كوارث أجتماعية نائمة!

كوارث أجتماعية نائمة!
علاء كرم الله

لا يخفى على أحد حجم المشاكل في العراق والتي لا تعد ولا تحصى والتي ليس لها أول ولا آخر، السياسية منها أو الأقتصادية أو الأجتماعية وغيرها الكثير الكثير من المشاكل، فكل شيء في العراق يمكن أن يكون مشكلة، حتى ان البعض صار يتندر ومن شدة الحزن والألم، ويقول يبدوا ان العراق بكل تفاصيله وأسمه وعنوانه صار مشكلة!، ولذا صار يقين لدى غالبية العراقيين بأن كثرة هذه المشاكل وتراكماتها منذ سنوات وعقود، يجعل حلها مستحيل!، وخاصة مشاكل سنوات ما بعد الأحتلال الأمريكي للعراق والتي فاقت وأزدادت وتنوعت عن كل مشاكل السنوات التي سبقتها، وأن عدم حل كل هذه المشاكل وتركها تتراكم هو بسبب غياب الأرادة الوطنية للطبقة السياسية التي حكمت العراق من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق. مما لا شك فيه أن قوة أية دولة ومتانة بنيانها ونسيجها الأجتماعي يكمن في قوة وتماسك ذلك النسيج وفي مدى خلوه من الأمراض الأجتماعية ، مثل (الفقر والجهل والأمية) والأخطر والأهم في ذلك هو في قلة أعداد ( الأرامل والأيتام والمطلقات والعوانس) فيه،حيث تعد هذه كوارث أنسانية وأجتماعية رهيبة!،فوجود هذا الرباعي الأجتماعي الأنساني بأعداد كبيرة مع مثلث (الفقر والجهل والأمية)، في أي بلد يكون كافيا لتدمير بنيانه الأجتماعي والأنساني ونشر الفساد والأمراض والجريمة بكل أنواعها خاصة أذا لم يتم السيطرة عليها ورعايتها وأيجاد الحلول لها وهذا ما يعاني منه العراق حاليا مع شديد الأسف!. والشيء المؤلم والخطير في ذلك هو أن القوى الظلامية وقوى الأرهاب أستطاعت، توظيف الكثير من هؤلاء في الأعمال الأرهابية وفي الحرب الطائفية ، مستغلين حالة الضعف والعوز والجهل والأمية والفقر لهذه الشريحة، كما أن أهمال الحكومات والدولة بكافة مؤسساتها الأجتماعية لهم وتركهم بلا أية رعاية ومتابعة، جعل منهم عرضة للأستغلال بكل صوره وخاصة الجانب اللاأخلاقي منه!، وذلك من قبل شبكات الدعارة وشبكات أجرامية ومافيات دولية مرعبة!. وحتى وأن توفرت لهم رعاية الدولة فهي، لا ترتقي الى مستوى الطموح، ولا تتناسب مع حجم الأعداد الكبيرة لهؤلاء التي بدأت بالظهور والتزايد في المجتمع العراقي منذ الحرب العراقية الأيرانية ( 1980- 1988) ، مرورا بالحصار الأقتصادي، ثم حرب الخليج الثانية وأزدادت أكثر في الحرب الطائفية التي بذر فتنتها الأحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وقد أفادت أحصائيات موثقة من قبل الوزارات والدوائر المختصة بأنه وفي ذروة الحرب الطائفية التي جرت بالعراق بين عام 2006و 2007 كانت تترمل بالعراق ما بين 90 الى 100 أمرأة في اليوم الواحد! ، كذلك قدرت هذه الدوائر حينها، بأن أعداد الأرامل والمطلقات والأيتام والعوانس يفوق ال 4 مليون!، وهذا يعد رقما كبيرا وخطيرا بالنسبة لعدد سكان العراق ولبنيته الأجتماعية مقارنة مع دول الجوار. وتلك كانت احصائية قديمة، حيث لا توجد بالوقت الحاضر أرقام دقيقة عن أعداد هؤلاء ولا حتى أرقام تقريبية، من قبل الجهات المختصة، ولكنها بالأكيد أرقام مليونية!. والشيء المؤلم أن هذا كله يحدث أمام أهمال الدولة وبرلمانها ولجان حقوق المرأة داخل البرلمان وأيضا أمام كافة منظمات حقوق الأنسان وعدم أكتراثها ورعايتها لهم وأيلائهم ولو شيء بسيط