ما أشبه القصة بحالنا اليوم.. اقمع.. اقمع .. اقمع..

د.كرار حيدر الموسوي

ما أشبه القصة بحالنا اليوم.. اقمع.. اقمع .. اقمع.. إلى أن نمل ونستجيب ونرضى بالواقع المر الذي فرضه علينا.. العواهر.. داخلياً وخارجياً .. ولا ننسى من ورائهم الصهيونية العالمية التي غايتها تطويع الشعوب.. بحيث يجعلونا ان نرى الموت حتى ترضى بالصخونة.. والصخونة هي تبعية العراق واهله وتكريس موارده إلى صالحها.. وهم قد طبخوا الطبخة على نار هادئة وباتقان بحيث لم يخسروا ولا جندي واحد .. وحاربونا .. بعواهرنا وقد نجحوا.. والشعب اغلبه كل همه فرجه وكيف يرضي غرائزه وجيبه وكيف يستطيع أن يلذذ بالحياة المتاحة .. اما الشريف تراه اما في القبور او السجون او مهجر بالخارج او مغلوب على أمره بدون دعم دولي.. حسبنا الله ونعم الوكيل………
[: لو لم تكن قد قرأت قصة ( وادي العميان )
فإنني أرجو أن تفسح لي صدرك قليلا ..
كُتِبَت هذه القصة عام ١٩٠٤ للكاتب هـ . ج . ويلز وتحكي عن مجموعة من المهاجرين من بيرو فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض.
انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعا بالعمي وقد فسروا ذلك بانتشار الخطايا بينهم هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لكنهم ورثوا أبناءهم العمي جيلا بعد جيل
هنا يظهر بطل قصتنا ..( نيونز ) إنه مستكشف وخبير في تسلق الجبال تسلق جبال الانديز مع مجموعة من البريطانيين وفي الليل انزلقت قدمه فسقط من أعلي .. سقط مسافة شاسعة بحيث لم يعودوا يرون الوادي الذي سقط فيه ولم يعرفوا أنه وادي العميان الأسطوري لكن الرجل لم يمت .. لقد سقط فوق وسادة ثلجية حفظت حياته وعندما بدأ المشي علي قدمين متألمتين رأي البيوت التي تملأ الوادي . لاحظ أن ألوانها فاقعة متعددة بشكل غريب ولم تكن لها نوافذ .. هنا خطر له أن من بني هذه البيوت أعمي كخفاش
راح يصرخ وينادي الناس لكنهم لم ينظروا نحوه .. هنا تأكد من أنهم عميان فعلا … إذن هذا هو بلد العميان الذي كان يسمع عنه وتذكر المقولة الشهيرة : ـ ‘ في بلد العميان يصير الأعور ملكا ‘ وهو ما يشبه قولنا ( أعرج في حارة المكسحين ). راح يشرح لهم من أين جاء .. جاء من بوجاتا حيث يبصر الناس .. هنا ظهرت مشكلة . ما معني ( يبصر ) ؟؟ راحوا يتحسسون وجهه ويغرسون أصابعهم في عينه .. بدت لهم عضوا غريبا جدا . ولما تعثر أثناء المشي قدروا أنه ليس علي ما يرام .. حواسه ضعيفة ويقول أشياء غريبة
يأخذونه لكبيرهم .. هنا يدرك أنهم يعيشون حياتهم في ظلام دامس وبالتالي هو أكثر شخص ضعيف في هذا المجتمع . لقد مر علي العميان خمسة عشر جيلا وبالتالي صار عالمنا هو الأقرب إلي الأساطير عرف فلسفتهم العجيبة .. هناك ملائكة تسمعها لكن لا تقدر علي لمسها ( يتكلمون عن الطيور طبعا ) والزمن يتكون من جزءين : بارد ودافئ ( المعادل الحسي لليل والنهار ).. ينام المرء في الدافئ ويعمل في البارد
لم يكن لدي ( نيونز ) شك في أنه بلغ المكان الذي سيكون فيه ملكا .. سيسود هؤلاء القوم بسهولة تامة لكن الأمر ظل صعبا .. إنهم يعرفون كل شيء بآذانهم .. يعرفون متي مشي علي العشب أو الصخور . كانوا كذلك يستعملون أنوفهم ببراعة تامة
راح يحكي لهم عن جمال الجبال والغروب والشمس .. هم يصغون له باسمين ولا يصدقون حرفا . قرر أن يريهم أهمية البصر .. رأي المدعو بدرو قادما من بعيد فقال لهم :
” بدرو سيكون هنا حالا .. أنتم لا تسمعونه ولا تشمون رائحته لكني أراه ”
بدا عليهم الشك وراحوا ينتظرون . هنا لسبب ما قرر بدرو أن يغير مساره ويبتعد !.
