إلا الكورد وكوردستان يا حسام الحاج…؟

إلا الكورد وكوردستان يا حسام الحاج…؟

محمد مندلاوي

عزيزي القارئ اللبيب، لكل مهنة قواعدها الأخلاقية، يجب مراعاتها والالتزام بمفرداتها من قبل الذين يعملون فيها وهي تلك القيم والأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع. وحقل الإعلام، واحد من تلك المهن الخطيرة التي تحتاج أكثر من غيرها إمعان النظر بدقة متناهية في كلماتها التي تصوغ منها مواضيعها، التي ينشر ويبث جميع نتاجاته من خلال وسائلها وهي الصحيفة والمذياع والتلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن هي الأخرى لكي ترفد المتلقي بكل ما هو جديد ومفيد كنشر الأخبار ونقل المعلومات، تعتمد في هذا المضمار على عنصرين فقط لا ثالث لهما الأول صاحب القلم السيال، والثاني صاحب اللسان الفصيح. لكن، كما أسلفت، أن لمهنة الإعلام كما للمهن الأخرى سقف لا يجوز على الصحفي الذي ينتمي لأسرة السلطة الرابعة أن كان كاتباً أو محاوراً أن يتجاوزه، وهذا السقف يسمى على الأرض الخط الأحمر، ويعد من المحرمات، ولا يسمح لأي كان الاقتراب منه، ومن تجرأ وجاوزه من خلال مداد قلمه الأصفر، أو من خلال اجتراره بكلام رخيص، عنده يتحتم عليه أن يتحمل تبعاته.
إن حديثنا لهذا اليوم، عن غلام… ذكرنا اسمه في عنوان المقال، وهو مقدم برنامج “أبعاد أخرى” في قناة “utv” أنه تجاسر واجترأ في إحدى حلقات برنامجه المذكور وتهكم، استهزأ بجزء من الوطن الكوردي كوردستان قائلاً: “الجماعة يسموه جنوب كوردستان”. وهذا يعني عند الغلام الأمرد حسام، أن لا وطن للشعب الكوردي العريق حتى يكون له جنوب واتجاهات أخرى كشرق وغرب وشمال. يا هذا، لكي تكون إعلامياً ناجحاً ومتميزاً يجب على الصحفي أن يكون ملماً بجانب كبير باللغة التي يكتب و يتحدث بها، ويجب عليه أن يلتزم بالقواعد الأخلاقية لصاحبة الجلالة، ولا تجري على لسانه كلمات سوقية كتلك التي طرق مسامعنا من فم الغلام المذكور حين استهزأ بوطن قائم بذاته وبشعب عريق وجد على أرض الرافدين وكوردستان قبل أن تأتي إليها جحافل العرب في القرن السابع الميلادي من شبه جزيرتهم الجرداء. إن من حق الصحفي المذكور وغيره أن ينتقد أي مسئول كوردي وكيفما يشاء، شريطة أن لا يخرج من إطار الأخلاق، لكن التهكم بأي شعب و وطن خط أحمر لم ولن يُقبل به من لدن بنات وأبناء ذلك الشعب والوطن المستهدف ويردوا عليه رداً موجعاً بمداد أقلامهم، أو من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
عزيزي المتابع، أن مشكلة الكتاب والصحفيين العرب والعراقيين تحديداً يفتقدون إلى معلومات وافية عن الكورد وكوردستان وسببه عدم بحثهم وقراءتهم عن ماضي وحاضر الكورد، فلذا تجدهم يقعوا في المطبات التي تجعلهم مادة للسخرية من قبل الكتاب الكورد. لو كان حسام الحاج ملماً بجزء ولو يسير عن تاريخ الكورد وكوردستان عنده علم أن ملك محمود الأول أسس مملكة جنوب كوردستان وعاصمتها مدينة السليمانية وذلك بالتوازي أو قبل أن يخرج الكيان العراقي المصطنع من قبعة الساحر البريطاني “ونستون تشرشل” في مؤتمر القاهرة. التي يزيد مملكة جنوب كوردستان شرفاً وعزة وكرامة إنها لم ولن تستسلم لبريطاني ولا لفرنسا بل حاربتهما وهما أقوى وأكبر قوتان عسكريتان في العالم حينها. بينما العرب، أي نعم العرب، استسلموا لإرادتهما الاستعمارية، ومنهم المملوكي فيصل الأول الذي أصبح مطية للاستعمار البريطاني.
