الفلسفة التحليلة الحديثة كوتلب فريجه وجورج مور مثالا

بقلم يوجنا بيداويد

تعتبر الفلسفة التحليلية احدى اهم الفلسفات الفلسفات الحديثة والاكثر اهمية من حيث القضيايا التي تناولتها وتحاول معلجتها، على الرغم من ان الفلاسفة استخدموا ادواتها (المنطق والرياضيات واللغة) منذ فجر التاريخ. كان اول ظهور لها في الجدال او النقاش الذي اندلع بين الفلاسفة الاغريق حول تفسير الظواهر والكون والحياة والوجود، حيث كانت البداية عند فلاسفة المدرسة الايونية- المادية ، العالم طاليس صاحب مقولة: ” ان الكل واحد “واستمرت الى اخر صرحات الفكرية الحديثة في الفلسفة الوجودية والظاهراتية والبنيوية، والحداثة وما بعد الحداثة.
ظهرت الفلسفة التحليلية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بعد ان طرح في اوساط الفلاسفة ما يعرف ” المنعطف اللغوي Linguistic Turn ( ). حيث ترافق ظهوررها مع مطالبة الفلاسفة الوضعيين مثل (اوغست كونت) عن ضرورة ايجاد نظام جديد، يوحد العالم في نسق فكري واحد، مبني على البرهان العلمي، بعيدا عن تأويلات او افكار قبلية او تفسير عقلاني. فظهرت فكرة ضرورة ايجاد لغة مثالية عالية، لها مميزات وادوات والقابلية للتعبير عن تطلعات النظام الجديد “الدين الجديد، الدين العلمي”. شارك في تاسيس تيار هذه الفلسفة نخبة من الفلاسفة المهتمين باللغة والرياضيات والمنطق لكن ياتي في مقدمتهم كل من فريجه، وفيتغنشتاين، وروسيل، ومور. سنوجز في هذا العدد افكار الفيلسوفين فريجه ومور.

الفيلسوف الالماني كوتلب فريجة (1848-1925)
يعد فريجه احد اعظم الفلاسفة الكبار بعد فيتاغورس في علم الرياضيات والمنطق. حيث وضع اسس جديدة لعلم الرياضيات بعد ان قام بتنقيتها من الاخطاء القديمة. كما قام بوضع اصول لمنطق جديد يستخدم عوضا عن مقولات ارسطو القديمة في قياس القضايا الفلسفية( ). كما انتقد الفلاسفة وعلماء الرياضيات والمنطق المعاصرين له والذين سبقه على عدم تحسسهم بالعجز الحاصل في التعابير الرياضية، وبسبب عدم اقدامهم على التحليلي المناسب للتصورات الرياضية( )، وعلى اعتماده على نظرية فرنسيس بيكون لقرون التي اعتمدت في برهانها على التجربة. فاعاد صياغة التعبير عن مباديء علم الرياضيات في كتابه “التصورات وأسس علم الحساب والقوانين الأساسية لعلم الحساب”( )، الامر الذي احدث ثورة فكرية اطلق عليه بالانعطاف اللغوي Linguistic Turn””( ).
قام فريجه بإعطاء تعريف جديد للاعداد، فاسس علم الرياضيات التحليلية التي هي اكثر دقة وصلابة( ) حيث كان يقول :” إن إدراكنا للبنية الكاملة للرياضيات ناقص” ثم يستطرد قائلا:” ان الرياضيات ستكون قادرة على دعم مفاهيمها من خلال سلسلة من الاستدلالات كل منها بسيط منطقيا وقاطع تماما”( ).

حسب فريجه، يمكن استنباط اسس علم الرياضيات من المنطق، كما ان الجملة (اللغوية) يمكن تحليلها واخضاعها للمنطق لكشف مدى صدقها او كذبها. فريجه قال:” الرياضيات ليست قضايا او مفاهيم روحية، وانما هو اسلوب او طريقة التفكير الذي نستخدمها في التعبير عن قضاياها”، كأنما يعيد التحليل العقلي الذي استخدمه الفيلسوف عمانوئيل كانط اثناء وضعه لنظرية المعرفة، انها مشابه الى طريقة التعبير في جملة خبرية (صيغة كتابة تقرير).

فريجه يؤكد على استقالية المفهوم من الصيفة التعبيرية المعتمدة على اللغة والتي بدورها تعتمد على وعي المفكر، حيث يقول ان المعنى لا يوجد في راس المُخاطب، او المخاطِب، وانما في مكان آخر( ).
حسب اراء فريجه لايجاد المعنى الحقيقي لاي جملة يجب الاعتماد على سياق الجملة نفسها، يجب ان لا يخرج المعنى من حدودها، بل يجب ان يشتق من اجزائها”. فريجه هو صاحب نظرية التي تقول:” كل عبارة، كل جملة، كل صيغة يجب ان تحتوي على جزئين مهمين، هما المعنى و الاحالة او الدالة”( ).

يطرح فريجه موضوع مهم في المنطق واللغة الا وهو “تماهي الدلالة او الاحالة” ويضرب مثلا ” قصة البؤساء” و”فكتور هيجو” هما كلمات مختلفة المعنى، لكن لهما نفس الدلالة، اي متماهية الدلالة (الاحالة)، فالتماهي يعني “استبدال” الاشياء بغيرها دون ان يحصل اي تغير للحقيقة( )، بكلمة اخرى يتغير معنى الجملة ولكن الاحالة او الدلالة تبقى نفسها. مثال اخر، طلعت نجمة الصبح، طلعت نجمة المساء ، كلا الجملتين تشيران الى نفس الدلالة، اي ان المقصود او الاحالة هي (كوكب المريخ)، لكن للجملتين معنيان مختلفان، اذا كات الاولى صادقة تكون الثانية ايضا صادقة وبالعكس اذا كانت احداها كاذبة الاخرى ايضا كاذبة( ).

