هل عرف سعد بن عبدالله الائمة الإثني عشر ؟

 الدكتور مروان خليفات
بحث فيه فوائد جليلة .
في مقال لي حول سعد الأشعري القمي ( توفي اواخر القرن الثالث) ذكرت ما قاله ص 105 ( كتابا المقالات والفرق ) : ( وقد رويت الأخبار الكثيرة الصحيحة : أن القائم تخفى على الناس ولادته، ويخمل ذكره ، ولا يعرف اسمه ولا يعلم مكانه حتى يظهر ويؤتم به قبل قيامه، ولا بد من هذ الذي ذكرناه ووصفنا استتاره وخفائه من أن يعلم أمره ، وثقاته وثقات أبيه وإن قلوا ) انتهى.
فشنع أحد الناقدين، فقال متسرعا : ( هذا الكتاب للأشعري لو قلبه الباحث ظهرا وبطنا لما وقف على معرفة له بأن هناك نص على اثني عشر إماما بأسمائهم أو اعدادهم ، وهذا يفند دعوى وجود النص على الاثني عشر في زمن ما قبل الغيبة )
وقلت في الجواب  في التعقيبات :  هذا الكتاب يترجم لفرق الشيعة، لا أنه يتكلم عن الامامة والنص وخبر الاثني عشر !! ولم يفرد مصنفه بحثا خاصا في كتابه ليبين أدلة الإمامية، فكلام المستشكل غريب وإنما وظفه ليطعن بالنص على الاثني عشر والامامية، وهو ليس موضوع مقالي، وكأن المستشكل قد حاز على كتب سعد بن عبدالله  فقرأها وخرج بنتيجته تلك بالرغم من فقدان كل كتبه ما عدا واحد وهو المقالات والفرق .
لكن من حسن حظنا أن والد الشيخ الصدوق ( ت 329هـ)  وهو تلميذ سعد نقل نصا عنه بل أكثر من نص في ذكر الحجج الإثني عشر !!
قال الشيخ الثقة علي بن بابوية القمي في ( الإمامة والتبصرة)  ص ١٥٠
والحديث صحيح السند : ( سعد بن عبد الله قال : حدثنا يعقوب بن يزيد ، عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان ، عن أبان بن تغلب ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله ، فإذا الحسين بن علي على فخذه ، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ، ويقول : أنت سيد ابن سيد ، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة ، أنت حجة الله ابن حجته ، وأبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم )
وهذا النص نقله الشيخ الصدوق عن أبيه بنفس سنده المتقدم، فانظر :
الخصال، الشيخ الصدوق، ص ٤٨٩
كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص ٢٩٢
لكن أين الاسماء ؟ فهي ذكرت العدد فقط .
روي الشيخ علي بن بابويه تلميذ سعد : ( سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، ومحمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس ، جميعا قالوا : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، قال : حدثنا أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، عن أبي جعفر الثاني محمد بن علي عليهما السلام قال : أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ذات يوم ومعه الحسن بن علي وسلمان الفارسي رضي الله عنه ، وأمير المؤمنين متكئ على يد سلمان ، فدخل المسجد الحرام فجلس ، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس ، فسلم على أمير المؤمنين عليه السلام فرد عليه السلام فجلس ، ثم قال : يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث … فالتفت أمير المؤمنين إلى أبي محمد الحسن فقال : يا با محمد أجبه …
فقال الرجل : أشهد أن لا إله إلا الله ، ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أن محمدا
رسول الله ، ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته بعده – وأشار بيده إلى أمير المؤمنين عليه السلام – ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنك وصيه والقائم بحجته- وأشار إلى الحسن عليه السلام – وأشهد أن الحسين بن علي وصي أبيك والقائم بحجته بعدك ، وأشهد على علي بن الحسين أنه القائم بأمر الحسين بعده ، وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن الحسين ، وأشهد على جعفر بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي ، وأشهد على موسى بن جعفر أنه القائم بأمر جعفر بن محمد ، وأشهد على علي ابن موسى أنه القائم بأمر موسى بن جعفر ، وأشهد على محمد بن علي أنه القائم بأمر علي بن موسى ، وأشهد على علي بن محمد أنه القائم بأمر محمد بن علي ، وأشهد على الحسن بن علي أنه القائم بأمر علي بن محمد ، وأشهد على رجل من ولد الحسن ابن علي لا يكنى ولا يسمى حتى يظهر أمره فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا…)
تعقيبات مهمة :
ــــ الرواية طويلة اختصرتها لئلا يصاب المتابع بالملل ، ويمكن مراجعتها في المصادر أعلاه.
ـــــــ ابن بابويه لا شك في وثاقته. قال النجاشي : (علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي أبو الحسن ، شيخ القميين في عصره ، ومتقدمهم ، وفقيههم ، وثقتهم )
فهرست اسماء مصنفي الشيعة ( رجال النجاشي )، النجاشي، ص ٢٦٢
والقميون متشددون في التوثيق كما هو معلوم عنهم .
