في مسلسل (ب 100 وش)..!! كلنا لصوص مُتخفّين باللاوعي..!!!

نسيم الكاتب

 طوال الحلقات الثلاثين للمسلسل العربي (بـ 100 وش) الكوميدي الساخر.. والذي يتحدث باختصار عن أفراد عصابتين، تقوم بأعمال نصب واحتيال منفصلتين، سرعان ما تتّحِدا لتنفيذ عملية تزوير مُعقدة، للإستيلاء على إرث أحد فاحشي الغنى، والذي أصلا لم يمت بعدُ، وذلك بمساعدة الممرضة الموكلة بالعناية به طوال عشر سنوات، عاشتها معه مقابل سخائه النسبي تجاهها مقابل تلك العناية، وتزداد الحبكة تعقيدا حين يموت صاحب الشأن فجأة، وبالتحديد، في وسط حال التخطيط الحاسم والدقيق، للإستيلاء على جزء من ثروته – بحسب المتاح طبعا – من خلال سحب كامل إيداعاته المالية من أحد البنوك، ليُدخِل الحدثُ – الدرامي المفصلي – كل أفراد العصابة في مَطبّات لا أول لها ولا آخر.. تناولها مؤلفا العمل الدرامي (عمرو الدالي – احمد وائل) في أسلوب كوميدي متفرد في أحيان، وساذج ربما في أحيان أخرى.. كل ذلك تقريبا خلال النصف الأول من حلقات العمل الثلاثين، ليبدأ مسار أحداث النصف الثاني بالتركيز على المستوى الأعلى من عمليات النصب، من خلال السعي للإستيلاء على ثروة صديق قديم للبطل، تقدَّر بثلاثة أرباع المليار جنيه مصري..

محور الموضوع الذي أردتُ طرحه.. هاهنا.. أنك.. فجأة وبدون مقدّمات، بل وبحال تدعو إلى الريبة ربما.. ستجد نفسك تتعاطف مع أفراد العصابة، تتمنى فوزهم بالغنيمة، بأي شكل من الأشكال.. تشعر بالفرح الطفولي الغامر كلما صنعوا ما يوثق انتصاراتهم، في عملية نصب من هنا او احتيال من هناك.. وبالمقابل.. سينقبض قلبك وتتقلص أمعاؤك، ويصل توترك إلى اقصاه، بل وتصل كامل اعصابك إلى حافة الإنهيار، لمجرد احتمال ضئيل في لحظة ما، قد يقعون فيها بمطب ما، أو يكونون على حافة الإنكشاف والفضيحة، وبالتالي ضياع الجهود لأيام بلياليها.. هنا.. تتفتّق ذهنية مخرجة المسلسل (كاملة أبو ذكري) لتصوّر – وبحرفية عالية، وحس مُرهف يحاكي العقلية العربية خاصةً، حسٍّ ذي إدراك غير عادي، بل ومقصود من قبلها، لمحاكاة مشاعر المشاهدين – لحظات (على سبيل المثال لا الحصر) خروجهم (رسميا) من البنك مُحمّلين بحقائب الملايين من النقود، وهم يسيرون ببطء، من خلال العرض الذكي للقطات ذاتها بطريقة الـ(slow motion) فلا تجد كل دواخلك وبكل مشاعرك المحترقة، غير عبارات السخط والقلق، التي تريد أن تصرخ فيها بأجمعها، وتلقيها على وجوه أبطال المسلسل الزجاجية، الكامنة خلف الشاشة:

ـ هيا بسرعة.. أخرجوا بسرعة أيها الحمقى..!!!

بل وتتمنى – وفي غباء مفرط ربما – أن تعرف رقم جوال أحدهم، لتبلغهم بكل معلوم لديك، هو مجهول عندهم، وبالسرعة القصوى.. كمثل أن هناك من يتربص للإيقاع بهم أجمعين.. وحتى انك تضييف، ناصحا إياهم.. أنه لن تفصلكم عن، وتنقذكم من، مصيركم الأسود، غير لحظات زيادة – لحظات ليس أكثر – عن المطلوب، لتتم المَهمة على أكمل وجه، ومن بعدها تنالون المراد، والهدف المنشود..

