الإيزيديون في العراق منغلقون ولا يقبلون دخول أحد في دينهم.. يعبدون الشيطان أم الشمس؟

الإيزيديون في العراق منغلقون ولا يقبلون دخول أحد في دينهم.. يعبدون الشيطان أم الشمس؟

صلاح حسن بابان

ما زالت الكثير من الشكوك تدور حول العادات والتقاليد الاجتماعية والشعائر الدينية المثيرة لدى الإيزيديين، وهي أقلية عرقية اتخذت من المناطق الشمالية في العراق، خصوصا محافظتي نينوى ودهوك، موطنا لها منذ مئات السنين، مع تشابك الروايات التاريخية حول عبادتهم للشيطان أو الشمس بوجود ملك مقدّس لديهم يدعى “الملك طاووس”، وافتقارهم لزيّ خاص بهم مثل الأقوام الأخرى بجمعهم الزيّ الكردي والعربي في زيّهم الرسمي.

تعدد الروايات

تعدّدت الروايات التاريخية حول تاريخ وجود دينهم، حيث يعتقد البعض أن الإيزيديين ودينهم وجدا منذ آلاف السنيين، في حين تذهب روايات أخرى إلى أنهم انبثقوا عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين، في تناقض للرواية الإسلامية وغيرها بأن الإيزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، في ظل وجود رأي آخر يفيد بأنها خليط من ديانات قديمة عدة مثل الزاردشتية والمانوية، أو امتداد للديانة الميثرائية، حسب الباحث والمؤرخ الإيزيدي خليل جندي.

وتعود مفردة الإيزيدية إلى كلمة يزدان التي تعني عبدة الله الذين يمشون على الطريق القويم، حسب تعريف جندي، الذي يقول إن الإيزيدية من الديانات الهندوإيرانية القديمة قبل الديانة الزاردشتية، التي تعرف تاريخيا بديانات الخصب التي ترتبط فلسفتها وطقوسها بالطبيعة ومع اكتشاف الزراعة وبدء التحضر، مع وجود بصمات واضحة من ديانات وادي الرافدين القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية والميتانية.

تقديس الظواهر الطبيعية

ومن السمات التي تجعل الإيزيدية على خلاف الديانات الإبراهيمية هي النظرة الفلسفية للتكوين والخليقة، والموقف من قوة الخير والشرّ، وكلاهما متلازمان في وحدة جدلية لا انفصال بينهما، كما يقول جندي، و”بهذا لا يوجد مفهوم العصيان (الشيطان) لدى الإيزيدية بل القول بأن الخير والشر يأتيان من عند باب الله”!

ويُقدّس الإيزيديون الظواهر الطبيعية من شمس وقمر ونار وتراب وماء وغيرها باعتبارها تجليات الخالق -حسب جندي- مع وحدة الوجود لوحدانيتها في عبادة الله، إضافة إلى الله الكلي القدرة فإن “هناك عددا غير قليل من الأرباب (خودان) موكل إليهم شأن من شؤون الدنيا، بمعنى ربط سلطة وحكم السماء بالأرض”.

وتختلف الإيزيدية عن الأديان الأخرى بأنها غير تبشيرية ولا تقبل بانضمام جدد إليها إلا من يولد من أب وأم إيزيديين. مع وجود نظام الزواج الطبقي الداخلي المغلق بين الإيزيدية، كما يؤكد جندي، حيث هناك 6 طبقات زواج مختلفة، كل واحدة تتزاوج فيما بينها ولا يجوز لها الزواج من خارج طبقتها، وتلك الطبقات هي: الآدانية، والشمسانية، والقاتانية، وأبيار حسن ممان، وبقية 39 سلالة من الأبيار، والمريدون.

وليس للإيزيدية نبي أو رسول مثل الديانات الأخرى، ويرتبط الإنسان بربه مباشرةً في علاقته به، وليس في طقوسها صلاة جماعية، وإنما يصلي الإيزيدي لوحده في مكان منزوٍ متوجها لحركة الشمس في شروقها وغروبها، حسب جندي، الذي أكد أن “الإيزيدية من ذرية آدم فقط من دون حواء”.

هل يعبدون الشيطان والشمس؟

وفيما إذا كان الإيزيديون يعبدون الشيطان أو الشمس، يقول جندي إن هذه إشكالية كبيرة وغير صحيحة مطلقا، واصفا إياها بـ”اتهام مجحف وقاس”، متسائلا: كيف يكون هناك إله للشرّ اسمه الشيطان إذ لم تكن هناك أصلا فكرة العصيان للخالق عند الإيزيدية؟

ويعتبر “طاووس ملك”، حسب الديانة الإيزيدية، اسما من بين الـ3003 أسماء لله، وهو إحدى سيماء الألوهية، ويأخذ “طاووس ملك” مرة دور إله السماء “بابا دياوس” عند الإيرانيين القدامى، و”آنو” عند السومريين، و”فارونا” عند الهندوس، وقرص الشمس هو عيونه، ولهذا يقدس الإيزيديون الشمس لحد الآن. وإذا كان “طاووس ملك” قبلة للعبادة عند الإيزيدية -حسب جندي- فإن الشمس هي قبلة للتقديس لديهم. أما نفورهم من كلمة الشيطان فقد أتت نتيجة مقاطعة اللعن ليس إلاّ.

