ثلاثةُ أَجيالٍ تشهدُ؛ فِراس سالم جليل النجَّار؛ شهيدٌ حيٌّ شاهِدٌ على عصرهِ

ثلاثةُ أَجيالٍ تشهدُ؛

فِراس سالم جليل النجَّار؛

شهيدٌ حيٌّ شاهِدٌ على عصرهِ

نــــــــــــــــــــزار حيدر

كانَ ذلك في شِتاء عام ١٩٧٦ عندما اتَّصلتُ [حركيّاً] ولأَوَّل مرَّة بشَكلٍ رسميٍّ، بالشَّهيد سالم جليل النجَّار [أَبو فِراس] عندما حُمِّلتُ مسؤُوليَّة [النَّشر الحركي السرِّي] في [جامعة السليمانيَّة] وأَنا في الصَّف الأَوَّل.

فكنتُ أَتردَّد مرَّة كُلَّ شهرٍ على [الوكر السرِّي] الذي كان يُقيمُ فيهِ الشَّهيد في العاصِمة بغداد لأَستلم وأُسلِّم [البَريد الحركي].

وفي عام ١٩٧٨ فاجأَني الشَّهيد وهو يطرُق باب المنزِل في مُنتصف اللَّيل للإِطمِئنان على سلامة مَوقفي عندما تناها لمسامعِ [الأُخوة] خبر إِعتقالي من قِبل سُلُطاتالأَمن الإِرهابيَّة في النَّجف الأَشرف في نِهايةِ المسيرةِ الجماهيريَّة التي قُدتُها ضدَّ النِّظام الحاكم، أَفلتُّ منها بلُطفِ الله تعالى.

كانَ الشَّهيدُ سالم [١٩٥٤-١٩٨٢] أَحد أَبرز قادة العمل الإِسلامي الحركي، تميَّز بصدقِ الإِيمانِ والصَّمت والسريَّة والعمل الدَّؤُوب والتَّضحية حتَّى كانَ مِصداقاً لوصفِأَميرِ المُؤمنينَ (ع) {كَانَ لِي فيَِما مَضَى أَخٌ فِي اللهِ، وَكَانَ يُعْظِمُهُ فِي عَيْنِي صِغَرُ الدُّنْيَا فِي عَيْنِهِ، وَكَانَ خَارِجاً مِنْ سُلْطَانِ بَطْنِهِ فَلاَ يَشْتَهِي مَا لاَ يَجِدُ وَلاَ يُكْثِرُ إِذَا وَجَدَ،وَكَانَ أَكْثَرَ دَهْرِهِ صَامِتاً فإِنْ قَالَ بَذَّ الْقَائِلِينَ وَنَقَعَ غَلِيلَ السَّائِلِينَ، وَكَانَ ضَعِيفاً مُسْتَضْعَفاً! فَإِنْ جَاءَ الْجِدُّ فَهُوَ لَيْثُ غَاب وَصِلُّ وَاد لاَ يُدْلِي بِحُجَّة حَتَّى يَأْتِيَ قَاضِياً}.

ولنشاطهِ الحركي الدَّؤُوب وجهادهِ العظيم والمُستميت اعتقلتهُ السُّلطات في بغداد عام ١٩٨٠ مع زوجتهِ وإِبنهِ فِراس الذي كانَ عمرهُ وقتها [٥] سنوات بالإِضافة إِلىشقيقهِ الشَّهيد علي [١٩٦٠-١٩٨٢].

وفي كربلاء، وفي نفسِ الوَقت، إِعتقلت السُّلطات والداهُ وشقيقتهِ إِيمان التي كان عمرُها [١٤] عاماً فقط وحكَمت عليها فيما بعد بالسِّجن لمدَّة [٧] أَعوام.

كما احتجزت السُّلطات بقيَّة العائلة [شقيقاهُ مُحمَّد وكريم وبقيَّة شقيقاتهِ] في المنزلِ في كربلاء لمدَّة [١٥] يوماً قبلَ أَن تُخلي المنزل من الحِراسة المُشدَّدة وترفعَ عنهُمالإِحتجاز.

أُعدمَ الشَّهيد وزوجتهُ وشقيقهُ لينالُوا وِساماً خصَّهُ الله تعالى لعبادهِ الذينَ ارتضى [شنقاً حتَّى المَوت] كما وردَ في نصِّ شهادةِ الوفاة التي سلَّمتها السُّلطات وقتَهاللعائلةِ.

ومرَّ [٤٠] عاماً لتكتشفَ العائِلة بأَنَّ الطِّفل فِراس لم يُعدم مع أَبَوَيهِ وهوَ حيُّ يُرزق، كانت السُّلطات قد تركتهُ في الطَّريق ليُسلِّمهُ النَّاس إِلى مُختار المحلَّة الذي قرَّرَ أَن{يَتَّخِذَهُ وَلَدًا} فأَحسنَ تربيتهُ وتعليمهُ.

