هل اللغة تحدد الفكر الجمعي لمستعمليها؟ دراسة حالة ثنائي اللغة وثقافتهم

أ.د عبودي جواد حسن
كلية الانسانيات والعلوم/جامعة عجمان\دولة الامارات العربية المتحدة

من الآراء الشائعة ان المرء يمكن ان يوسع ثقافته بإتقان أكثر من لغة واحدة وفي الواقع ان من طرق توسيع الثقافة الفردية أيضا هي مصاحبة أصدقاء جدد وقراءة الآداب الأجنبية وغيرها ولكن هذا الراي يختلف تماما عن الراي القائل باختلاف طبائع الناطق بلغة مختلفة عن لغته الام عندما يتحدث باللغة الثانية حيث يقول أحد المهتمين في الميدان اللغوي انه شخصيا عندما يتكلم بالعبرية يكون أكثر خشونة من كلامه باللغة الإنجليزية.
وعلى صعيد متصل بهذا يقول عالم اللغويات الأمريكي (بنيامين لي وورف) المتوفى سنة 1941 ان كل لغة هي تجسيد لرؤية هذه اللغة بشكل عام لما هو عليه العالم وهذا ينطبع في سلوك متحدتيها ولهذا الراي معارضوه ولكن هناك أسباب معقولة ترى ان اللغة تحدد الفكر ووجهات النظر.
ولكن هذا التأثير ليس بالضرورة يرتبط بمفردات وقواعد اللغة الثانية. والملاحظ ان معظم الناس من ثنائيي اللغة لا تتماثل عندهم اللغات. العديد منهم تعلم لغة واحدة من الابوين تعلموها في المنزل والأخرى في الحياة ويكون ذلك عادة في المدرسة. وعليه فالأشخاص الذين يتقنون لغتين لهم نقاط قوة ونقاط ضعف في لغاتهم المختلفة وليس بالضرورة ان يكونوا دائما جيدين بلغتهم الأولى. فعلى سبيل المثال عند اختبارهم في لغة اجنبية يقل احتمال الوقوع في مصائد تتعلق بالإدراك-أي يجيبون سؤال الاختبار الواضح ظاهريا بشكل غير صحيح- ولكن هذا نادر الوقوع عند خضوعهم للاختبار في لغتهم الام ويرجع هذا جزئيا الى بطء تفكيرهم في اللغة الثانية فلا عجب ان يشعر الأشخاص بالاختلاف عندما يتكلمون بهذه اللغات ولا عجب أيضا ان يشعروا بحرية اكبر او بعفوية اكبر وربما بتصرف معقول اكبر عندما يتحدثون اللغة التي تربوا عليه.
في الواقع هذا الشعور بالاختلاف لابد منه بالنسبة لاؤلئك الذين نشأوا في بيئة ازدوجت بها اللغة حتى و لو توفرت عندهم كفاءة متناسقة بشكل كامل وحتى في حالة التكلم الذي تتقارب به اجادة للغتين . والسبب الرئيسي في ذلك هو ان الشخص سيشعر بالاختلاف عند التحدث بكلتا اللغتين ويرجع هذا الى وجود فرق بين مفهومي اللغة والثقافة. فلكل لغة ثقافتها الخاصة.
ومن المعروف ان الكثير من الأشخاص ثنائي اللغة هم غير ثنائي الثقافة ولكن البعض القليل منهم هم من ثنائيي الثقافة. وعلينا الا نندهش كثيرا \ويقل اندهاشنا من افراد هذه الفئة الأخيرة اذا شعروا بالاختلاف بين اللغتين. فقد أظهرت التجارب في علم النفس قوة وهيمنة الأولويات والبدايات في التربية – وهي عوامل صغيرة لا يمكن ملاحظتها ولكن تؤثر على سلوك الفرد بشكل كبير . فاذا سئلت أحدهم مثلا ان يروي قصة ذات نهاية سعيدة سيشعر بسعادة ويكون مزاجه افضل. فبالنسبة الى شخص ثنائي اللغة من بورت ريكا يعيش في نيويورك عند تحدثه باللغة الاسبانية بدل الإنجليزية يجعل المرء يشعر بسيادة الانتماء العائلي لهذا الشخص ومدى سعادته ولكن عندما يتحول المتحدث الى الكلام باللغة الإنجليزية يجعل المرء يحس بسيادة انتماء هذا الشخص الى عمله واجواء المدرسة التي تعلم الإنجليزية فيها.
وعليه هناك سببان رئيسان واضحان جدا يجعلان الشخص يحس باختلاف التكلم عندما تختلف اللغات – وهذان السببان هما القدرة غير المتماثلة في اجادة التحدث باللغتين والتراتبية قي اكتساب اللغات.
فعلى سبيل المثال عندما يتحدث اليونانيون بصوت عال وغالبا ما يقاطعون بعضهم البعض. ويرجع السبب في ذلك الى قواعد ونحو اللغة الاغريقية. فعندما يتحدث اليوناني يبتدأ جمله بالأفعال وتتضمن صيغة الفعل الكثير من المعلومات فالمتلقي يعلم أساسا ما يتحدثون حوله بعد سماع الكلمة الأولى ويمكنهم المقاطعة بكل سهولة.
هل هناك شيء جوهري وعميق يجعل اليونانيون يقاطعون كلام بعضهم البعض؟. يبدو ان الناس يعجبهم قص الحكايات حول السمات\الخصائص الموروثة للغاتهم وكيف تؤثر على المتحدث. ويقول بعض المفكرين الفرنسيين المهتمون مدحا بذاتهم ان اللغة الفرنسية هي لغة القانون الوحيدة في الاتحاد الأوروبي لأنها كما يفترضون اللغة الوحيدة التي لا تضارعها لغة في دقتها وصرامتها. فيما يقول بعض المهتمين الالمان ان وضع الفعل في نهاية الجملة في الاغلب في اللغة الألمانية يجعل اللغة منطقية اكثر. ولكن تاريخيا ليس دائما كل الشعوب تمتدح لغاتها. والعديد من المتحدثين بلغات مختلفة يدعون ان لغاتهم بشكل غير عادية تعتبر غير منطقية وصعبة- والشاهد على ذلك كثرة الكتب حول غرابة اللغات والانجليزية بشكل خاص. كما نجد هناك الكثير من التعميمات حول اللغات فيقال عن الفرنسية انها لغة الصرامة والدقة
وفي هذه الحال يقترح المهتمون إيجاد سببية للعلاقة بين قواعد اللغة وطبيعة شخصية المتحدث. فمثلا يمكن التعميم ان متحدثي اليونانية يكثرون مقاطعة الحديث بسبب تحميل الفعل في الجملة الكثير من المعان والمعلومات. والمشكلة الأساسية ان معظم لغات العالم من اسر مختلفة وتضع الفعل في مقدمة الجملة والكثير منها تخضع لعلامات الاعراب وهذا يجعل أفعال جملها تحمل الكثير من المعاني والمعلومات ولكن هناك استثناءات. فمثلا لغة ويلز او بلاد الغال تشبه كثيرا اللغة اليونانية بتقديمها الفعل المحمل بمعلومات كثير ولكن متحدثي الويلزية لا يقاطعون الحديث بشكل مفاجئ كما يفعل اليونانيون.
ويواصل اتباع العالم اللغوي الأمريكي (وورف) تقديم الأدلة والتحليلات التي تقول بان اللغات المختلفة تظهر اختلاف تفكير المتحدثين بها. وهنك الكثير من المؤلفات المنشورة والتي ستنشر حول تأثير اللغة غي قولبة الفكر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here