يحدث كل ذلك خلال حديثك مع نفسك، والموجه بالأساس نحوهم أجمعين، وكأنك شريكهم، أو أنه سيصيبك (من الطيب نصيب) بينما تنسى (أو تتناسى لأجل أن تغيب عن واقعك) أن كل الموضوع تمثيل في تمثيل.. لتقول فجأة – فيما هم غارقون في حبكة حدث ما خلال أزمة ما – وكأنك راكع في محراب صلاة متوسلا:

ـ يا رب..!!!

بل حتى انك ستصرخ فجأة بوجه إحدى بطلات المسلسل التي كانت رأس الخيط الذي جمع معظم الخيوط لباقي أفراد العصابة.. لتقول لها مشمئزا نافرا لاعنا:

ـ أيتها الغبية.. ما الذي أخرجكِ في هذا الوقت الحرج..؟!!

حيث يراها أحد المنصوب عليهم، ويصر على اصطحابها على مركز الشرطة، ولتتفكك عندها خيوط اللعبة، ويُعرف اللغز، من قبل ضباط التحقيق، بعد معاناة في البحث للقبض على أفراد العصابة، ولكن دون جدوى، رغم توالي عمليات النصب على هذا أو ذاك، ممن أوقعه سوء حظه ببراثن تلك العصابة..!! 

كل ذلك وما شابهه سيكون باللاشعور.. حين تكون كل رغباتك المكنونة تلك، خارج نطاق السيطرة، كما في ذات الوقت خارج أُطُر التربية الدينية العفوية، التي بناها أبواك فيك، طوال سنيّ حياتهما معك.. من اول عبارات (العيب والحرام واللا يجوز) وغيرها من روادع الخطايا ولو فقط بالكلمة السيئة، وباقي موانع مُنزلات الرضا الإلهي..!!! لماذا وما السبب..؟!!! يبدو أن واحدة من أسرار النفس البشرية هي تواصل وجود الرغبة الدفينة في صنع الشر أو على الأقل المساهمة في صنعه.. أو حتى تشجيع الآخر على فعله (كأضعف الإيمان).. واقولها من باب المثل والدلالة فقط.. وربما يُعزى ذلك إلى حال الإنكسار الذاتي التي تعيشها الشخصية العربية عموماً، والعراقية على وجه الخصوص.. 

فانتصاراتك الذاتية على واقعك ووضعك، من أول حال توفير العيش الكريم، والمستقبل الآمن، لك ولكل متعلقاتك من قريب أو بعيد، كلها بجُلّها وتفصيلها، إن لم تتحقق فعليا وعلى أرض الواقع، فليس هنالك من بديل ناجع، سوى التأييد الخفي للشر وعناصر الشر التي لم تعد تحصى، وإن كان من خلال ابتسامة عابرة حين ينتصر – أصحاب الشر – على هذا أو ذاك من رؤوس المجتمع، من أصحاب الملايين، رفاهية وعيشا رغيدا..!! 

فأنا.. (وأقصد بها هنا ضمير الأنا، لا أنا الذات الشخصية) المجرد من كل حلم، بل وحتى الممنوع منه غالبا، وخارج نطاق كل تحقيق لأدنى أمنية، طوال سنيّ عمري، أسوة بأعمار جيلي من أقراني، لا أجد (كما لايجدون) حلا للهروب – وإن الوهمي من الواقع التعيس – إلا من خلال واحدة من أهم وسائل الهروب المتعددة، ومنها – كما ربما أهمها – كل عمل درامي يحاكي بسياق أحداثه عناصر الشر، وانتصار صُنّاعِهِ على (ظاهر الخير) الذي لم يجلب غير الفراغ، والتيه، والشعور المتواصل باللاجدوى، في كافة مناحي الحياة على الصعيدين الشخصي والعام..!!! في عموم الظرف المُعاش بكل اللانتائج التي صارت من بديهيات كل واقع..!!!!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here