شارع المتنبي يستذكر أيام السيدارة المنسية

خاص/ المدى

حاول السيد عبد الخالق سامي البغدادي الموظف السابق في السلك التربوي، وقد احيل الى التقاعد في منتصف التسعينيات بعد خمسين عاما من العمل، الحصول على لباس الرأس المعروف بالسيدارة الذي كان يرتديه موظفو الدولة العراقية في العهد الملكي، وقد نسيه الناس منذ عقود.

وبعد بحث مضن حصل على مبتغاه في محل منزو في سوق الهرج ببغداد، وكانت بحالة جيدة نوعا ما، والاهم ــ كما يقول ــان بطانتها الداخلية تحمل ما يدل على انها من صنع معمل (صيون) في سوق السراي.

مع بدء العهد الجمهوري سنة 1958 اصبح لبس السيدارة امرا نادرا، واتهم لابسوها بانهم يحنون الى الحكم الملكي، وبقي لبسها في حفلات الغناء القديم وفي بعض الاعمال التلفزيونية والسينمائية.

بعد احداث 2003 الشديدة بوقعها على العراقيين، وشعور الكثيرين بان الهوية الوطنية العراقية اصبحت مهددة!، كانت فكرة العودة الى بعض الرموز الوطنية ومنها السيدارة امرا شائعا، وآثر البعض لبسها في المناسبات الوطنية والثقافية وحتى الاجتماعية.. واخذت محلات كثيرة في بغداد تعرض لباس الرأس هذا بالوانه المختلفة.

عندما تولى الملك فيصل الاول عرش العراق سنة 1921 ايذانا بتأسيس الدولة العراقية الجديدة، وجد ان اغلب موظفي دولته يعتمرون ما يسمى بالطربوش او الفينة، وهو لباس الرأس الرسمي في الدولة العثمانية، فحاول مع بعض اركان الدولة الجديدة تغيير ذلك بايجاد بديل جديد، ووصلوا الى ان السيدارة التي كانت معروفة في الجيش الروسي وفي الجيش البريطاني ايضا مناسبة لو اجريت بعض التعديلات عليها، وتم الاتفاق على تعميم لبسها مع اجراء تغيير طفيف بجعلها اكبر نسبيا. وشارك الشعراء الشعبيون مثل الملا عبود الكرخي بالترويج لها، ودخل اسمها في الاغاني الشعبية ومنها بستة شهيرة للفنان محمد القبانجي مطلعه: (يا حلو يا بو السيداره… متيمك سويله جاره) رددها الناس في العشرينيات.

وساد لبس السيدارة في السنوات التالية حتى لبسها العمال الاهليون وسائقو السيارات والعربات والباعة المتجولون في المحلات والازقة. وعندما ارادت وزارة ياسين الهاشمي سنة 1936 توحيد لباس الرأس، استثنت السيدارة من ارادتها، على الرغم من ظهور البسة منافسة لها كالبرنيطة والبيرية والشفقة. غير ان منتصف الاربعينيات شهد تراجع لبس السيدارة وانحسارها، وبقي عدد غير كبير مستمرا على ارتدائها حتى سقوط النظام الملكي في ثورة 14 تموز 1958 ليسقط ايضا ارتداء السيدارة عند المدنيين.

يوم الجمعة في شارع المتنبي، ترى العديد من مرتادي الشارع الاثير لدى المثقفين العراقيين وقد اعتمروا السيدارة بزهو وفخر مع افخر ثيابهم، وعندما تسأل احدهم عن سر السيدارة، تكون اجابته المعتادة عن الهوية الوطنية والحنين الى الماضي الجميل، ثم يمتد الحديث عن ما حل بالوطن من مآس ونكبات، ثم الحديث عن النقد السياسي، ليكون ذلك إيذانا بوقف الحديث عن السيدارة واحوالها!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here