ويوضح جندي أسباب عدم امتلاك الإيزيديين كتابا مقدسا بالقول: كان للإيزيديين كتابان مقدسان، الأول باسم “مصحف رش” (الكتاب الأسود)، والثاني باسم “الجلوة”، لكنهما ضاعا في لجة الإبادات التي تعرض له الإيزيديون خلال عهد الدولة العثمانية.

خلافات بابا شيخ

وبالانتقال من الجانب الديني إلى السياسي، فقد أثارت آلية اختيار “بابا شيخ” -وهو أعلى مرتبة دينية ويعتبر الزعيم الروحي للإيزيديين وفقا لعدد من الشروط والإجراءات الخاصة التي تتم بالتشاور بين المجلس الروحاني مع أمير الإيزيديين وعدد من الشخصيات الدينية- ضجة واسعة بين الإيزيديين، وتسببت في انشطار بينهم بعد اتهامات بتدخل أحد الأطراف السياسية الكردية في عملية الانتخاب، مما أدى إلى نشوب خلافات واعتراضات حادة بينهم، وإعلان البعض منهم عدم اعترافهم بـ”البابا شيخ” الجديد.

واتهم الناشط المدني الإيزيدي الدكتور ميرزا دنايي بعض المسؤولين المحليين في الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بالهيمنة السياسية على القرار في المرجعية الدينية الإيزيدية، معتبرا هذا التطور “سابقة خطيرة جدا” بحق الإيزيدية والأقليات، ولم تُمارس مثل هذه “العنجهية” والأسلوب حتى في نظام صدام حسين رغم قسوته حسب وصفه، متسائلا: كيف تقوم بذلك أحزاب تدعي أنها ديمقراطية؟

ولم يصل ما حدث إلى مستوى الانشقاق الديني بين الإيزيديين كما يتصوّر البعض، لكن يمكن اعتباره استغلالا للسلطة من قبل البعض من أجل إهمال صوت الشرائح والفئات الأخرى في المجتمع، حسب رد دنايي على سؤال للجزيرة نت بشأن ما إذا كان التطور الأخير بمثابة انشقاق ديني، مستذكرا رفض الإيزيديين للخطوة نفسها عندما قام بها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1995 عندما سعى لتنصيب بابا شيخ للإيزيديين مقرّب من السلطة بعيدا عن الرغبات الجماهيرية، إلا أنه جوبه بالرفض من قبل شيوخ وعشائر الإيزيديين، فخضع نظام صدام لرغبة الجماهير.

واستغرب الناشط الإيزيدي النظر إليهم كأنهم مواطنون من الدرجة الثالثة، متهما الأطراف القابضة على السلطة، سواء السياسية منها أو الحزبية، بمحاولة فرض الوصاية عليهم، ومستفسرا عن أسباب غياب دعم الدولة لهم، وهو ما تسبب في ضعف الإيزيديين في العراق.

وباتت القضية الإيزيدية مسيسة بتنازع أطراف عدة عليها لتحصد ثمار الكارثة التي حلت بهم أثناء اجتياح مناطقهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، حسب دنايي، عازيا السبب إلى غياب الدولة كمؤسسة فشلت في فرض هيبتها القانونية والسيادية، مما انعكس سلبا على العيش المشترك بين الطوائف والأقليات.

نظرة الإسلام للإيزيدية

وحول نظرة الإسلام للإيزيدية، يقول أستاذ الشريعة في جامعة الأنبار الشيخ الدكتور مازن مزهر الحديثي إن الإسلام كفل حياةً طيبة لهذه الفئات عملاً بنصوص القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وحق التعايش لأهل الذمة، مستندا للآية التي خاطب فيها الله تعالى الرسول محمد صل الله عليه وسم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]، وشملت هذه الرحمة العالمين جميعا وليس المسلمين فقط.

وينفي الحديثي بآية (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: 256] ما يُشاع حول فرض الإسلام عقيدته على من يخالفه في الدين تحت التهديد وباستخدام القوة، مضيفا أن الإيزيديين يعتبرون من أهل الذمة لدى الإسلام مثل غيرهم، لهم من الحقوق مثل ما عليهم من الواجبات، وكفل لهم الإسلام حرية ممارسة شعارئهم الدينية وأن تكون دماؤهم معصومة وأموالهم محفوظة وأعراضهم مصانة.

واستغرب الحديثي عادات وتقاليد موجودة لدى بعض الأديان منها الإيزيدية، التي ترفض قبول الطفل من أب أو أم غير إيزيدي، كما الحال عند بعض الطوائف اليهودية التي لا تقبل من يتهوّد معهم، مستغربا العمل بهذه العادات والتقاليد التي يقول إنها قائمة على أهواء الأشخاص، واصفا إياها بـ”العنصرية والشوفينية” والتعالي على الآخر.

وختم الحديثي حديثه للجزيرة نت قائلا: إنه واجب على الإيزيديين وغيرهم من الديانات الأخرى وأهل الذمّة الامتثال والالتزام بما شرّع المشرّع في الدولة التي يعيشون فيها وعدم مخالفتها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here