سِرُّ العِلاقةِ المأزومةِ بينَ طَهران والرِّياض

سِرُّ العِلاقةِ المأزومةِ بينَ طَهران والرِّياض*

نـــــــــــــــــزار حيدر

منذُ انهيارِ الدَّولة العُثمانيَّة في الرُّبع الأَوَّل من القرن الماضي وقيام النِّظام الملكي في كلِّ من الرِّياض وطهران، بدأَ التَّنافس على أَشدِّهِ بينَ العاصِمتَين، لأَسبابٍ عدَّةٍمنها الدَّافع المذهبي [الطَّائفي] [توظيفُ المذهبِ في خدمةِ السِّياسات] إِذ سعت الرِّياض إِلى ملء فراغ الدَّولة العُثمانيَّة كحامِيةٍ ومُدافعةٍ عن سُنَّة العالَم فيما استمرَّ النِّظامالشَّاهنشاهي يُسوِّق نفسهُ كحامٍ ومُدافعٍ عن شيعةِ العالَم، كلُّ يحمي ويدعم أَبناء مذهبهِ سياسيّاً وديبلوماسيّاً وماليّاً للتَّرويج وترسيخ فِكرة [الحامي] من جانبٍ والسِّياساتوالعقائِد من جانبٍ آخر.

النَّفط والنُّفوذ والأَمن كذلكَ كانَ من دوافعِ هذا التَّنافس.

ولكن وبسببِ كَون كِلا العاصِمَتَينِ على علاقةٍ وطيدةٍ بكلٍّ من لندن وواشنطن، حدِّ الإِستسلام لسياساتهِما، لذلك كانَ التَّنافس تحتَ السَّيطرة لم ينتقل إِلى مراحلِالصِّدام.

وعندما سقطَ نظام الشَّاه في طهران وقامت الجُمهوريَّة الإِسلاميَّة عام [١٩٧٩] اشتدَّ التَّنافس حدَّ الصِّراع، بسبب تدهور العِلاقة بَين طهران والقِوى الغربيَّة وتحديداًواشنطن التي كانت فيما مضى تُوازن العِلاقة بين الرِّياض وطهران وتتحكَّم بها وتضعها تحتَ السَّيطرة، ولكنَّ الصِّراع كذلك لم يصل إِلى حدِّ الصِّدام المُباشر، فلقد ظلَّمُستمرّاً في إِطار الحرُوب بالوِكالةِ، كما فعلَ نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين في بغداد مثلاً عندما شنَّ الحرب على طهران عام ١٩٨٠ واستمرت ٨ سنوات بأَموالِ دُولالخليج وتحديداً الرِّياض.

ثمَّ تواصلت حرُوب [الوُكلاء] في لبنان والعراق واليمن وسوريا كأَدواتٍ طبيعيَّةٍ لصِراع النُّفوذ والسَّيطرة بينَ العاصِمتَينِ المُتنافستَينِ والمُتناقضتَينِ.

وبرأيي فإِنَّ من الصُّعوبة بمكان إِنهاء هذا الصِّدام لسببٍ إِستراتيجيٍّ أَساسيٍّ أَلا وهوَ التَّناقض العميق في المنهجِ الذي تسيرُ عليهِ كِلا العاصِمتَينِ.

فبينما تتمسَّك طهران بمنهجِ [المُقاومة] للهَيمنة الغربيَّة في المنطقة ولسياسات الولايات المُتَّحدة على مُختلف الأَصعدة خاصَّةً ما يخصُّ الملف الأَمني والتواجد العسكريفي المنطقة وملف البترُول وملف القضيَّة الفلسطينيَّة، بغضِّ النَّظر عن الدَّوافع والنَّوايا، تتمسَّك الرِّياض بمنهج [الإِستسلام والإِنبطاح والخضوع] أَمام السِّياسات الغربيَّةوتحديداً الأَميركيَّة.

هذا التَّناقُض يظهر في كلِّ مفاصل المنطقة، بدءاً بالسِّياسات البتروليَّة وإِنتهاءً بالقضيَّة الفلسطينيَّة، مُروراً بالتَّحالُفات الإِقليميَّة والدَّوليَّة والتَّعامل معَ تطوُّرات المنطقةوملفَّات الدُّول الإِقليميَّة والإِرهاب، والتي لا يمكنُ أَن تتَّفق عليها إِستراتيجيَّات مُتناقضة.

إِنَّ نظرة طهران للأَمن الإِقليمي تقومُ على مبدأ تعاون دُول المنطقة بعيداً عن التدخُّلات الخارجيَّة، فيما ترتكز نظرة الرِّياض على أَساس الإِعتماد كُليّاً على الحِماية الدَّوليَّةحصراً، وهذا تناقضٌ واضحٌ لا يمكنُ الجمع بينَ الرُّؤيَتَينِ.

