يايها العراقيون: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم

ان دروس الماضي والحاضر ينبئان العراقيين بأن الطريق المستقيم لبناء وتقدم العراق واضح المعالم. فالسبيل الوحيد للوصول إليه يتطلب استنباط تلك الدروس منذ منتصف القرن العشرين حتى هذه اللحظة. كما ان سلوك طريق الخراب واضح العيان أيضا نراه راي العين في العراق لما وصل اليه من دمار في جميع الميادين.
لا ينبغي ان نظلم انفسنا وشعبنا فنعتقد بأن الزمن كفيل بتنظيم الأمور. لانه كلما تركنا الأحوال تسير على حالها ولا نحرك ساكنا كلما غرقنا اكثر في التخلف والرجعية والطائفية. لا بد من تحمل المسؤولية جماعيا لانقاذ بلدنا. ان أي تضحية اليوم ستكون بالتأكيد اقل كلفة من تضحيات الغد ومفاجئاته. لان أي تأخير أو تاجيل في الاصلاح سنندم عليه في المستقبل خصوصا ان التغيرات العالمية والاقليمية متسارعة ولا يستطيع احد التكهن بها.
ليس لنا بديل من ضرورة اختيار قادة الاصلاح وتمييزهم عن غيرهم. لان من يقود الاصلاح ينبغي أن يؤمن به ويتمتع بمعايير اخلاقية ومهنية أهمها:
ان يتمتع بالصدق والامانة والشجاعة والوفاء والعلم والاخلاص للوطن والمواطن. ان لا يفرق بين عراقي وعراقي لاسباب دينية أو مذهبية أو قومية أو عرقية.
ان من حسن الحظ أن الاغلبية الساحقة من الشعب العراقي لا تزال تتمسك بمثل تلك القيم السامية السابقة الذكر. رغم محاولات الاحتلال واذنابه لافساده وتمزيق اواصره. لكن من جهة اخرى ان تمسكه وصبره على الظلم كان سلبيا إذ لم يصاحبه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فبالرغم من مرور عقود طويلة على تفشي الفساد لم تتحرك هذه الاغلبية المخلصة ساكنا وبالتالي اهملت المشاركة بقيادة الاصلاحات.
أعتقد بأن هناك عوامل مهمة لا بد من التوافق عليها قبل بدء أي مشروع اصلاحي عميق. لعل اهمها ضرورة احترام الخلفيات السياسية للنخب ومن يقلدها من اسلاميين وعلمانيين من قوميين ويساريين وليبراليين. أن العراقيين كما هو معروف شعب مسيس منذ فترة طويلة. لذا يجب إيجاد قواسم مشتركة بين افكارهم المتعددة والمتناقضة احيانا وفق مبدأ “لكم دينكم ولي دين”. ان من الأهمية بمكان استيعاب الفترة العنيفة من ستينات وسبعينات القرن الماضي. فلا نريد أن يدفع شعبنا نتيجة الاستقطابات السياسية والمذهبية ثمنا باهضا من دمه وماله. ينبغي كذلك التفريق بين أهل الخير واهل الشر وبين الصالح والطالح. فالقوى السياسية بكل اتجاهاتها فيها الفاسد والخائن مثلما فيها المصلح والامين.
بالنتيجة لا يمكن أن يقود الاصلاح الفاسد الذي تلطخت يداه في الدم والمال العراقي ايا كانت توجهاته السياسية أو مذهبه أو دينه أو قوميته. بطبيعة الحال ليس من حق الاسلامي أن يعير غيره في معتقداته الذاتية وكذلك الامر بالنسبة للعلماني. ان الايمان الديني والفلسفي يجب أن يبقى حرا مشاع للجميع من دون اكراه ولا يجب ان يتدخل بالشان العام.
العراقيين اليوم بحاجة إلى اخذ دروس الماضي فليس احد خير من احد بعد تجارب الأحزاب الكارثية بكل اتجاهاتها الاديولوجية. ليس لنا اذن الا بناء قاعدة لانقاذ شعبنا تعتمد على التسامح والتفاهم بعيدا عن الاحكام المسبقة.
لو عدنا الى عنوان المقال المقتبس من اية قرانية من سورة ال عمران “قل ياهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا اربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون”. ما احوج العراقيين اليوم لترجمة هذه الاية في تنظيم علاقاتهم النضالية المتسامحة مع بعضهم البعض. لرسم مستقبل زاهر لشعبنا ووطننا بغض النظر عن الدين أو المذهب أو العرق أو الحزب.
الدكتور نصيف الجبوري
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here