ليعلم حسام الحاج ومن يوافقه في اجتراره، أن اسم الكورد مذكور في بواطن كتب التاريخ قبل أن يذكر اسم العرب بقرون عديدة، وهكذا اسم كوردستان بصيغ متباينة ذكرها كل مؤرخ وكاتب وآثاري وفقاً للغته القومية. يا حسام، أن الديكتاتور صدام حسين ذكر في دستوره اسم كوردستان، وقبل صدام حسين بعقود طويلة ذكرها سلاطين آل عثمان كاسم لولاية عثمانية، وبعدهم ذكرها الرئيس التركي مصطفى كمال وتجد كل هذه الوثائق التي ذكرت كوردستان بالاسم في أرشيف البرلمان التركي، وقبل هؤلاء بألف عام ذكرت كوردستان باسم “أرض الأكراد” العلامة التركي (محمود الكاشغري) في كتابه الذي ألفه في بغداد باللغة العربية وعنوانه: تاريخ لغات الترك. يا حسام، دعنا نترك ذكر اسم الكورد في الألواح الطينية السومرية، ونذكر ما ذكره المؤرخون المسلمون في صدر الإسلام عن اسم الكورد في زمن النبي إبراهيم أي قبل 4000 سنة هل ذكر اسم العرب في نفس التاريخ الذي ذكر فيه اسم الكورد؟ أنا أتحداك ومعك القوم الذي تنتمي لهم أن تأتي بنص تاريخي معتبر ذكر اسم العرب كما هو اليوم “عرب” دلونا عليه وإلا احترم ذاتك ولا تتهكم بأوطان أسيادك الكورد الذين سبقوكم على هذه الأرض بآلاف السنين. كي لا تقول أني قلت كلاماً بدون مصادر أضع أمامك وأمام القراء أسماء المصادر وأرقام صفحاتها، الفقيه والمؤرخ والمفسر محمد بن جرير الطبري (838 – 923م) قال في كتابه (جامع البيان في تفسير آي القرآن) ج 10 ص 43:”عن مجاهد في قوله ( حرقوه وانصروا آلهتكم) قال: قالها رجل من أعراب فارس، يعني الأكراد، فرجل منهم اسمه (هيزن- Hizen) هو الذي أشار بتحريق النبي إبراهيم بالنار”. ذكر هذه القصة أيضاً الإمام الحافظ المجتهد المفسر، حافظ البغوي (433- 516) للهجرة في كتابه لتفسير القرآن المسمى (معالم التنزيل) ج 3 ص 250. وذكرها فخر الدين الرازي (543- 606) للهجرة في كتابه لتفسير القرآن أيضاً (مفاتيح الغيب) ج11 ص 151. وذكرها محمد بن أحمد الشهير بالقرطبي ولادته غير معروفة أما وفاته (671) هجرية في كتابه لتفسير القرآن (جامع لأحكام القرآن) ج11 ص 200. وذكرها ابن الكثير، والبيضاوي، والشوكاني، والآلوسي، والشنقيطي وغيرهم كثر. طبعاً جملة أعراب فارس مندسة في النص، لأن لم يوجد فرس في ذلك التاريخ حتى الكورد يكونوا أعرابهم؟؟ ومن يقول خلاف ما نقول فليأتي لنا بمصدر يذكر الفرس في زمن إبراهيم ونمرود.
يجب على حسام الحاج وغيره من العرب حين يتكلمون عن الكورد وكوردستان أن يحترموا مشاهديهم والقناة التي يعملون فيها وينتبهوا لألفاظهم السوقية التي تجرح مشاعر المشاهدين من الكورد وغيرهم.
“ما يفيض عن القلب يقوله اللسان؟”
21 11 2020

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here