بل إن هذا الرجل وقع في أسانيد المنصور بالله عبدالله بن حمزة ( ت 614هـ)
قال المنصور بالله في الشافي ج2 ص 153 تحت عنونا [حديث الأسباط] : ( ونحن نروي للفقيه – أبقاه الله تعالى – ما أخبرنا … قال: حدثني أبو القاسم علي بن الحسين بن مايويه القمي الفقيه، قال: حدثني عمي أبو جعفر بن مايويه القمي، قال: حدثني…)
فأبو القاسم علي بن الحسين بن مايويه القمي الفقيه هو نفسه الذي روى عن سعد روايتينا هاتين، ويلاحظ أن الزيدية حرفوا اسم بابويه الى مايويه !! لئلا ينتبه منتبه فيقول انهم يروون عن مشايخ الامامية !! والعجيب ان الكتاب قد تم تحققيه على يد الشيخ  مجد الدين المؤيدي ولم يشر لهذا الخطأ !
وهنا قد يقولون إن روايته عنه ليس توثيقا له ولكن احتجاجا بها، وهذا قول ضعيف، فالرواية امامية المصدر مذكورة في كتب الابن الصدوق، فكيف سيحتجون بها مع ايمان الامامية بها ؟! فما الجديد في ذلك ؟!
نحن لا يهمنا إن كان ابن بابويه ثقة عندهم أم لا ، لكن في ايرادنا لهذا المبحث نقض لما قاله المجيب علينا.
ـــــ هذه الرواية التي فيها ذكر لاسماء الأئمة الإثني عشر يرويها ابن بابويه عن سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، ومحمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس وهؤلاء كلهم أعلام ثقات، يروون عن البرقي عن أبي هاشم الجعفري، فالسند صحيح .
ــــــ روى هذه الرواية الشيخ الكليني ( 328هـ) بسند صحيح صححه الشيخ المجلسي، رواها عن البرقي عن أبي هاشم الجعفري . ثم قال الكليني : ( وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الصَّفَّارِ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( البرقي) ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ مِثْلَهُ سَوَاءً. .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى : فَقُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ( الصفار) : يَا أَبَا جَعْفَرٍ ، ودِدْتُ أَنَّ هذَا الْخَبَرَ جَاءَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : فَقَالَ : لَقَدْ حَدَّثَنِي قَبْلَ الْحَيْرَةِ بِعَشْرِ سِنِين ) الكافي ( دار الحديث )، ج ٢، الشيخ الكليني، ص ٦٧٧
وسند الكليني الثاني صحيح أيضا وفيه شهادة أن البرقي ( ت 274هـ) تحدث بها حدود سنة 250هـ، أي قبل الغيبة حيث كانت أسماء الأئمة مروية لدى البرقي اخذا لها عن ابي هاشم الجعفري.
ــــ الرواية نفسها التي رواها ابن بابويه رواها الشيخ الصدوق عن أبيه ابن بابويه بسنده عن سعد …
علل الشرائع، ج ١، الشيخ الصدوق، ص ١٣٤
ثم رواها في موضع آخر عن أبيه وعن محمد بن الحسن بن الوليد عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس… وهؤلاء كلهم فقهاء علماء!
عيون أخبار الرضا ( ع )، ج ١، الشيخ الصدوق، ص ٦٧
فلم ينفرد بها ابن بابويه بل رواها عن سعد  ايضا ابن الوليد ، وهو رجالي ناقد خبير ثقة ، قوله معتمد في الرجال .
ـــــ إن ابن الوليد والبرقي قد وقعا في أسانيد يحيى بن الحسين الهاروني في تيسير المطالب، ويحيى لا يروي الا عن ثقة كما في مقدمة محقق كتابه المذكور.
ــــ فسعد بن عبدالله الأشعري كان على علم بالائمة الإثني عشر ع، فقول المشتبه : ( هذا الكتاب للأشعري لو قلبه الباحث ظهرا وبطنا لما وقف على معرفة له بأن هناك نص على اثني عشر إماما بأسمائهم أو اعدادهم ، وهذا يفند دعوى وجود النص على الاثني عشر )
دليل على سطحية في الطرح، وتسرع في الرد ، مما أوقعه في هذا التخبط الفضيع .
ـــ تدل الرواية الصحيحة على أن مجموعة من كبار الطائفة كانوا على علم بأسماء الأئمة : وهؤلاء كما في الرواية :
ـــ البرقي الذي أودعها كتابه ورواها سنة 250هـ  قبل أن يكتمل عدد الأئمة عليهم السلام .
ـــ  أبو هاشم الجعفري وقد افردت له منشورا سابقا حول اعتقاده بالثاني عشر اعتمادا على روايات صحيحة .
ــ دلت الرواية الأولى على معرفة ابان بن تغلب بعدد الأئمة ع وأنهم من صلب الحسين ع، وقد وقفتُ سابقا على رواية صحيحة السند إلى ابان بن تغلب تدل على معرفته باسماء الأئمة ع، قد أفرد لها منشورا مستقبلا اذا وقفت عليها .
ـــ من يشكك فيما اوردته فهو وشكه، فإنني أكتب للعقلاء الباحثين عشاق المعرفة، فمن شاء فليؤمن !
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here