من دمّر العراق؟!!

من دمّر العراق؟!!
سؤال مشروع يسأله لنفسه كل عراقي، وهو يرى ما آل إليه بلده ، وكيف إنحدر إلى واقع لم يخطر على باله أو يتصوره في يوم من الأيام.
وقد كُتبت العديد من المقالات حول الموضوع ، وأكثرها قد تفاعل مع النتائج والمتغيرات الناجمة عن جوهر الأسباب ، مما أدّى إلى تشويش الفهم وإضطراب الإدراك.
ويبدو من خلال القراءة الشاملة للواقع منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، أن سببين أساسيين قد ساهما في صناعة المأساة العراقية وتداعياتها التي نعيشها اليوم.
ويمكن إختصارهما بما يلي:
 أولا : النظام الوطني المفقود
قد يستغرب القارئ من ذلك ، لكن الحقيقة تؤكد أن العراق لم يؤسس لنظام حكم وطني – (المقصود بالنظام الوطني هو الذي يحقق مصلحة الوطن وسعادة مواطنيه) – ، وإنما أسس أنظمة حزبية دستورها مؤقت وعقيدتها ووطنها الكرسي.
ففي السنوات العشرة الأولى التي أعقبت نهاية الحكم الملكي (والأنظمة الملكية وطنية دستورية عموما) ، مر العراق بصراعات حزبية دامية وقاسية تسببت في العديد من الويلات والتفاعلات العدوانية.
ومنذ عام ألف وتسعمائة وثمان وستين وإلى اليوم لم يكن في العراق نهج وطني خالص , وحتى عام ألفين وثلاثة وعلى مدى خمس وثلاثين عاما ، كان النهج السائد قومي التطلعات والأهداف ، وقادة تلك الفترة يتفاخرون بأن العراق يضحي من أجل المبادئ القومية ، والحرب مع إيران كانت بدافع حماية البوابة الشرقية للوطن العربي الكبير.
فقد غلبت على سياسات تلك الفترة الميول القومية أو العربية وتضاءلت الميول العراقية أو الوطنية .
أي أن تلك الفترة لم تؤسس لمنهج وطني صريح , ولم تحقق تربية وطنية راسخة ، فالوطن غاب في شخص وأصبح الوطن وعلمه في مراتب أخرى.
فلم تكن للعلم قيمة وإنما للصورة ، وتمكنت الصورة وطغت وغاب العلم وإختفى ، وأصبح الوطن ضمير مستتر تقديره هو.
وبسبب ذلك وغيره ولد جيل لا يعرف معنى الوطنية ، ولا يفهم إلا أنها بندقية وموت كما غُرس في وعيه على مدى العقود ، أما المعاني والمفاهيم الأخرى للوطنية فأنها مجهولة.
وعندما حصل الذي حصل في عام ألفين وثلاثة ، غاب الوطن بالكامل وأصبح التغييب نصا دستوريا , وطغت على عقل الناس المذهبية والطائفية وتقرر نهج المحاصة أو (المحاصصة) كما تسمى ، فمضينا عليها ولا نعرف معنى الوطن وأسس الوطنية ، فأصابنا ما أصابنا ، ولا زلنا بعيدين عن التعبير العملي عن الوطنية مثلما هو حاصل في دول الجوار.
فإيران – مثلا- تتفاعل بوطنية واضحة , ونحن نتفاعل بمذهبية وطائفية جلية وفقا للدستور ، فترانا بغير ما نراها ، فهي تسعى ل, تحقيق مصالحها الإيرانية ونحن نسعى لتحقيق مصالحنا الطائفية.
وهي تغيّر مجرى نهر الكارون والكرخة ولا يعنيها ما يعانيه أبناء الجنوب من شظف العيش والخراب ، فمصالحها الوطنية هي الأهم من ذلك ، فإيران ليست نظاما طائفيا أو دينيا صرفا كما نتوهم ، وإنما نظام سياسي وطني عقائدي يذود عن مصالحه بغيرة وطنية عالية.
وهذا ينطبق على دول الجوار كافة والعراق يشذ عنها.
 
ثانيا : النفط
النفط من أهم الأسباب التي ساهمت بتدمير العراق ، فالأنظمة السياسية المتعاقبة لم تمتلك سياسة نفطية ذات أبعاد ستراتيجية تتفق والمصالح الوطنية ، وكانت سياساتها وفقا لمقاييس الكراسي والأحزاب.
مما ساهم في عدم إستقرار الواقع النفطي ، وحدا بالآخرين لإستنفار قدراتهم لتحقيق أكبر إعاقة وضرر بالبلاد.
وعلى مدى العقود إجتهدت أجهزة القوى الطامعة فيه , وتمكنت من توفير العوامل والأسباب اللازمة لتدميره والسيطرة على نفطه.
وإستطاعت أن تبني حالة من الإقلاق وإستنزاف الطاقات والقدرات ، وكان أعظمها الحرب مع إيران , التي غذتها بأنواع العوامل والتفاعلات والظروف اللازمة لإستمرارها أطول ما يمكن ، ومن ثم أخذت العراق إلى لعبة أكبر منها , لكي تقبض على عنقه وتمتلك إرادته وتقرر مصيره.
ولازال النفط عاملا قويا وحاسما في رسم كل خطوة ومشروع ، ووفقا لشريعته فأن السعي إلى مشاريع جديدة ربما يسير بخطى حثيثة ، ووفقا لتفاعلات خفية يتم إنضاجها على نار هادئة فوق حطب الميوعة الوطنية ، أو الجهل الوطني والغباوة الطائفية والمذهبية وعقيدة المحاصة.
فذلك هو المرام الذي يكفل السيطرة الحرة على النفط , مقابل تأمين سلامة وقوة الحالات المقامة حول آباره , والتخلي عنها بعد أن تنتفي أو تضعف الحاجة للنفط في النصف الثاني من هذا القرن.
ولا يزال العراق بلا قانون يصون الثروة النفطية وينظم توزيعها , بل صارت اليوم تحت رحمة العمائم وشرع الغنيمة الذي تدين به!!
ويمكن لأي كاتب أن يجتهد في الإتيان بما لا يحصى من الأسباب التي دمرت العراق ، لكن هذين السببين هما جوهر ومنبع الأسباب الأخرى لأنها جميعا مشتقة منهما.
فهل ستحصل الحرب مع إيران لولا عائدات النفط في حينها؟!!
د-صادق السامرائي
7\10\2014
 

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here