الطبيعة القانونية للإجراء القضائي

القاضي عبد الستار ناهي عبد عون

إن المدعي غالبا ما يلجأ لإقامة الدعوى امام القضاء بعد ان يُجحد حقه او يتعدى على مركزه القانوني وتعذر التطبيق الاختياري للقانون من جانب الطرفين، ووسيلته في ذلك الدعوى، والدعوى هي مجموعة إجراءات قضائية متتابعة زمنيا تبدأ من إقامة الدعوى وتنتهي بصدور حكم مكتسب الدرجة القطعية.

والذي يبرئ هذا الحكم من نقائص الرأي الذاتي هي الإجرائية، وتضمن بالتالي توافقه مع القانون الموضوعي، ثم تأتي حجية الامر المقضي لتقطع الطريق على اي رأي ذاتي مخالف للرأي القضائي. اذ ان بجانب القانون الموضوعي الذي ينظم مباشرة العلاقات الاجتماعية الاصلية قانونا اجرائيا ينظم نشاطا ثانويا لتحقيق القانون الموضوعي وهو النشاط القضائي. وفي ضوء ما تقدم يمكن تعريف الاجراء القضائي بأنه العمل الذي يرتب عليه القانون مباشرة أثرا إجرائيا، ويكون جزءا من خصومة.

ومما يستخلص من التعريف ان الإجراء القضائي له ثلاث سمات، الأولى: انه مسلك ايجابي يتم اثناء الدعوى من شأنه ان يرتب آثارا قانونية عند إقامتها أو تعديل نطاقها من حيث الموضوع والسبب والاشخاص او التأثير في سيرها او انهائها، وينبني على ذلك لا يُعد مجرد الامتناع عن عمل إجراءً قضائيا، ولا يعد دراسة الدعوى من القاضي او الخصم او وكيله إجراءات قضائية. وثانيهما: انه جزء من الخصومة، فالأعمال الممهدة لاقامة الدعوى لا تُعد من الأعمال الاجرائية، وكذلك اعذار المدين وتوكيل محام متى جرت هذه الامور قبل اقامة الدعوى، ولكن لو تمت تلك الامور بعد اقامة الدعوى عُدَ التمسك بها عملا إجرائيا لان مثل هكذا اجراء من شأنه التأثير مباشرة في سير الدعوى.

وثالثهما : هو أن تترتب على الإجراء القضائي آثارا إجرائية مباشرة والأثر الإجرائي هو الأمر المتعلق بالدعوى سواء ببدئها او التدخل او الاختصام فيها بكل اشكال الدعوى الحادثة الثلاثة.

ويجب ان يكون هذا الاثر مباشرا، ولهذا فأنه لا يعد عملا إجرائيا النزول عن الحق الموضوعي او النزول عن الدعوى، ذلك ان الاثر الاجرائي المترتب على اي منهما –وهو انتهاء الخصومة – ليس اثرا مباشرا للعمل، وإنما يترتب كنتيجة لأثر موضوعي هو زوال الحق او زوال الدعوى.

وان الإجراءات القضائية وان تعددت وتنوعت فهي وحدة متكاملة تهدف لغاية تتمثل بالاستجابة لطلب الحماية القضائية لمن طلبها من خلال حكم قضائي إجابة على طلب الحماية. ومما تم استعراضه يثار التساؤل ما هي الطبيعة القانونية للإجراء القضائي؟

المراد بالطبيعة القانونية هو تحديد نوع القواعد القانونية التي يخضع لها الإجراء القضائي، فالاجراء القضائي يخضع لقواعد القانون الإجرائي التي تُقابل بقواعد القانون الموضوعي، وهو بهذا الوصف عمل من اعمال القانون الإجرائي ما يقتضي البحث في طبيعة القانون الاجرائي للوقوف على طبيعة الاصل التي توصل بالنتيجة الى طبيعة الفرع. فالقانون الاجرائي لا يقتصر على الإجراءات كما يبدو من اسمه، وان كان تنظيم إجراءات القضاء هو الموضوع الرئيسي له، الا انه لا يستغرق هذا القانون بل يتضمن بجانب قواعد الإجراءات بالمعنى الحقيقي قواعد تتعلق بالموضوع، كما انه يبين المراكز القانونية للقاضي والخصوم خلال العملية القضائية، وانه ليس دائما قانونا جزائيا، وان قواعده وضعت لتنظيم نوعا من السلوك الانساني هو النشاط القضائي، ويتضمن ايضا قواعد سلوك تتضمن امرا بعمل او الامتناع تفرض على مخالفته جزاءات، لذا تعد قواعد قانونية بمعنى الكلمة.

كما ان قواعده تعد قواعد (وسيلية) بالنسبة لقواعد القانون العام او الخاص الموضوعية ذلك ان اهداف القانون الإجرائي هي تحقيق الجهاز القضائي للدولة لقواعد القانون الموضوعي العام او الخاص، فهي تعد وسيله بالنسبة لقواعد القانون العام او الخاص الموضوعية.

وبذلك فهو قانون تنظيم للنشاط القضائي، وفكرته تتركز انه قانون النفاذ القضائي للقانون الموضوعي. وكلا القانونين لهما وحدة هدف وهي تحقيق الاستقرار في العلاقات الاجتماعية. وكون الاجراء القضائي من قواعد القانون الاجرائي وكون الاخير ذي قواعد تتفق مع طبيعته، فما هي الطبيعة القانونية للاجراء القضائي؟ اتفق الفقه على ان الاجراء القضائي هو عمل قانوني بالمعنى الواسع ولكن لم يتفق بشان تكييفه تصرف قانونيا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here