ومن مُنطلق رُؤيتها سعت طهران كثيراً لتحسينِ عِلاقاتِها مع الرِّياض حتَّى في أَشدِّ وأَعقدِ وأَخطرِ المراحل التي مرَّت بها العِلاقات الثُّنائيَّة.

فعندما ارتكبت سُلطات [آل سَعود] مجزرتها المعروفة ضدَّ الحُجَّاج الإِيرانيِّين عام ١٩٨٧ في مكَّة المُكرَّمة راح ضحيَّتها أَكثر من [٤٠٠] حاج إِيراني، وعلى الرَّغمِ من أَنَّمُؤَسس الجمهوريَّة الإِسلاميَّة [الإِمام الخميني] قالَ وقتها في بيانٍ [إِذا نعفُو عن صدَّام حسين فلن نعفُوَ عن آل سَعود] ومعَ ذلكَ فإِنَّ القيادة الجديدة [١٩٨٩] [الثُّنائيخامنائي المُرشد الأَعلى و رفسنجاني رئيس الجمهوريَّة] قرَّرت أَن تفتح صفحةً جديدةً مع الرِّياض بالزِّيارة التِّي وُصفت وقتها بالتَّاريخيَّة للرَّئيس رفسنجاني إِلى الرِّياض.

إِلَّا أَنَّ العلاقات عادت تتدهور مرَّةً أُخرى بسبب تناقض الرُّؤية كما أَسلفتُ.

فضلاً عن ذلكَ، فلقد بات واضحاً أَنَّ الولايات المُتَّحدة على وجهِ التَّحديد ومعها حليفاتها الغربيَّات وعلى وجهِ الخصُوص بريطانيا، لها اليد الطُّولى في تأجيجِ هذا الصِّراعبينَ العاصمتَينِ لأَنَّ المُستفيد الأَكبر منهُ [إِسرائيل] وهوَ المطلوب بالنِّسبةِ الى واشُنطن ولندن، فضلاً عن أَنَّ الصِّراعَ مطلوبٌ سَواء لجهةِ تبرير التواجُد العسكري الأَجنبي فيالمنطقة وبيع الأَسلحة لدُولها بذريعةِ الخطر الإِيراني أَو على صعيد التحكُّم في أَسعار البترُول.

وتبدو اليد الغربيَّة الخفيَّة في تأجيج الصِّراع واضحةً بفشلِ كلِّ المُحاولات التي بذلتها طهران لتصفيرِ كُلِّ أَسبابهِ مع الرِّياض، إِذ كُلَّما تقتربُ مُحاولةً من مرحلةِ اقتطافِالثِّمار إِذا بالأَزماتِ تتفجَّر مرَّةً أُخرى فتعودُ الأُمورُ إِلى ما قبلَ المُربَّع الأَوَّل، وأَكثر.

وهكذا على مدى العقُود الأَربعة الماضية، والتي استمرَّت فيها العِلاقات بين طهران والغَرب مُتدهوِرة إِلى أَبعدِ الحدود.

فلقد ظلَّت الرِّياض مُصطفَّة مع الغرب في حربهِ الإِقتصاديَّة والسياسيَّة والديبلوماسيَّة ضدَّ طهران، وهو أَمرٌ مفروغٌ منهُ بالنِّسبةِ لها، ما يُزيدُ العلاقة بينها وبين طهرانتعقيداً وتأزيماً.

واليوم، فإِنَّ واشنطن توظِّف هذا الصِّراع لابتزازِ الرِّياضِ وحلبِ ضرعَها وأَموالها باعتبارِها بقرةً حَلوب كما تصفُها واشنطن، لا تقوى على البقاءِ والصُّمود أُسبوعاً واحداًمن دونِ حمايةِ واشنطن، وهذا ما قالهُ الرَّئيس ترامب أَكثر من مرَّةٍ، على الرَّغمِ من أَنَّ الرِّياض تُعَدُّ أَحد أَكبر المُستوردِين للسِّلاحِ من الولايات المتَّحدة!.

*وُجهة نظر مُشاركة في بحثٍ أَكاديميٍّ لطالبةٍ فلسطينيَّةٍ في مرحلة الدِّراسات العُليا.

١ كانون الأَوَّل ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

E_mail: [email protected]

‏Face Book: Nazar Haidar

Twitter: @NazarHaidar2

Skype: nazarhaidar1

WhatsApp, Telegram & Viber: + 1(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here