أنتفاضة تشرين أيقونة عراقية وطنية

العراقيون وشعوب العالم والقوى المحبة للسلام والتغير والخير ، تتأمل وترسم شتى السيناريوهات المحتملة ، لقد ملأت بها ناصيات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية عن القادم من المفاجأت والتوقعات على أثر إصرار شبيبة الأنتفاضة بيومهم المعهود والتاريخي يوم ٢٥ تشرين بمرور عام كامل على أنطلاق الأنتفاضة قدمت خلاله قوافل من الشهداء والمغيبين والمعتقلين والمخطوفين ، وكانت آمال العراقيين في الرد على ما أرتكب من جرائم إنسانية بحق ثوار ثورة تشرين ، لكن الذي حدث فاجأ الجميع ومازالت حوله ردود أفعال متباينة حول ما حدث بعد يوم من اليوم الموعود ٢٦ تشرين . أنسحب الثوار وتركوا خيمهم الثورية عرضة للعبث والتخريب والتفليش على يد قوات الحكومة والميليشيات ، وفي فترة زمنية قصيرة رفعوا الخيم والحواجز والسواتر من الشوارع المحيطة بساحة التحرير بعد أن سدت بأرادة ثوار تشرين منعاً من سهولة أستهدافهم وأختراق تجمعاتهم وإغتيال ناشطيهم .

بعد كل الذي حدث والذي فاجأ الجميع مازال المشهد يلفه الغموض والحيرة . الأنتفاضة التي إسقطت حكومة الأمعة عادل عبد المهدي رغم كل المحاولات والاساليب القذرة في الإغتيال والقتل والتشويه . فرضت قوتها وجماهيرتها ، وباتت رقم صعب في الشارع العراقي رغم كل المحاولات من القوى والاحزاب والتيارات المنطوية تحت أجندات العملية السياسية في أحتوائها وحرفها عن أهدافها الرئيسية وشعارتها الوطنية ( أريد وطن .. ونازل أخذ حقي ) . وأجبرت رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي ، الذي هو أيضا نتاج للاحتلال الامريكي والنفوذ الإيراني في جملة تعهدات ووعود بإصلاح الحال العراقي ، وقد مضى عليه ستة شهور ولم يحقق وعداً واحداً . وعندما نشرت مقالاً في عشية تسنمه لرئاسة الوزراء مقللاً من دوره وكذبة وعوده ، هاجمني البعض متحججاً في التسرع في الحكم عليه ولابد من أعطائه فرصة ، وها قد قضى ستة شهور والحال العراقي يزداد سوءاً على كافة الأصعدة ، واليوم الحال في العراق أحسن من بكرى .

وبأعتباري من الداعمين للانتفاضة والمسرورين بها خيراً فلم أترك فرصة الا وأقوم بتعرية العملية السياسية منذ تنصيبها الأول ٢٠٠٣ على أثر إحتلال العراق والنفوذ الإيراني . ولقد تلقيت ما تلقيت ولم يضعف من عزيمتي . والله ولأنها فخراً تضاف الى سجلي .

الانتفاضة قوة وطنية طليعية في المجتمع العراقي وما أصابها لم يكن أمراً سهلاً ممكن العبور عليه ونسيانة بل سوف يتجدد بهمم ثورية وأهداف وطنية لعراق جديد يحوي الجميع على أسس المواطنة والوطن . بعض المتابعين والقريبين من الأحداث يعزون تلك التداعيات في التراجع الى حالات الاندساسات الكبيرة في هيكل جسم الانتفاضة والخوف الكبير من أنحرافها عن مشروعها الوطني وأفراغها من صورها الحقيقية التي أنطلقت من أجلها ، لكن العديد من المتابعين والمؤيدين لها يتنظرون من قادتها ورموزها توضيحات عن ما حدث ؟؟.

