الكورد و حوار الذات ..1

د. اكرم هواس

يوم السبت الماضي 21 نومبر/تشرين الثاني عقد مؤتمر موسع بدعوة من المؤتمر الوطني الكوردستاني و رابطة برلمانيي كوردستان… الموتمرحضره سياسيون و مثقفون من الكورد لمناقشة موضوع حيوي و هو الحوار الداخلي اي الكوردي– الكوردي… كنت احد المدعويين لكني لماستطع المشاركة لاسباب خاصة ..  المؤتمر اصدر بيانا يدعو ضمن مرتكزات اخرى الى تحريم القتال الداخلي و اعتقد ان لا احد يشك فياهمية هذه النقطة كونها المحور الاساس في محاولة لدرء وصول الصراع الايديولوجي و السياسي الى مرحلة التقاتل الفعلي بين القوىالكوردية المختلفة …

بجانب هذه المبادرة عمد المؤتمر الوطني الكوردستاني ايضا منذ فترة الى تنظيم حوارات كورديةعربية .. و هنا ايضا تم  توجيه الدعوة ليمشكورا اكثر من مرة لكني ايضا لاسباب خاصة لم اشارك .. و عليه ارتأيت ان اساهم في هذا الحوار من خلال كتابة مجموعة المقالات هذهمحاولا تجاوز النفق السياسي في المناقشات و السعي الى طرح القضية المفاهيمية و المعرفية لمبدأ الحوار حيث اعتقد انه رغم وجود اطرافمختلفة من حيث البنى الايديولوجية و السياسية و العمق القومي و الاثني و الديني و على مستوى التطور الاجتماعي الا اني اعتقد انالحوار هو اولاً و اخيراً هو حوار الذات … هذه الذات التي تتضخم و تتوسع مداراتها عادة  بفعل السيرورة التاريخية و التطورات و الاحداثو الصراعات و التغييرات المجتمعية الا انها تظل في النهابة اسيرة محور اساسي في البنية المعرفية للفرد و الجماعة و هي الذات الفردية والجماعية  رغم جدلية الوعي بوجود الاختلافات التي عادة تؤسس للصراع و حتى القتال… 

في محاولة لفهم اشكالية الصراع يمكن ان نحاول اولا في اطار  السايكوانثروبولوجيا  Psyco-Anthropologyحيث يعتبر ان القتال هوقرار الذات بالانتحار … او فنقل ان قتل الاخر هو بشكل ما قتل لدافع داخل الذات نفسه تم تشخيصه و تجسيده في وجود الاخر (الذيسيصبح الضحيةكما كانت تفعل القبائل و المجموعات الدينية  القديمة في محاولة للنجاة من “قوى الشر” وفق تصوراتها عن حياة الانسانو ادارة المجتمع

و هكذا على نفس الاساس فاننا يمكن ان نفترض بان الحوار الهادف الى درء القتال  اساسه الاول هو الذات حيث تحتفظ الذاكرة بصورتفاعلية مختلفة عن النشأة و التطور و الانتماء الى المجتمع الاولي.. لكن تبقى هناك الكثير من التساؤلات : اية ذات و كيف تكونت ذاتمجتمعية من جماعات بشرية مختلفة في انتماءاتها التاريخية و الاثنية و الدينية ..و كيف تم دمجها في بوتقة متشابهة… و هل يمكن ان يكونالاندماج قسريا و رغم ذلك تنشأ شبكة من التقاطعات القيمية و السلوكية خاصة في الفضاءات السياسية و الخطاب المجتمعي و ادارةالصراع..؟؟؟

هذه التساؤلات نحاول ان نناقشها في هذه السلسلة من المقالات كما ورد آنفا… لكن اود هنا ان اوضح الفرضية المحورية التي اعمل عليها وهي ان الصراعات بين المجموعات البشرية و قواها السياسية و الفكرية في الشرق الاوسط هي بشكل عام صراع الذات التي تحاول تفكيكبنيتها التاريخية في محاولة لبلورة هوية (غيرقابلة للتحقيق… بكلام اخر … شعوب الشرق الاوسط … و هي تبحث عن حبل النجاة.. تغفلعن حقيقة مؤلمة.. و هي انها تلف الحبل حول عنقها و تنتحر …كيف و لماذا… ؟؟.. سنحاول ان نناقش ذلك  في الحلقة القادمة… لكن دعنانعود الى الاشكالية الاساسية : حوار الذات عند الكورد … مالذي يجعل الكورد  .. مثل كل شعوب الشرق الاوسط و اغلب شعوب الارضكلما حاولوا ان ينفصلوا عن “مستعمريهم” فانهم يقتربون اكثر و كلما حاولوا ان يبنوا هويتهم “الخاصة” اعادوا ترميم  هوية “المستعمر” بشكل يتجاوز المخيال الواقعي  بوعي او من غيره…. مرة اخرى كيف و لماذا..؟؟..

من المؤكد اننا لا نتحدث هنا عن تاثير متلازمة استوكهولم حيث يعشق الضحية ظالمه … كما ان التراجع “المستدام” في تحديد المنهج والهدف لا يمثل مؤشراً على عجز تاريخي للكورد عن انتاج بدائل لان تاريخ المنطقة يحوي العديد من المحطات الكوردية و قدرتهم الفعالة… اذن لابد من وجود ميكانيزمات تطورية اخرى تتعلق بمفهوم الذات و حدودها و تقاطعاتها ..

بكلام اخر… يبدو ان حوار الكورد هنا هو  بشكل ما يمثل حوار المستعمر الذي اصبح جزء من الذات مع المستعمر الذي تحاول الذاتالتخلص منه … اي ان طبيعة الحوار  يبدو و كأنها ترسم صورة ذهنية لشخص يقاتل ذاته حينما يحاول انقاذها من شيء لا يعرف حدوده ولا مآلاته….سنواصل… حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here