ديما قندلفت: عشت «رانيا عمران» من ألفها إلى يائها

نجمة «الهيبة الرد» قالت لـ«الشرق الأوسط» إنها تحزن لفراق شخصيات تجسدها

بيروت: فيفيان حداد

تطل الممثلة السورية ديما قندلفت في الجزء الرابع من مسلسل «الهيبة» مجسِّدة دور «رانيا عمران» المغلّف بالغموض. استطاعت قندلفت منذ الحلقات الأولى أن تشدّ المشاهد بأداء يجمع بين لغة الجسد والاحتراف. صحيح أن مساحة الكلام المخصصة لها في نصّ محبوك ومركّز كانت قليلة، إلا أنها لم تمر مرور الكرام أمام متابعها. فهي ولّدت لديه حالة فنية تمثيلية لا تشبه غيرها. فشغلت تفكيره وجذبت نظره ليتسمر أمام الشاشة محللاً ملامح وجهها وحركة جسدها وكلامها الأقرب إلى الصمت منه إلى الحوار.

وتقول قندلفت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أدرك تماماً أنّ شخصية (رانيا عمران) التي ألعبها تحتاج إلى جهد مضاعف مني، ليس لأنّها بمثابة كاراكتر صعب، أبداً، بل لأنّها صامتة أكثر مما هي حكواتية أو روائية. وفي هذا النوع من الشخصيات المطلوب من الممثل إيصال كل أحاسيسه وأفكاره ضمن أداء مختلف. فالنص تطلّب عدم وجود ممثل مساعد يفتح لرانيا الباب للبوح والتعبير عمّا تحسّ وتشعر به. فلا صديقة أو أخت أو أم وما إلى هنالك من مرجعية تفضفض لها، وهو ما صعّب عليّ المهمة».

توصل قندلفت خلطة من المشاعر إلى المشاهد نتيجة تخزينها كمّا لا يستهان به من تجاربها الطويلة في عالم الدراما. فلجأت إلى لغة جسد برزت في مختلف مشاهدها رافقتها في مشيتها ونظرتها وابتسامتها وغيرها. فمشاعر الغضب والحب والحقد والرومانسية كما الندم مدّت بها المشاهد بذكاء البارع في ملعبه، كي يفهمها ويستوعب سلوكها من خلالها. وتعلّق نجمة «الهيبة الردّ»: «كان للمهمة أن تكون أسهل لو وجدت شخصية مساندة لي في العمل. ولكن هذا ما جذبني في النص عندما قرأته، فكنت أمام تحدٍّ أحببت خوضه. فتخيلت شخصية (رانيا عمران) وعشتها من ألفها إلى يائها. عملياً هي امرأة مخادعة دخلت ملعباً واسعاً معتمدة الاحتيال، فغاب الصدق إلى حدّ كبير عنها. جزء من الحقيقة اعترفت به على الملأ. فهي عانت بعد مقتل والدها، خال جبل شيخ الجبل. فكان لا بد من الاعتماد على لغة جسد لإبراز حقيقة مشاعرها الدفينة من خلال ردود فعلها. هذا الأمر صعّب المهمة بالتأكيد ولكنّه جمّلها وجعل لعبة التمثيل أكثر متعة».

في حياتها العادية تحب قندلفت الحوار والأحاديث، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالدراما فالأمر يختلف. «صحيح أنّني من محبي الصمت في الدراما خصوصاً إذا ما كان يأتي مكمّلاً للنص المكتوب. فهناك نصوص تعتمد على الحوارات خصوصاً في المسلسلات التاريخية والروائية». ولكن هناك نخبة من الناس فقط تستطيع استيعاب الصمت الدرامي؟ «الجمهور بمختلف شرائحه يملك حسّاً لا يستهان به، ويملك رادارات قوية تجاه العاطفة والأحاسيس. يمكن ألا يتلقف المشاهد معلومة معينة من خلال مشهد يغلب عليه الصمت، ولكن ضمن أداء دور إنساني يتراوح بين الحب واليأس والاستسلام والقلق. وفي الحقيقة لفتتني دقة الناس بمتابعة ردود فعل (رانيا عمران)، إذ يفسرون سلوكها بوضوح. وهذا أمر يسعدني جداً وأستمتع بملامسته المشاهد له، لأني بذلك أكون أنجزت مهمتي على أكمل وجه. أنا من مؤيدي مقولة إن (العبارة التي لا تضيف، فالأفضل استبدال ردّ فعل بها)، فأحياناً يكون لا داعي للكلام في الدراما، وهو ما حققته في دوري في (الهيبة الرد)، وبرأيي على الممثل أن يتقن لغة الجسد لتواكب أداءه لأنّها واحدة من أدواته الرئيسية، انطلاقاً من نبرة صوته ونظراته وألوان ثيابه، وكل ما هناك من أدوات تكمل شخصية معينة».

