من أجل وعي حديثي

من أجل وعي حديثي، الدكتور مروان خليفات

منقول :

المنهج الشيعي الامامى يمكن القول بانه منهج حذر على الدين، ينطلق من (التكليف) وخطورته، فهم يريدون (صحة الصدور) ، لا شروط قانونية لرجال السند فما وافقها فهو صحيح كما يفعل الآخرون، وهذا وحده يحتاج إلى كتاب لشرحه خصوصا للعقول التائهة التي لا تفهم إلا ما يقول لها السلطان.
خصائص الدين تثبت بالرواية الحجة ، والحجة في ثبوت الصدور وهو يحتاج إلى شروط أهمها إما صدق الناقل وإما عمل الصادقين عليها، وإما هما معا حسب أهمية الموضوع وعلاقته بالتكليف، وهناك معايير وقرائن كثيرة تعتمد.

وفي عصر الأئمة كان الأئمة يقودون عملية تنقية وتعريف الرجال والحديث نفسه ، فالحجة عنهم مسيطر عليها من قبل الإمام نفسه بطريقة جمع فيها الأئمة عليهم السلام بين أمرين مهمين، هما تسديد شيعتهم وتقويمهم وما في أيديهم من روايات، وبين سلامة الشيعة ومعتقدهم، ابتعادا عن تداخل الظالمين وبدعهم وجرائمهم في الدين والدنيا. فأين هذا المنهج من ذاك المنهج الحشوى؟

الشيعة أصحاب تأليف وتوثيق تختلف طريقتهم عن طريقة حزب معاوية قائد أحد وبدر والداعية الرسمي الى نار جهنم ، فالكافي يظن السطحى انه كتاب تأليف وهو معنن بينما هو ليس كتاب تحديث وإن كان موضوعه الحديث، وإنما كتاب توثيق لكتب سبقته بطريقة العرض وموضوعها الحديث، والعننة فيه بهذا السبب، فانه توثيق لكل رواية وردت في كتاب شيخ من شيوخه قرأه عليه، وهذه هي الإجازة عندنا أي إجازة استنساخ موثقة بطريقة علمية دينية أوجدها وأصّلها رسول الله وسميت بالعرضة وهي نفسها مع اختلاف المصطلح، فالجعفرية تعامل التراث بما نعامل معه القرآن في الغالب،

والكافي عبارة عن توزيع عشرات الكتب الصغيرة في كتاب كبير، وليس كما تعتقدون أنه كتاب تحديث ونقل روايات، والعنعنة فيه تعني اتصال الرواية بكتاب إلى المعصوم ولكن مصداقية الحديث منوطة بأمور غير كونها مذكورة في كتب مسندة، لأنها محكومة بطرق معينة يحددها التكليف الواقعي والظاهري وليس مجرد كون الرواية عن ثقة أو غير ثقة ، فالمنهج مختلف تماما، ولهذا فإنه لا اعتبار لزمن الكليني في حديثنا باعتبار أنه أوعز للكتب السابقة بطريقة العرضة، فالحديث نرجع بتاريخه إلى زمن أول كتاب.
فكل ما حدث به الكليني إنما هو نقل عن كتب قبل ولادة المهدي عليه السلام بمآت السنين و لم ينقطع عند الامامية التأليف منذ زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأصول عندهم متسلسلة من زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكتّابها معروفون.

ان أي امة قبلت أن يكون في تاريخها فجوة للمنقولات الشفوية وقع عندها الضياع والتيه عن طريق الحق ، وهذا ما حدث للكثير من الديانات البائدة ولدين اليهود والنصارى وللمذاهب السلطانية التي تسمى الان كذبا باهل السنة الذين هم كوكتيل غير متجانس من المذاهب والديانات المتداخلة ، وكلما حاصرنا اهل ملة باطلة على توثيق تراثهم يعترفون بان الفجوة الموجودة هي فترة التعاليم الشفوية من اجل التخلص من المشكلة بينما هي اثبات لجوهر المشكلة بالتمام ، فكل هذه الامم لا تستطيع ان تدعي سد الفجوة مطلقا بينما طريقة الاسلام المحمدي العلوي هو التدوين والتدقيق والعرض على المعصوم للتأييد .

وهذا للاسف لا يعييره بعض كتاب الشيعة اهمية لانهم لا يفهمون خطورة الموضوع لهم وعلى مخالفيهم ولا يعرفون اهمية التوثيق في ثبات الديانة ولم يقع لمذهب او ديانة ما وقع للشيعة الامامية الاثنى عشرية من اصرار على التدوين والتوثيق المكتوب . وهذا بحث جليل مهم جدا .

نحن نقول ونؤكد القول: بأن أحاديثنا قابلة للاجتهاد. ومن أظلم ممن يقول إن كل الحديث صحيح كاشف عن السنة ومراد الشريعة، كما فعل أنصار السلاطين الفجار بادعائهم الصحيح وكتابته.

ثانيًا: إن اجتهاد أي مجتهد في السند لا يلزم مجتهدًا آخر. فحتى اجتهاد صاحب الكتاب لا يلزم بقية المجتهدين، فإن الكليني والصدوق (رحمهما الله) نصّا على كتابهما بصحة الإسناد، بل قال الصدوق: إنه مما يتعبد بهذه الأحاديث بينه وبين الله. والطوسي أخبر أنه نقى الأحاديث تنقية دقيقة.
وهذه كلها اجتهادات من أصحابها لا تلزم المجتهدين.

ثالثًا: هناك مبان عند الفقيه يجب أن يحققها قبل الدخول للحكم على الصحة. وبعد تحقيق المباني يبدأ بفرز الأحاديث وفق مبانيه هو. فيجب أن يحدد حجية الظن وحجية خبر الواحد وأساليب إثبات الصدور. واختيار الطرق المعروفة بتصحيح خبر الثقة أو وثاقة الصدور. وهل الشهادة بالوثاقة على نحو البينة؟ أم يجوز الاجتهاد واعتماد القرائن؟. وهكذا إلى عشرات المباحث الفقهية والأصولية الفرعية التي تحدد معايير التصحيح.

فلهذا ترى بعضهم يرى أن كل ما في الكافي صحيح كالاخباريين وغيرهم، وبالمقابل نجد من يقول إن كل ما في كتب الأحاديث ظني الصدور؛ لأن خبر الثقة ظني الصحة وليس قطعيًا. فلهذا يجري قاعدة منجزية العلم الإجمالي؛ لوجود علم إجمالي قطعي بصدور أحكام من المعصوم في هذا الكم من الأحاديث فيجري عليها قواعد التعارض كما ذهب السيد محمد الروحاني رحمه الله من المعاصرين، وكما ذهب السيد حيدر الاملي من الاخباريين السابقين…

​الضعف لا يدل على نفي الصدور فهذا مجازفة وتقوّل على المعصوم لا يفعله إلا من لا دين له ولا تمنعه التقوى من الافتئات على المعصوم، وهكذا صنع اليهود والنصارى الذين كذبوا على الانبياء.
​​​​​​
الشيخ المنار حفظه الله.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here