كورونا .. والعراق

كورونا .. والعراق
 
يُخيل إليَّ إن قادة العراق في واد والعالم كله في واد أخر ، فمنذ إجتياح العالم هذا الوباء لم أجد  لدى زعامات العراقيين  ذلك العزم وتلك الثقافة التي بها يتصدون  وبها يحاولون  التقليل من التبعات والآثار  البغيضة لهذا الوباء اللعين  .
إن الزعامات التي أبتلي بها  العراق في هذا الزمن التعيس ليس في وارد حساباتهم ،  تنبيه  الشعب  أو تثقيفه  وإشراكه فيما يجب وفيما  لا يجب    ،  بإعتبار إن هذا الوباء هو أخطر قضية تواجه الأمم والشعوب  في أيامنا المعاصرة  ،  وعلى العكس من ذلك   نرى قادة الدول المتحضرة  مع شعوبها   تحاول المرة تلو الأخرى في صنع ما يمكنه الدفاع  والحماية من  هذا الوباء اللعين .
  صحيح  إن جميع الإجراءات الوقائية  والدوائية  والعلاجية  مكلفة  مادياً ومعنوياً  ،  لكن ذلك  لدى  رعاة الشعوب المتحضرة  دافعاً  قوياً  في خلق الأجواء التي من شأنها التقليل  والحد  ما أمكن من خطورة وتبعات ذلك ، لكن السادة المسؤوليين في بلادي  الضائعة في وحل الطائفية والخرافة والظلال  والدجل  ،   منهمكين جميعاً   في الحديث عن الإنتخابات وعن  التكتلات وعمن سيكون على رأس الحكومة .
متناسين عن عمد ما  سيؤول إليه المصير في السنة المقبلة من تردي إقتصادي  ومالي هائل  وكبير  ،  والذي  ستكون وطأته  شديدة  على الشعب وعلى الدولة  ، بل أشد مما يتصور العبثيين والفاسدين وأهل المصالح الضيقة ،  نعم  ستكون النتائج كارثية  في كل مناحي الحياة  وسيترحم الناس على سنة 2020   لما ستكون عليه  سنة 2021   ، وإذا كانت النذر بدأت مع  قطع الرواتب   عن الموظفين والعاملين   ،  وهاهي  تتبعها  بالزيادة المضطردة في سعر صرف الدولار في السوق العراقية ،  ومن غير المبالغة   إن هناك أشياءا  وأشياء  ستحدث   و ستدمر ما بقي من الهياكل العظيمة للعراق الذي كان .
ولقد تحدث غير واحد من  الخبراء  الدوليين  من خطورة الوضع وما يمكن ان يُصار إليه ، ولكننا  لا   نجد  في العراق  أذن تعي  أو  تسمع لذلك  ،   بل  ما يصدر  من  هناك   مجرد  عبث  وفوضى  وتخريب ومماطلة وأستقواء  بالغير   ، ونكران للحقوق وتضييع للفرص ونهب لما تبقى من الميزانية التي ضربها إعصار الفتن من أهل الطوائف من المجرمين والإرهابيين والقتلة .
وهذا ليس  من باب الحدس والتخمين  والظن  ،   وإنما هي  حقايق ومعطيات  دلت  عليها  تقارير من هم أهل النظر والمعرفة ، وبأن العالم الذي كان  سيتغير ولن تكون تلك الظروف التي  كانت  قبل  2020 حاضرة بعد اليوم ، وإذا كان العراق  قد ربته   السياسة  الفاشلة  على العيش الريعي   ،  ومن سوء حظه  ذلك   إنه يعتمد في لقمة عيشه على النفط   كسلعة تجارية وإقتصادية في آن معاً  ،  فإن هذه السلعة سوف لن يكون لها ثمن  في قادم السنيين والأيام  ولن يكون لها طلب  كذلك  ،   بعدما تغيرت موازين الطاقة وما يعتمد عليه في المستقبل  ، وهناك إتجاه حثيث  في دول العالم الكبرى  على الإعتماد على الطاقة البديلة والتكنولوجيا الذكية  ، والتي لم يعد  معها  النفط مصدر إلهام   ،  ولعل السنوات المقبلة القليلة ستشهد هذا التحول في ميدان الطاقة وما يعتمد عليه في الأسواق الدولية ، ولهذا تعكف حكومات ومعاهد ومختبرات ولجان عمل متخصصة لهذا التحول الإستراتيجي الهائل .