في كتابه الذي يحمل “التصورات” الذي نشره 1879 اسس فريجه اتجاه جدد في علم الرياضيات والمنطق يتالف من اربع مفاهيم هي ( ):
1- تصوره لإطار نظرية حساب القضايا.
2- تصوره لفكرة دالة القضية.
3- تصوره لفكرة الصور Quantifier واستخداماتها، أصبحت بالإضافة إلى فكرة دالة القضية، تكون الأساسي التصور لنظرية حساب المحمول.
4- التحليل المنطقي لبرهانِ عن طريق الاستقراء الرياضي، عن طريق استخدام فكرة الفصل.
لقد اصبح فريجه احد اعظم علماء الرياضيات والمنطق في التاريخ من خلال تقديم الطرح الجديد الاوضح من منطق ارسطو الذي كانن مر عليه قراية 22 قرنا. فجعل من القضايا الحسابية هي قضايا تحليلية تعتمد على المنطق، فالاعداد مبنية على مفاهيم اشتراطية بحسب العبارات المنطقية.

الفيلسوف الانكليزي جورج مور (1873- 1958)
يعد جورج مور من اشد المنافسين لروسل ووايتهيد، استخدم فلسفة “تحليل اللغة” كنقطة بداية لفلسفته واطلق مصطلح (الحس المشترك، الحس العام Common sense). كان من الذ اعداء الفلسفة المثالية والفلسفة التجريبية، فكان اقرب الى فكر الفلسفة الواقعية التي جلبت الاعتدال بين المعرفة اليقينة ضد الشكوكية. فكانت فلسفته تحاول اجابة السؤال التالي:” كيف هي حقيقة الاشياء؟”، هنا ظهرت صعوبة في تحديد معاني او هويات الاشياء الحقيقية، فكان اهتمامه مركز على معاني الاشياء في محاولة منه للوصول الى لعمق يمكنه لاكتشاف العلاقة بين الفكرة وتعريف المفهوم، التي قال عنها انها ليس من الضروري ان يدركها يعرفها كل اانسان( ). جورج مور اكد احيانا ان التفسيرات الفلسفية الغريبة تجعلها بعيدة عن المعنى الحقيقي للجملة او التعبير او الكلمة. هذه الفكرة كان لها صدى كبير على فلسفة فيتغنشتاين فيما، حيث نجد ان الاخير اوجد الكثير من التفسيرات والتحليلات للغة واطلق عليها “العاب لغوية”.

جورج مور اعتقد ان الجملة يمكن خضعها للفحص او للتحليل بطرقيتين، اما تفكيكها الى عناصرها الرئيسية البسيطة، او مقارنتها مع الافكار او المعاني السلبية المعروفة التي لها. فيسال عن موضوع مهم في الاخلاق “ما هو الخير؟ ” يجيب من الصعب ارجاع كلمة “الخير” الى اساسياتها. لان كما لا يمكن وصف اللون “الاصفر” الا “بالاصفر” و اي لا يمكن ارجاعه ارجاعه الى اساسياته، كذلك “الخير” لا يمكن تفسيره بصورة اخرى مع العلم هناك شعور مبدئي لدى الانسان كل شيء “خير” هو مفرح او بالعكس( ).
استمر جورج مور في تحليله لقضايا الفلسفية والمنطقية المعبرة بالعبارات اللغوية، حيث رفض فكرة عمانوئيل كانط بان بعض القيم الاخلاقية تنبثق من التفكير العقلي، كذلك رفض فكرة الحدسية في تقيم القضايا عند ستيوارت ميل في قضية تصنيف بعض الخواص الطبيعية على انها جيدة لصالح القيم الاخلاقية وكانها قضية حقيقية مستقلة.

قيمة العبارة عند مور لا يمكن تحديدها من خلال مصطلح غير مُعرف لهذا يوجد في الطبيعة اخطاء. التحليلي الفلسفي قادت مور ايضا الى شبه قضاء على افكار جون اوستن (1911-1960)، فيصف نتائجه فيتغنشتاين ب” مفارقة مور”. ففي الجملة التالية ( انها تمطر، لكنني لا اصدق ذلك) تظهر هذه الجملة بصورة شبه مؤكدة لا معنى لها( )، الا ان التاكيد بالنقيض يعطيها او يجعل لها معنى، لان من خلال طريقة التاكيد على شيء خاطيء على انه صحيح، حيث تسحب المعنى للتميز بين ما هو مؤكد وما هو مفهوم ضمنيا. هكذا اكد مور هناك اختلاف بين ما هو مؤكد وما هو متضمن وصف لا معنى له. هذا التميز الدقيق لم يظهر الا بعد اصبحت للغة تعابير ومصطلحات مؤكدة من خلال فلسفة تحليل اللغة التي ابدع فيها كل من فريجه وفيتغنشتاين وروسل وفلاسفة اخرين والذي اشار اليها مور مسبقا، والتي كانت مشكلة محيرة لفترة طويلة( ).
يذكر ان فلاسفة تحليل اللغة في النصف الثاني من القرن العشرين تخلوا عن شكلها الغوي، وازيلت الميتافيزيقة وولدت مجوع من الفلسفات الفرعية الحديثة، والرقب الان الى ولادة ما “بعد الفلسفة التحليلية اللغوية” على غرار فلسفة ما بعج الحداثة. في النهاية نستطيع تلخيص فلسفة جورج مور بان زيادة المعرفة العلمية او معالجات المنطقية لن تحل مشاكل الفلسفية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here