مالفرق بين عقل الأنسان وعقل الحيوان ؟

مالفرق بين عقل الأنسان وعقل الحيوان ؟ * د. رضا العطار

حين نميز بين القوى (العقلية) بين الحيوانات مثل القرد والسلحفاة والسمكة والنملة والأسفنج، نلاحظ ان المقارنة بينها تكاد تكون شبه مستحيلة. بل ان من الخطأ ان نقول ان للأسفنج عقلا. اذ ليس له دماغ. ولكننا نجد فيه بداية الجهاز العصبي والاحساس.
فلو غرزنا ابرة في جسم الاسفنج، انكمش بعد عشرة دقائق. معنى هذا ان الاحساس الذي يسير في الانسان بسرعة 255 ميلا في الساعة، يسير في جسم الاسفنج بسرعة ثلاثة اميال فقط.

عندما ظهر الاسفنج على الارض، كانت الطبيعة مبتدئة وبطيئة في خلق الاحياء، فلما وصلت الى الانسان بعد نحو 600 مليون سنة، استطاعت ان تصنعها بوتيرة اسرع.
والاسفنج من احط انواع الحيوان ليست له عين او اذن او انف. ولذلك لا تصلح المقارنة بيننا وبينه ولكن المقارنة بين الانسان والقرد الشمبنزي ممكنة، تنهض على اساس منطقي.

فنحن و الحيوان منحدرين من ارومة واحدة، ولنا غرائز كغرائزه، لكننا نضبطها بالعقل واحيانا لا نضبطها. بينما هو لا يمتلك هذه المقدرة. وامتيازنا على جميع الحيوانات هو الدماغ الكبير الذي يستطيع ضبط عواطفنا اكثر مما يستطيعه الحيوان. وليس معنى هذا انه ليس للحيوان الراقي دماغ، انما معناه ان دماغنا اكبر، ثم انه مهيأ للتفكير والابداع الذي لا يوجد في بقية المخلوقات. اذن فالفارق بيننا في الدرجة وليس في النوع.

ويمكن القول على وجه العموم ان احط الحيوان كالاسفنج يقتصر نشاطه العصبي على الرجع الانعكاسي والموجود عند الانسان، فانه يغمض العينين عندما يتعرض لنور ساطع. واذا ارتقى هذا الحس عند الحيوان صارغريزة. لذلك نراه يقاتل عندما يغضب او يهرب عندما يخاف. لكن عند الانسان ترتقي الغريزة الى العاطفة التي – قليلا او كثيرا – تبقى تحت سيطرة العقل.

اذن فضبط العاطفة يعود الى سيطرة العقل، اي الى تلك الوقفة التي لا نستسلم خلالها لعاطفة الغضب، فلا نندفع الى ضرب الخصم بل نقف ونتأمل، وندري اننا واقفون متأملون، نفكر في الخطة المثلى التي يقتضيها الظرف. اي ان العقل يؤدي الى التفكير الذكي، بل هو التفكير الذكي بعينه.
وكثير من نشاطنا العصبي يرجع الى ردود انعكاسية: كتحرك اللعاب عند رؤية الطعام، وكذلك في حالات الفرح والحزن والاستياء او الاشمئزاز. والقليل من نشاطنا العصبي عقلاني حين نحاول حل مشكلة فنزن عدة اعتبارات، وقد نصل الى قرار موضوعي. كالشاب حينما يحس بعاطفة قوية تجاه فتاة، ثم يفكر في الزواج منها، لكنه ينتهي الى الاحجام لأعتبارات اجتماعية واقتصادية.

وبالطبع هناك اعتبارات اخرى جعلت الانسان يمتاز عن الحيوان بالرقي العقلي، منها مثلا اننا اعتمدنا على النظر دون الشم في التعرف الى الاشياء وتفكيرنا هوعقل الرؤية حتى اننا نقول – يرى رأيا – كما لو كنا نقول – يفكر تفكيرا – فنحن نعرف الشيء بالعين المجردة، في حين ان معظم الاحياء تعرفها عن طريق الشم. والرؤية تجعلنا نفهم الدنيا فهما موضوعيا صحيحا منفصلا من العواطف. بينما هي عند الكلب عبارة عن مجموعة انعكاسات عصبية، متركزة في فمه وفي انفه.

ان العين عندنا ترسم لنا خارطة للدنيا، تكاد تكون صحيحة، في حين ان الانف والفم عند الكلب لا ترسم له خارطة صحيحة، ومن هنا جائت كلماتنا في معاني التفكير:
الرأي والنظر والتطلع والاستطلاع والرؤيا والرؤية والرويّة والتبصّر والتشوق.
فهذه كلها تدل على العين. ونستطيع ان نزيد في المقارنة ونقول مثلا ان تعقل الحيوان حسي وتعقلنا تصوري. هو يسلك بمقتضى احساسه فقط ونحن نسلك بمقتضى تصورنا وتخيلنا. وهذا كلام عام. لأن كثيرا من الحيوانات العليا تتصور وتتخيل لكن دون درجتنا بكثير.
واللغة عندنا تجعل من التعقل تخيليا تصوريا، لكن الحيوان محروم منه فلا يجد من نجد من رسم الصور في اذهاننا والتفاهم بالكلمات عن الاشياء حين تنتقل الصور وتتغير الاخيلة في اذهاننا بالحديث.
.
اما من ناحية النظرة التطورية. فإن النشاط العصبي عند الحيوان هو الرجع الانعكاسي. وهذا هو برهان انحطاطه، اننا نحس هذا الرجع عند وخز القدم، فإن حركة القدم عندنا لحظة الوخز يقابله عند الحيوان لحظة قطع رأسه. لأن مركز الاحساس عنده هو الحبل الشوكي الكائن وسط العمود الفقري وليس المخ. و اعلى من الرجع الانعكاسي هي العاطفة اي الرجع الغريزي. واعلى من الغريزة هي العاطفة التي تؤدي الى التفكير اي العقل. اذن فان اقدم الاحياء البدائية الاولى تتمثل في الاسفنج بينما اكثر الاحياء المتطورة، تتمثل في الانسان.

* مقتبس* من كتاب عقلي وعقلك، لسلامه موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here