من الأهتمام (وفي أحد المرات صرحت أحدى أعضاء لجنة المرأة داخل البرلمان بأن المساعدات المالية والشهرية المقدمة للمشمولين بالرعاية الأجتماعية من هذه الشريحة وليس كلهم بالطبع! لا تكفيهم لمدة عشرة أيام، حيث يتم صرف مبلغ وقدره 300 ألف دينار لقسم منهم كل 3 شهر وقسم من المشمولين يستلم 150 ألف دينار كل 3 أشهر!!). وهنا نوجه كلامنا تحديدا الى الأحزاب والتيارات الدينية التي يجب أن تكون من أكثر الأحزاب أهتماما بهذه الشريحة وأول من يتصدى لحل مشاكلها أستنادا لما أقره الدين الأسلامي وأحاديث الرسول (ص) التي تؤكد ضرورة الأهتمام بالأنسان (الأنسان بنيان الله ملعون من دمره) كما أكد (ص) على ضرورة كفالة اليتيم، ففي بلدان أوربا الكافرة! التي تعتبر الأنسان هو رأسمالها الحقيقي قولا وفعلا، بكل صدق لا رياء ولا كذبا، والتي لا ترفع أحزابها شعارات ( نحن خدم للشعب) من أجل الخداع والنصب والدعاية!، نرى أن حكوماتها على أختلاف أنواعها وتوجهاتها السياسية والحزبية تولي أهتماما خاصا وكبيرا ومتزايدا في معالجة مشاكل الأرامل والمطلقات والأيتام ويشغل ذلك حيزا كبيرا من تفكيرحكوماتهم حتى وفي أحلك وأصعب الظروف. ومن المفيد أن نذكر هنا تجربة الدانمارك في هذا المجال حيث تعد تجربة فريدة في كيفية الأهتمام بموضوع المطلقات والأرامل واللاتي يطلق عليهن تسمية ( أمهات وحيدات) والتي بدأت منذ عام 1905 حيث تم أنشاء أول مؤسستين تهتمان برعاية (المرأة الوحيدة) وفي عام 1907 ترأس هاتين المؤسستين سياسي أشتراكي أسمه (فيراسكالتس) وعمل هذا السياسي على توطيد المفاهيم الأجتماعية لأهمية مساعدة (الأمهات الوحيدات)، ثم تحولت هاتين المؤسستين الى مدرستين تربويتين تدرب وتخرج عاملين متخصصين للعمل في مراكز رعاية (الأمهات الوحيدات). ومن الطبيعي لا مجال للمقارنة ليس بين العراق والدانمارك حسب، ولكن لا يوجد أي وجه مقارنة بين جميع الدول العربية والدنمارك في هذا المجال. نقول حتى ولو أفترضنا!، أن الحكومة أستطاعت أن تحقق نجاحا في العملية السياسية، وكذلك تفرض أستتباب الأمن في عموم العراق، وتعيد الأعمار، ولكن بدون أن تجد الحلول وأن تولي أهتماما كبيرا وأستثنائيا لهذه الشريحة الأجتماعية المهمة والخطيرة التي تزداد يوما بعد يوم بأستمرار أوضاع البلاد المضطربة سياسيا وأمنيا وأقتصاديا ، وبدون أن تفكر في تخصص ولو جزء يسيرا من ميزانيتها السنوية لرعايتها والصرف عليها، فأن أي نجاح للدولة لن يكون له طعم ولا أي أثر ويبقى مضمونه فارغا ناقصا!، لكون هذه الشريحة تشكل عائقا خطيرا أمام أعادة بناء المجتمع ونهوض الدولة وقوة بنيانها. فهذه الشريحة تعد بحق كارثة أجتماعية مخيفة وقنابل أنسانية موقوته ونائمة ولكنها تتحرك بصمت!، وهدوء وتتفجر بدون صوت، وتتشظى بأستمرار وعلى طول الوقت لتدمر بناء الأنسان والبلاد على السواء أن لم تسارع الحكومة وبرلمانها وكافة الأحزاب السياسية المشاركة معها أضافة الى مؤسسات المجتمع المدني بالأهتمام بها ورعايتها: وأخيرا نقول: هل فكرت أو حتى ستفكر الحكومة وكافة الأحزاب السياسية معها والدينية منها تحديدا بهذه الشريحة تفكيرا جادا وأنسانيا صادقا؟ وهل تعي الأنعكاسات الخطيرة والسلبية لأهمال هذه الشريحة على بنيان الدولة ونسيجها الأجتماعي؟. أنا أشك في ذلك!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here