الانتفاضة أدت دورها التاريخي والاخلاقي في أعادة الكرامة العراقية وفي أجتراح المأثر التي قدموها أبنائها في ساحات العراق وشوارعه في تجسيد مطالبهم وتحويلها الى أداة فاعلة للتغير تريد أن تقتلع جذور الفساد والتخلف من أساساتها كثورة وطنية معبرة عن أرادة العراقيين . وما تشهده اليوم العاصمة بغداد من مخاضات ( الهدوء يسبق العاصفة ). ولم يستطع أي حزب أن يركب الموجه ويتبنى أهداف ومشروع الأنتفاضة لانه ماقدمته من مأثر سبقت الجميع في الوطنية والموقف والتحدي . ولا أحد عنده التخويل في التحدث بأسمها . فالانتفاضة التشرينية لم تنتهي حتى تبدأ من جديد ، أي نعم لقد توقفت في بغداد بمثابة مناورة سياسية ، كما يقول قائد ثورة أكتوبر العظيم لينين ( الثوري من يراوغ شرطيه ). تعرض المتظاهرين طيلة عام كامل الى ضغوطات نفسية ومعيشية وأجحافات كبيرة بحقهم لم تخلو من الافتراءات والاكاذيب والخطف والقتل ، حيث وصل عدد الشهداء الى ٨٠٠ شهيد وجرحاها لأكثر من ٢٥ ألف جريح . ولم يبخل رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي من يوم تعينىه خلفاً لسلفه عادل عبد المهدي ، رغم تعهداته المستمرة في كشف المتورطين في قتل الناشطين في شوارع العراق ، بل راح يعمل خفيةً وعكس ما يصرح به لوسائل الأعلام بأصدار أوامر للقضاء على الأنتفاضة من خلال ملاحقة ناشطيه وممن لم يتعاون مع مليشياته ، والذين تعاونوا مع السلطات حصلوا على مواقع قريبة من رئاسة الوزراء . وبعدما شعروا بالخطر أمر قواته وميلشياته المدعومة من إيران بغلق جسر السنك والطرق المؤدية الى المنطقة الخضراء بعد أن تصاعدت دعوات المتظاهرين بحل البرلمان وتشكيل حكومة طواريء ومحاولات عبور جسر السنك الى المنطقة الخضراء مما التجأت قواته الأمنية وبأمر منه الى أستخدام الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين والأعتداء عليهم أمام مرىء ومسمع العالم . بذلت قوات الامن العراقية كل طاقاتها وأساليب قمعها بتوجيه من رئيس الوزراء بالقضاء على الانتفاضة بعد ما بدأت تشكل لهم وجع رأس وأرباك بالوضع العام لقربها من مراكز الحكومة . أما الوضع في الجنوب العراقي يختلف تماماً عن ما جرى في العاصمة بغداد حيث تتصاعد المظاهرات وتتبلور مطاليبهم بدعم عشائري وأسناد شعبي ، وقد أدى هذا التلاحم الى مواجهة سلطة الاحزاب وميليشياتها بحرق مقرات الاحزاب والميليشيات وتحجيمهم .

طيلة سنوات الاحتلال وفساد العملية السياسية ورموزها المنتفعة ، لم تتوقف المحاولات اليائسة لاحتواء الغضب الجماهيري وركوب موجته ، وقد أستطاع مقتدى الصدر وأزلامه مدعوماً من المرجعية الدينية وميليشيات مدعومة من أطراف حكومية في التلاعب في شعارات الانتفاضة التشرينية ، عندما حشروا نفسهم بدعوات المشاركة في الانتفاضة وحمايتها ، ولقد غيروا حتى الشعارات الوطنية الملصقة على واجهات المطعم التركي معقل قادة الأنتفاضة ويومياتها ، ودور السيد مقتدى والمهمات الملقاة عليه من قبل النفوذ الإيراني والدور الحكومي هو إنهاء أي فعالية ثورية أو تحرك جماهيري بإتجاه الاصلاح والتغير من خلال خطابه الديماغوجي نحو الوطن والمقاومة ومحاربة الفساد والذي تمكن من تمريره على عقول العديد من الناس ومازالت بقاياه قائمة ( إئتلاف ساهرون ) المهلهل مثالاً . الطريقة والفكرة والتوقيت كانتا في غاية الغباوة .