وعمّا إذا استعانت بمدرب تمثيل في أدائها، وهو ما بات معظم شركات الإنتاج تدرجه على لائحة فريق عملها تقول: «لم أحتج إليه، ولكنّي لست ضد وجوده ليواكب الممثل ويكون عينه الخارجية. وأحياناً كثيرة يخدم الممثل في لحظات يفتقد هذا الأخير مزاجه المطلوب بسبب ظروف خاصة يمر بها. عادةً أدرس الشخصيات التي ألعبها بحذافيرها وأقوم بوظيفتي على أكمل وجه. وعندما أبدأ بتصويرها لا أجد صعوبة في تأديتها لأنّها تكون قد سكنتني وذبت بتفاصيلها. حتى إنني أحياناً كثيرة أرتجل كلاماً في حواراتي، لأنّ الشّخصية تصبح في كياني وأي شيء يصدر عنها يكون نابعاً من قلبي».

وصل مسلسل «الهيبة الردّ» إلى خواتيمه، فماذا ينتظرنا؟ وما سيكون مصير «رانيا عمران»؟ ترد: «النهاية ستكون عادلة ومحقة فيها الكثير من الحقيقة. فالصراعات التي تجاذبت (رانيا عمران) منذ البداية ستبدأ بالخمود سيما أنّ خياراتها قلّت، واقتربت أكثر من حقيقتها وصدقها».

تعشق قندلفت الشخصيات التي تمثّلها حتى إنّها أحياناً تحزن إذا ما وصل إليها ردّ فعل سلبي عن شخصية شريرة مثلاً تلعبها. وتقول: «أحد الذين التقيتهم من مُشاهدي المسلسل عبّر لي عن كرهه لشخصية (رانيا عمران) لأنها تُسيء إلى عائلتها وتحقد عليها. فلم أتقبل الأمر لأنّي شعرت أن رأيه بمثابة هجوم عليها، هي التي أحببتها ووجدت مبررات لسلوكها. شخصيات كثيرة أغرمت بها وغالباً في آخر أيام التصوير أستصعب وداعها وفراقها. وعندما أخلع أزياءها وإكسسواراتها وأضعها جانباً، أشعر كأني أودّع شخصاً قريباً مني لن أعاود رؤيته مرة أخرى. وهو شعور مرير لا أحبه. هناك دور (رباب) بمسلسل (المهلّب) وشخصية (وصال) في (فوضى)، كلّها أسأل عنها أحياناً بيني وبين نفسي، لأنّ في الحياة هناك من يشبهها. فأتساءل عن مصيرها في الواقع وكيف تسير أمورها. فأنا دوري عبر الشاشة يكون قد انتهى. أمّا هي فلا تزال تعيش مآسيها ومعاناتها في مكان ما».

لعبت قندلفت أدواراً مختلفة من بينها دور الأم، فهل تخاف من العمر؟ ترد: «على الصعيد الشخصي نعم أخاف من التقدم في العمر. ولكن على الصعيد المهني الأمر لا يشغلني أبداً. فهناك نجمات تمثيل عرب أمثال السيدة منى واصف وأجانب أمثال ميريل ستريب، ما زلن يزودننا حتى اليوم بالنجاح تلو الآخر. ولكن كامرأة يقلقني هذا الموضوع. يجب أن أعمل على اتجاهين، اتجاه نحو قبولي التقدم في العمر واتجاه ثانٍ يسمح لي بأن أتصالح مع الأمر من خلال إمكانية إجرائي بعض التحسينات على شكلي الخارجي».

تعدّ قندلفت من الممثلات اللاتي عايشن الدراما الحديثة، وما قبلها فهل هناك ما يلفتها على الساحة بين الحقبتين؟ «أشعر بشكل عام بأنّ الظروف القاسية التي تمر بها المنطقة، تنعكس علينا سلباً. بالتالي ينسحب هذا الأمر على مجتمعاتنا وواقعنا وأخلاقنا وأشياء أخرى. فهذه المعاناة نعيشها منذ سنوات طويلة، وتؤكّد بالتالي أنّنا لا نشهد اليوم العصر الذهبي للدراما العربية. ولكن من ناحية ثانية ألمح بقعة ضوء آتية من دول الخليج وفي مقدمها السعودية. فهناك انفتاح وتقدم فني لافت للنظر تطالعنا به حالياً. وبرأيي هذا الأمر سيشكل باباً إيجابياً، ويتيح الفرص لتلوين الساحة. فيكون بمثابة منارة ثقافية جديدة يفتح مجالات واسعة، تترك أثرها على دول المنطقة كافة».

تصف قندلفت نفسها بالمتابعة السيئة للتلفزيون بشكل عام. حتى إنّها لا تبذل جهداً كبيراً لمشاهدة أعمالها إلّا في حالات قليلة من أجل تقييم أدائها وتصويبها له من باب الاحتراف. وعن الممثلين اللبنانيين تقول: «نحن كسوريين متابعين بشكل كبير للفنان اللبناني ومعجبون به. وكذلك طبعت ذاكرتنا أسماء نجوم تمثيل كثر من لبنان. ولكن عجلة الفن اليوم تمشي ببطء، وجميعنا تأثرنا بضيق الخيارات والإنتاجات، لذلك أتفاءل ببقعة الضوء التي حدّثتك عنها، علّها تولّد خلطات إنتاجية تجمع تحت جناحها الفنان السوري واللبناني والخليجي وتعوّض لنا الوقت الذي سُرق منا وأخّر في تطورنا. فالممثل اللبناني لم يقصّر بحق نفسه، ولكن قلة الإنتاجات أسهمت في تأخر انتشاره، وبالنتيجة لا يمكننا أن نخاف عليه بتاتاً».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here