الجهاد والقتال

الجهاد والقتال، الدكتور صالح الورداني
————
ما هو الفرق بين الجهاد والقتال..؟
ولماذا تم تسويق فكرة الجهاد على أنه القتال..؟
والجواب يفرض علينا أولاً استعراض معنى الجهاد..
الجهاد من جهد..
قالوا: الجَهْدُ والجُهْدُ الطاقة تقول اجْهَد جَهْدَك ..
الجَهْدُ ما جَهَد الإِنسان من مرض أَو أَمر شاق فهو مجهود..
وكُلُّ مَنْ بالَغَ في شَيْءٍ فقد جَهَدَ واجْتَهَدَ..
وجاهَدْتُ العَدُوَّ مُجَاهَدَةً وجِهَاداً: قاتَلْتَهُم..
جاهَدَ في سبيل الله مُجَاهَدة وجِهَاداً والاجْتهاد والتَّجَاهُد بَذْل الوُسْع والمَجْهود..
أما القتال فمعناه واضح ومحدد..
ومن خلال رصد نصوص القرآن يتبين أن الجهاد يحمل من المعاني والدلالات ما هو أشمل من فكرة القتال..
وهو ما نراه من خلال قوله تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا..
وأكثر المفسرين حملوا الجهاد هنا على جميع أعمال الطاعة..
ومن خلال قوله : وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وماجعل عليكم في الدين من حرج..
ومن خلال قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ..
ومن المعروف أن الرسول لم يقاتل المنافقين وإنما قاتل الكفار والمشركين..
وما يشير إليه النص هو أن هناك جهاد السيف..
وهناك جهاد اللسان أو البيان..
جهاد السيف للكفار والمشركين..
وجهاد اللسان أو البيان للمنافقين..
وفكرة الجهاد بمعنى القتال ارتبطت بالقتال مع رسول (ص) فقط..
وهو ما يظهر لنا بوضوح من خلال مراجعة نصوص القرآن المتعلقة بالجهاد..
والأصل الذي قامت عليه دعوة الإسلام حدده قوله تعالى : أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هى أحسن.. النحل/125
والمتأمل في نصوص القرآن المتعلقة بالقتال يتبين له بوضوح أن القتال هو موجه للكفار والمشركين..
وقد جاءت كلمة قاتلوا في القرآن خمسة عشر مرة في سورة البقرة وآل عمران والنساء والتوبة..
وجميعها تتعلق بالكفار والمشركين عدا مرة واحدة ارتبطت بطائفتين من المؤمنين في سورة الحجرات..
قال سبحانه : فقاتلوا ائمة الكفر انهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون..
وقال : وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين..
وقال: قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة..
وقال : قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون..
وقال : قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين..
وقال : فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا..
والسؤال هنا : لماذا قال قاتلوا ولم يقل جاهدوا..؟
والجواب يتضح لنا من خلال تحديد الفارق بين الجهاد والقتال..
والمجال هنا مجال قتال لا مجال جهاد..
أما آيات الحجرات فتتعلق بقتال الفئة الباغية..
وهذا النواع من القتال له شروطه وأحكامه..
قال تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاء ت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.
وقد دعمت الروايات المفهوم الشمولي للجهاد الذي يتجاوز فكرة القتال..
ووردت العديد من الروايات في مصادر السنة والشيعة التي تقدم الحج وبر الوالدين والشعائر على الجهاد بمعنى القتال..
ومن هذه الروايات :
أَفْضَلُ الجِهادِ كلمة حق او عدل أمام إمام أو سلطان جائر..
أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه..
نعم الجهاد الحج..
سئل النَّبِيَّ (ص) أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللهِ ؟
قَالَ: الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها..
قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟
قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوالِدَيْنِ..
قَالَ: ثُمَّ أَيّ؟
قَالَ: الْجِهادُ في سَبيلِ اللهِ..
وقول الرسول (ص) حين رجوعه من بعض غزواته: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر..
قيل وما الجهاد الأكبر يا رسول الله؟
قال : جهاد النفس..
وما نخرج به من هذا كله أن القتال من الجهاد..
والجهاد مستمر بصوره المختلفة من جهاد النفس والمال واللسان وخلافه..
أما القتال فموقوت بوقت وظرف وسبب وشرائع وأحكام..
ومن الممكن القول أن من قاتل في سبيل الله هو مجاهد..
ولا يمكن القول أن من جاهد في سبيل الله هو مقاتل..
فمن الممكن أن يكون جهاده في مجالات أخرى غير القتال..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here