وبِلُطفٍ إِلهيٍّ خاصٍّ جمعَ الله تعالى شملَ [الشَّهيد الحي] فِراس بأُسرتهِ بعدَ أَن فقدَ جدَّهُ وجدَّتهُ اللَّذانِ ماتا كمَداً على فِراقهِ وفِراقِ أَبَوَيهِ وعمِّهِ الشَّهيد علي.

وبعَودةِ فِراس [عُمُرهُ الآن ٤٥ عاماً] إِلى حُضن الأُسرة الكريمة تجدَّدتِ الذِّكريات والآلام مع والدهِ الشَّهيد سالم، الذي لم يُذكر شُهداءُ تلكَ الحُقبةِ إِلَّا وهو في رأسِالقائِمة، ولم تُذكر صُور البطولةِ والوَفاء والإِيمان والإِخلاص عندَ ذاكَ الرَّعيل من المُجاهدين الرِّساليِّين إِلَّا وهوَ أَوَّلهُم.

قصَّة فِراس هي واحدةٌ من ملايينِ القَصَص التي عاشها العراقيُّون بأَشكالٍ شتَّى في ظلِّ نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين.

وددتُ أَن أَبعثَ نُسخةً مِنها إِلى الَّذينَ استُخلِفُوا في السُّلطة بعدَ التَّغيير ليتساءلُوا معَ أَنفسهِم؛ هل وَفَوا لهذهِ الملايين من قَصصِ الشُّهداء والسُّجناء والمآسي التيعاشتها الأُسر العراقيَّة على مدى [٣٥] عاماً من الظُّلم والبطش والجبرُوت؟!.

أَنتم الذين ورثتُم دماء الشُّهداء الأَبرار وعذابات السُّجناء والمُشرَّدين والمُعتقلين وأَنين اليتامى والأَرامل وحسْرات الآباء والأُمَّهات، هل فكَّرتُم ماذا ستُوَرِّثُونَ الأَبناء والأَحفادوالأَجيال القادِمة؟!.

النُّسخة الثَّانية إِلى النِّشء الجديد الذي لم يعِش مُعاناة الشَّعب في العهد الديكتاتوري البائد، فلم يذُق ما ذُقنا ولم يُعاني ما عانَينا، ولذلكَ يغفل أَحياناً فيتمنَّى لَو تعودَعقارِب السَّاعة إِلى الوَراء بسببِ الآلام والحسَرات واليأس والبُؤس الذي يعيشهُ جرَّاء فشل [العِصابة الحاكِمة] في إِدارةِ الدَّولةِ وموارِدها بِما يُحقِّق لهُ حياةً كريمةً، ظنّاً منهُبأَنَّها ستُعوِّضهُ ولو جُزءاً من مُعاناةِ الجيل الذي انقرضَ أَو كادَ!.

لماذا؟! لماذا هذا التمنِّي الأَهبل الذي ينمُّ عن جهلٍ مُركَّبٍ؟!ليختَفِيَ فِراس مرَّةً أُخرى؟! ليمُوتَ جدَّهُ وجدَّتهُ مرَّةً أُخرى كمَداً على فراقهِ؟!.

يلزم النَّشء الجديد أَن يضعَ في أُذُنَيهِ حلَقةً لا يُزيلها أَبداً إِذا أَرادَ أَن يتجاوزَ الماضي الأَسود ويصنع المُستقبلِ الأَبيض وأَن يفهم الحياة وهو بعدُ في مُقتبلِ العُمر وهي؛أَنَّ فشَل سُلطة ما بعد ٢٠٠٣ في تحقيقِ آمال وتطلُّعات ضحايا نظام الطَّاغية لا يُبرِّر الدِّفاع عن سُلطة ما قبل ٢٠٠٣ أَو التمنِّي لو عادت مرَّةً أُخرى، فالماضي ليس بديلاًللحاضرِ والمُستقبلِ أَبداً! فهذا أَمرٌ وذاكَ أَمرٌ آخر، ينبغي عدم الخلط لأَنَّهُ يُشوِّش الرُّؤية!.

زوال نظام الطَّاغية كانَ حتميَّةً تاريخيَّةً فرضتها سُننُ الله تعالى ورحمتهُ بالعراقيِّين، أَمَّا فشل [العِصابة الحاكِمة] فـ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} يُمكنُ تحويلهُ إِلى نجاحاتٍوإِنجازاتٍ بإِرادةِ النَّشء الجديد إِذا صمَّمَ فتعلَّمَ واستوعبَ الدَّرس!.

فبالإِرادةِ الحُرَّةِ والتَّصميمِ والمُثابرةِ يتغيَّر الحال إِلى الأَحسن والأَفضل.

والأَملُ معقودٌ على فِراس ليثأَرَ لأَبَوَيهِ بالنَّجاحات.

٢٦ تشرينُ الثَّاني ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here