ومن هنا تبدو الحاجة ماسة للتذكير بذلك وتنبيه أهل المرؤة للتفكير والعمل والحث ، على بذل المزيد من الجهد لكي نتلافى الكثير من المخاطر التي قد تنهي وتدمر العراق للآخر ، فالعراق بحاجة لحسم مسألة الصراع على السلطة  من خلال إيجاد آليات عمل  ثوري  في ذلك ، وعلى من يجد في نفسه الكفاءة فليتقدم لحسم ذلك  الصراع  قبل فوات الأوان ، ولتكن تجربة  الرئيس  عبدالفتاح السيسي مثالاً في ظل هذا الفلتان والفوضى والفساد وإنعدام الضمير والحلول وفشل الديمقراطية  وضياع جهود المخلصين ، وفي ذلك نقول لا مصلحة من الإنتخابات ولا التحضير لها طالما ، إن تجربة الفشل ستعيد إنتاج نفسها بنفس الأشخاص والمسميات والطوائف والبرامج  والخدع    ،  هذا كله وفي ظل التردي في الوضع الأمني والمعاشي والخدمي وهيمنة تجار المال والسلاح المنفلتين ، والخيار   مطروح  للشرفاء  ومن يجد في نفسه  الكفاءة والقدرة   على المبادرة  إلى ذلك  ،  وعدم تضييع الفرص   فهناك من يؤيد ويرغب طالما كان ذلك من أجل المصلحة العامة .
وليس من السهل عندنا أن نوجه إلى ذلك  أو ندعوا له ، ولكن مع إنعدام الحلول وعدم الشعور بالمسؤولية لدى من هم في مراكز السلطة والقرار ، كان لا بد لنا من التنبيه إلى هذا وحسم هذه الفوضى التي خلفت الكثير والكثير من الضيم والخنوع والذل .
ليس من السهل علينا أن ندعوا لإنهاء   وهم  الديمقراطية   التي  صنعت لنا  جيلا  من  المفسدين والقتلة والمجرمين   ، وحولت البلاد إلى مرتع لكل من هب ودب من أرجاس الأرض ،  إن  شعورنا بالواجب والمسؤولية الوطنية والإخلاقية  هو الذي  يحتم علينا  الدعوة لذلك   ،  مع أمل ورجاء  في ان يتغير الحال إلى أحسن منه ،   خاصةً  في ظل  كل الممارسات  الفاشلة  التي  أودت بحياة الوطن والمواطن  .
إن  الدعوة إلى التغيير  المنتظر لا تتم إلاَّ  من خلال  الإيمان بالوحدة الوطنية والهوية والجامعة  وحماية المؤسسات الوطنية  والشعبية ، ولهذا نرى  ان  لا مصلحة  حقيقية في هذه الإنتخابات  ، وعلى المواطن  الغيور  ان لا يبادر إلى بطاقته الإنتخابية ، وليتعض بما حصل له جراء  كل تلك السنيين الماضية  ،  وعليه وبدلاً عن ذلك  المطالبة والإلحاح  بتحقيق الأهداف والقيم   التي راح  ضحيتها  و في سبيلها شهداء وجرحى ومفقودين ، ولا يجب إستحمار الشعب وإلهائه ببعض الشعارات والزيف والخداع والتضليل ، فليس ثمة هناك من به أو يرتجى منه خيرا .
وإذا كان الوباء يفتك بالعراقيين فإن ذلك بسبب هذه الفوضى واللانظام الذي لم يفرق بين ما هو واجب ومطلوب ، في لحظات الإختبار والتمايز إن تأثيرات كورونا ستطال كل بيت عراقي وستنهي آمال الكثير من الشباب والشابات ، طالما بقي الوضع على ما هو عليه  ، وستظل هذه المعادلة خاسرة في ظل هذا الواقع التعيس ..
راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here