالم الخارجي ليعملوا في اوطان بعيدة ويجمعوا ثروات ويبنوا امجاد ويندمجوا بثقافات امم اخرى, يثبتوا فيها قدراتهم على العمل المفيد, علما ان عدد الحضارمة خارج بلدهم كان اكثر من عددهم داخل بلدهم. فالمقيم في الخارج يعيل المقيم في الداخل, فالثروة الموجودة لديهم هي ثروة المهجر. و كان الحضرمي اذا هاجر يعود الى بلاده بعد سنوات ومعه الاموال, يبني فيها ناطحات سحاب من الطين, التي كانت تعرف عندهم يومذاك بالقصور العوالي, ثم يقوم بمزاولة التجارة, فيصدر محاصيل بلاده من تمر وتبغ وحناء وبخور واحجار كريمة, ولا يحمل معه الى الخارج الا عقيدة الاسلام, ينشرها اينما حل, وبالمقابل يستورد من بلاد المهجر الحرير والتوابل وقصب السكر وبعضا من ثقافته وكثيرا من تجارب الحياة.
غادر حضرموت في العام 313 للهجرة قافلة من المسلمين تضم عددا من الاسر العلوية، هاشمية النسب, برفقة اتباعهم وذويهم في سفينة شراعية متجهة الى ممالك الهند الصينية, كان من بينهم ابناء الحاج احمد بن عيسى, ابن حفيد الامام جعفر الصادق (ع) . واحمد هذا لقب بعدئذ بكنية المهاجر، نظرا لما قام به من نشاط وهاج في نشر العقيدة الاسلامية في الاقطار التي حل فيها. وعندما وصلت سفينتهم الى الهند لم يلبثوا فيها طويلا بل انما واصلوا رحلتهم في سفر شاق طويل, كانت الرياح الموسمية تجرف سفينتهم بأتجاه الشرق الاقصى حتى وصلوا جاوة، احدى جزر اندونيسيا الكبيرة، بعد خمسة شهور من الابحار, فأرسوا على شواطئها الغربية واستقروا فيها.

تقع اندونيسيا بين المحيطين الهادي والهندي وهي مجموعة جزر تفصل قارة اسيا عن استراليا وتعرف بأسم ارخبيل الملايو، وقوامها جزر كبيرة مثل سومطرة وجاوه واخرى صغيرة مثل بالي وجزر الملوك واخرى جزر صغيرة كثيرة.
تقع اندونيسيا في المنطقة الاستوائية كثيرة الامطار لكن البحار المحيطة بها وكثرة الغابات ساعدت على تلطيف مناخها. وقد جادت الطبيعة عليها بالخيرات التي جعلتها طعمة المستعمرين. ففيها البترول والرصاص والمطاط والقهوة وقصب السكر والقطن والتوابل وجوز الهند والاخشاب وغير ذلك من المواد الضرورية للصناعة.
واكثر الجزر الاندونيسية ازدحاما هي جزيرة جاوه. ففيها ثلاثة اخماس السكان.
وهي اكثر الجزر تقدما من الوجهة الاقتصادية والثقافية.

كان المسلمون التجار والدعاة الاوائل يصلون الى اندونيسيا منذ القرن الاول للهجرة, قادمين من بلدان الشرق الاوسط. وكانت الملايو محطتهم الاولى ولعل اقدم ما يوثق صحة هذه الاخبار هو ما كتبه الرحالة الايطالي مركوبولو عام 1292 م . وكذلك ابن بطوطة عام 1345 م .

* مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية لحسن الامين بيروت 1990
* انتوني نتنج، كتاب العرب، القاهرة 1980

الحلقة التالية في الغد !

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here