أستطاع السيد مقتدى بالتنسيق مع الميليشيات الحكومية المدعومة من إيران ضرب أي محاولة جدية ضد الفساد والفاسدين من خلال الدعوة لإجراء أصلاحات وحماية المنتفضين وسرايا السلام ذو القبعات الزرقاء ماهي الا عناوين بارزة لاجهاض الانتفاضة من خلال تغير مساراتها وإغتيال ناشطيها .

وقال الصدر عبر “تويتر” ، إنه “حسب توجيهات المرجعية الدينية ووفقًا للقواعد السماوية والعقلية لا بد من إرجاع الثورة إلى انضباطها وسلميتها”.

وأضاف أنه وجد أن يلتزم “القبعات الزرق” التنسيق مع “القوات الأمنية الوطنية البطلة ومديريات التربية في المحافظات وعشائرنا الغيورة إلى تشكيل لجان في المحافظات، من أجل إرجاع الدوام الرسمي في المدارس الحكومية وغيرها”.

وقد تمكنت تلك المجاميع من السيطرة على تنسيقية المطعم التركي ( جبل أحد ) كما يسميه المنتفضون . وكانت تلك المجاميع هي اليد الطولى للسيد مقتدى الصدر ودورها في أجهاض الانتفاضة .

قبل التجديد السنوي لانطلاق الانتفاضة يوم ٢٥ تشرين ٢٠٢٠ . أعلن عن تشكيل جبهة تشرين تضم ٢١ تنسيقية تمثل المنتفضين في عموم العراق ، وقد تسربت بعض التسريبات أن تلك الجبهة ستمثل المحتجين والمتظاهرين في الانتخابات القادمة المبكرة . يؤسفني كملايين من العراقيين ومن المؤيدين والمساهمين في الانتفاضة لم تتشكل قيادة موحدة والاعلان عن ناطق رسمي لها للإيقاف على أخر التطورات حولها وحول برامجها ورؤيتها الوطنية المستقبلية ، وهذه واحدة من الاسباب المهمة في تراجعها أي عفويتها في تنسيق أهدافها وشعاراتها . كل التطورات الحاصلة في البلد تشير الى تجديد الانتفاضة مجدداً بعقلية وطنية ورؤية واضحة في الاصلاح والتغير بعيداً عن أجندات الحلول الترقيعية والاستفادة من منابع الاختراقات التي أجهضت الانتفاضة بتحوير مطالبها وأهدافها . ملايين من العراقيين يذرفون الدموع يومياً مقروناً بالغضب والثأر على ما أصابهم من تهميش وفقدان أهل وأعزاء لهم ، وهناك من يتضرعون جوعاً وفقراً وعوزاً سرقت أموالهم من قبل حيتان العملية الطائفية وأحزابها بعناوين عدة ومختلفة وغير شرعية أنه المال السحت الحرام . لم تمر ببال أحد حتى ولو بالاحلام يوم الانتفاضة والزمن في إنطلاقتها ، كانت كل التوقعات والتحليلات ورغم الخراب الطاغي على مستويات الحياة أن بعد خمسين عاماً سيعلن عن ثورة سيأتي جيل جديد بعقل نظيف ووطني ويتولى المهمة مهمة بناء عراق جديد ، لكن الذي وقع صدم العديد من المتابعين والمهتمين ، واليوم من أي وقت مضى نحن على أبواب ملحمة ثورية ستطيح برمة العملية السياسية ورموزها ، وأن لناظره قريب . وواهم كل من يعتقد أن الأنتفاضة أنتهت بعد ماقدمت على مدار عام كامل من التضحيات أنه تمرين وطني . الحرقة والخوف على الوطن كبيرتان لان الوطن ذاهب الى المجهول .

محمد السعدي

مالمو/تشرين الثاني ٢٠٢٠ .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here