هل من مسؤولة للمرجعية الشيعية عن وجود وأفعال الحشد “الشعبي!” بميليشياته الطائفية المسلحة؟

كاظم حبيب

تابع المجتمع العراقي بعدم ارتياح وقلق شديدين بعد الإطاحة الخارجية بالنظام الدكتاتوري الدموي، بروز مجموعة من التشكيلات الميليشياوية الطائفية المسلحة، الشيعية منها والسنية، واستنكر دورها العاصف والفوضى التي أشاعتها وبروز عمليات اقتتال الأخوة والقتل على الهوية الشيعية والسنية والتصفيات الجسدية لأتباع الديانات الأخرى وحرق الكنائس واغتيال العلماء والمثقفين والصحفيين والسياسيين الديمقراطيين، وإنشاء السجون السرية والتعذيب وسلخ الجلود التي كانت تجري في سراديب النجف مثلاً، وصدور أحكام من محاكم غير شرعية بالقتل ومصادرة الدور ونهب الأموال وما إلى ذلك. ومنذ البدء أدرك المجتمع بأن هذه الميليشيات، الشيعية منها والسنية، ليست ذات هوية عراقية، حتى لو أطلقوا عليها أسماء أئمة شيعة أم معارك إسلامية، بل إنها إما ذات هوية إيرانية ولبنانية-إيرانية أجنبية، وهي بهذا المعنى شيعية صفوية ولائية تدوس على كرامة المواطن واستقلال البلاد، وإما سعودية وقطرية وإماراتية أو تركية-عربية ومرسلة بجهد تركي-سوري مشترك إلى العراق لتعبث فيه وتشيع الفوضى والموت في كل مكان. وقد ساهم النظام الطائفي المحاصصي الفاسد، بسبب طائفيته وفساده، إلى زيادة عدد هذه الميليشيات والناشطين فيها والمشاركين في تهديد الناس وابتزازهم بمختلف الطرق، ثم إنزال هذا الصراع السني-الشيعي إلى الشارع العراقي، إذ لم يبق محصوراً بتلك الميليشيات وأتباعها، وهي جريمة كبرى مارسها النظام الطائفي ابتداء من فترة إبراهيم الجعفري ومروراً بنوري المالكي، وكان أكثرهم بشاعة، واستمراراً بعادل عبد المهدي، وأكثرهم دموية، ومصطفى الكاظمي، وانتهاءً أكثرهم انتهازية.

وقد أدت هذه الصراعات إلى تفاقم دور والأفعال المخزية لهذه الميليشيات، التي تشابك وجودها ودورها ونشاطها مع القوات المسلحة العراقية، التي تكرست عملية تربيتها وتثقيفها طائفياً مقيتاً، وليس بهوية وعقيدة وطنية عراقية مستقلة عن الأحزاب والقوى السياسية. وكانت حصيلة ذلك المزيد من العداء والتدخل في الشأن العراقي حتى حصل المحذور واحُتلت الموصل ونينوى كلها من قبل تنظيم داعش الإجرامي. فكان نداء المرجعية الشيعية بالجهاد الكفائي لمواجهة احتلال الموصل وعموم نينوى وتهديد بغداد بالاحتلال. وحصل التشابك بين نداء المرجعية وبين الميليشيات الشيعية الطائفية القائمة التي أسسها الحرس الثوري وفيلق القدس في العراق وبدعم مباشر من حزب الله الإيراني في لبنان وبقيادة الجنرال الإيراني قاسم سليماني. وانتهت المعارك الأساسية مع داعش، وكان على المرجعية الشيعية أن تعلن انتهاء فعل فتوى الجهاد الكفائي وعودة الناس إلى أعمالهم. ولكنها لم تفعل ذلك، وبالتالي أبقت

على الميليشيات كلها وسكتت عن أفعالهم الدموية والاغتيالات والاختطافات والتعذيب. وهو امر لا يمكن نسيانه أو اغفال الحديث عنه.

وعراق اليوم يواجه حشدين، الحشد الأكبر والأكثر تسليحاً وعدوانية وابتعاداً عن الوطن، هو الحشد الشيعي الصفوي الولائي، أي بولائه لقائد إيران علي خامنئي وليس للعراق، والحشد الثاني هو الحشد الشيعي التابع للمرجعية الشيعية والذي أطلق عليه بحشد العتبات. وكلاهما لم يعد ضرورياً وجوده، بل يشكل خطراً على العراق واحتمال نشوب صراع بينهما وعواقبه وخيمة على العراق وشعبه.