راح يحكي لهم ما يحدث أمام المنازل لكنهم طلبوا منه أن يحكي لهم ما يحدث بداخلها .. ألست تزعم أن البصر مهم
حاول الهرب لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المخيفة .. كانوا يصغون ويتشممون الهواء ويغلقون دائرة من حوله . لو ضرب عددا منهم لاعترفوا بقوته لكن لابد أن ينام بعد هذا وعندها سوف
هكذا بعد الفرار ليوم كامل في البرد والجوع وجد نفسه يعود لهم ويعتذر وقال لهم : ـ ‘ أعترف بأنني غير ناضج .. لا يوجد شيء اسمه البصر .. ‘
كانوا طيبي القلب وصفحوا عنه بسرعة فقط قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال . وفي هذا الوقت بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة لكن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد بلا منحنيات ناعمة وصوتها عال وأهدابها طويلة … أي انها تخالف فكرتهم عن الجمال . لما طلب يدها لم يقبل أبوها لأنهم كانوا يعتبرونه أقل من مستوي البشر .. نوعا من المجاذيب .. لكن الفتاة كانت تميل لنيونز فعلا . ووجد الأب نفسه في مشكلة لذا طلب رأي الحكماء كان رأي الحكماء قاطعا ..
الفتي عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما ( العينين ). جفناه يتحركان وعليهما أهداب .. وهذا العضو المريض قد أتلف مخه . لابد من إزالة هذا العضو الغريب ليسترد الفتي عقله . بالتالي يمكنه أن يتزوج الفتاة بالطبع ملأ الفتي الدنيا صراخا .. لن يضحي بعينيه بأي ثمن . بعد قليل ارتمت الفتاة علي صدره وبكت وهمست : ليتك تقبل .. ليتك تقبل ..!
هكذا صار العمي شرطا ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط ليصير مواطنا كاملا . وقد قبل نيونز أخيرا وبدأ آخر أيامه مع حاسة البصر .. خرج ليري العالم للمرة الأخيرة هنا رأي الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر . أدرك أن حياته هنا لطخة آثمة .. الأنهار والغابات والأزرق في السماء والنجوم .. كيف يفقد هذا كله من أجل فتاة .. كيف ولماذا أقنعوه أن البصر شيء لا قيمة له برغم أن هذا خطأ
اتجه إلي حاجز الجبال حيث توجد مدخنة حجرية تتجه لأعلي .. وقرر أن يتسلق عندما غربت الشمس كان بعيدا جدا عن بلد العميان .. نزفت كفاه وتمزقت ثيابه لكنه كان يبتسم .. رفع عينيه وراح يرمق النجوم .
انتهت قصة بلد العميان
هناك لحظة تدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك وفي لحظة كهذه يصير القابض علي المنطق والصواب كالقابض علي الجمر . تشعر بالغربة والاختلاف ولربما يعتبرونك مجنونا أو علي شيء من العته .. الأدهي أن لديك فضائل لكنهم لا يرون فيها أي قيمة . بعد قليل تأتي اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلي عن عينيك لتصير كالآخرين . هذه اللحظة آتية ولا ريب فلا تشك فيها .. لكن لو كنت محظوظا لرأيت الفجر وقتها وعرفت فداحة ما ستفقده!!!!
– فهل نحن في بلد العميان ،هل نتخلى عن أمل الإصلاح، اعتقد ان الإرادة موجودة على رغم طول المسافة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here