إن من واجب المرجعية الشيعية التي دعت إلى الجهاد الكفائي أن تدعو اليوم إلى إنهاء وجود كل الميليشيات سواء التابعة لإيران، أو التابعة للمرجعية الشيعية في النجف. إن الدعوة لحل هذه الميليشيات يمكن أن يقترن بأخذ من يرغب منهم بالانتساب للقوا المسلحة أن يقدم طلبا بهذا الشأن والقوات المسلحة هي التي تقرر حاجتها للجنود أو للشرطة.. إلخ.

لا يجوز بقاء هذه الميليشيات باسم الحشد الشعبي وهي التي تخرق يومياً سيادة العراق واستقلاله بسبب تبعيتها لإيران أو تبعيتها لغير القوات المسلحة العراقية وقراراتها لا تصدر من القائد العام للقوات المسلحة بل عن مسؤولين في مرجعيتين هما قم والنجف. وهو أمر بالغ الضرر بهيبة الدولة العراقية واستقلال قراراتها وسيادتها، فهذا الأمر ليس من مسؤوليات وواجبات المرجعية الشيعية في النجف فواجبها الأول والأخير هو الدين.

إن المؤتمر الذي عقد لحشد العتبات وما صدر عنه من قرارات لا يغير من حقيقة وجوب حل منظماته الأربعة لأنها تشكل عملياً قوات مسلحة غير نظامية، رغم قرار تبعيتها الأسمية للقوات المسلحة العراقية، داخل القوات المسلحة العراقية وتتحكم فعلياً بقرارات رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب ورئيس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة الاتحادية ورئيس الدولة أيضاً. إنها المحنة التي تواجه الشعب العراقي دولة عميقة داخل الدولة الرسمي وتسيطر عليها، وقوات مسلحة حشدية داخل القوات المسلحة الرسمية تسيطر على قرارات القائد العام للقوات المسلحة وتأتمر بأوامر أشخاص آخرين، سواء أكان علي خامنئي، أم الصافي والكربلائي باعتبارهما يمثلان المرجعية الشيعية التي على رأسها السيد علي السيستاني.

لا يجوز بأي حال استمرار وجود هذه الميليشيات، سواء أكانت شيعية صفوية أم عتبات عراقية، أم مسيحية أم شبكية.. إلخ. فهي أجسام غريبة في جسد الدولة العراقية لا بد من إزالتها، إنها سرطان خبيث داهم وقاتل ما لم يجرِ التخلص منه وبأسرع وقت ممكن، بغض النظر عن الأعمال الطيبة التي مارسها الجهاديون الكفائيون في تحرير الموصل ونينوى من مجرمي داعش التكفيريين، ومع احترامي

وتقديري للتضحيات الغالية التي قدمها أولئك الذين دخلوا المعارك باسم الجهاد الكفائي، والتي ينبغي ألَّا تُنسى لهم كأفراد وليس ككيانات ميليشياوية مسلحة لا تزال قائمة وغير مرغوب بها وغير مطلوبة أساساً.

لاحظوا الاعتداءات الأخيرة التي مارستها ميليشيات طائفية مسلحة في ذي قار والكوت وسقوط شهداء على ايدي قتلة مجرمين من أعضاء تلك الميليشيات سكت عنها رئيس الحكومة، وتتحمل مسؤوليتها الحكومة كلها، لأن رئيس الحكومة، كما يبدو بوضوح ضالع مع تلك الميليشيات بمؤامرة وأد الانتفاضة واعتقال نشطائها أو مطاردتهم وفرض الاختفاء عليهم. إنه قمة الانحطاط الخلقي أن يقتل ويجرح ويعوق نشطاء قوى الانتفاضة التشرينية ويطاردون ويعتقلون ويحاكمون وهم سلميون بذريعة حماية هيبة الدولة، في حين يترك أولئك الذين أهانوا بقسة هيبة الدولة بسلطاتها الثلاث ويتجاوزون بفظاظة يومياً وكل ساعة في جميع أرجاء جنوب ووسط العراق وبغداد على هيبة الدولة بميليشيات طائفية مسلحة لا تعرف غير لغة التهديد والسلاح، كما ورد أخيراً على لسان مقتدى الصدر والمتحدث باسمه صلاح العراقي.

لن تمر افعالكم دون عقاب، فالشعب يمهل ولا يهمل، وقبلكم مارسوا كل أشكال الاستبداد والقهر الاجتماعي والاقتصادي والفساد والموبقات والعهر السياسي (حزب البعث وقوى وأحزاب قومية يمينية متطرفة) وانتهوا إلى قير وبئس المصير. ولن يكون مصير من يقتل بنات وأبناء الانتفاضة ويتجاوز عليهم، سواء أكانوا من أحزاب وميليشيات طائفية مسلحة أم من غيرها، لن يكون مصيرهم بأفضل ممن سبقوهم في العبث بحياة الشعب وحقوقه ومستقبله واستقلال وسيادة الوطن.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here