كيف ينبغي ان نربي ابنائنا ؟ ح 2

كيف ينبغي ان نربي ابنائنا ؟ ح 2 (*)
د. رضا العطار

عندما نجد في عائلة واحدة خمسة او ستة اطفال , يتفاوتون في الذكاء و يختلفون في المزاج , نبدي استغرابنا لآختلافهم هذا مع انهم اخوة يعيشون في بيت واحد ولهم كفايات وراثية واحدة.
ولكننا عند التحقق نجد انهم لا يختلفون في الصفات الوراثية طبقا لقوانين مندل في الوراثة. ثم ان الوسط العائلي ليس واحدا كما نتصور. فالابن البكر يحظى بعناية الابوين وحبهما قبل ميلاده شوقا اليه، لا يصادف مثله سائر اخوته، والاغلب ان تدليله يؤدي الى فساده في المستقبل, حتى ان الاوربين يؤلفون الكتب في الاصول التي يجب ان تتبع في تربية – الابن البكر – خاصة.
ثم لم يختلف الاطفال من حيث ان احدهم قد يكون وسيما والاخر دميما. فيحب الاول ويكره الثاني على الرغم من المحاولة النزيهة من الابوين في المعاملة السوية. وقد تكون هناك طفلة وحيدة بين اربعة اطفال ذكور, فتحب لانها وحيدة. وقد يعامل الابن الاصغر بالتدليل الذي كان يعامل به الابن الاكبر. ثم قد يموت الاب او الام, فيعيش الطفل يتيما مع امه او ابيه فقط , او مع زوجة الاب او زوج الام. وفي كل هذه الحالات يتغير الوسط ويختلف بين طفل واخر من الاخوة, وتتغير الاخلاق وتختلف ايضا. وخاصة في السنين الخمسة الاولى من العمر.

وقد يدلل احد الاطفال لان ابويه يقصران عنايتهما عليه لآنه وحيد. ثم يأتي اخر اجمل منه او مثله فيخرج الاول عن مكانه بعد ان يكون قد اتخذ اسلوبا افضي عليه بتدليل سابق من ابويه، وهو مطالب عندئذ من ابويه بان يتغير ولكنه لا يستطيع. عندئذ يصطدم بأبويه وبأخيه الجديد وهو يقاوم باسلوب الاطفال, اي يعاند او يشاغب او يمرض او حتى يبول في فراشه كي يجذب اهتمام امه اليه، بعد ان اهملته والتفتت الى اخيه الاخر. ثم ترسخ هذه العادات فيه عندما يشب, لانه يحس انه مظلوم وانه لا يجد العناية التي يستحقها من الدنيا مثلما لم يجدها من ابويه, وانه سوف يعامل المجتمع كما كان يعامل ابويه. وقد تظهر عنده ردود فعل سلبية تجاه معاشريه عندما يدخل معترك الحياة. واحيانا تكره الام احد اولادها او بناتها, لان الطفل قد اتى وهو غير مطلوب، حين لا تجدي الموانع للحمل او حين تكون قد اهملت الام في اتخاذها. فالطفل الجديد عبء اقتصادي مكروه، خاصة لو كانت العائلة تعاني من ضائقة مالية . او هو قد يكون دميما او هو قد يجد نفسه منذ السنة الاولى مع زوجة الاب الغريبة, لان امه ماتت او طلقت. وفي مثل هذه الحالات يكره الطفل ممن حوله بدرجات مختلفة, بل احيانا يضطهد ويقاوم هذه الكراهية باساليب الاطفال ايضا. فيعمد الى المكر و المراوغة او الاضراب عن الدرس او الاحتجاز. لانه يجد الانفراد لنفسه احسن من الاختلاط بوسط كله كراهية. ثم ترسخ هذه العادة عند الطفل ويعيش على هذا المنوال، راضيا بالضعة والهزيمة.
هناك شئ نستطيع ان نسميه الفراسة السيكولوجية ذلك اننا حينما نتأمل الرجل في الخمسين نعرف فيما لو كان مدللا او مضطهدا في طفولته. وهل عاش مع زوجة ابيه مهملا مكروها ام مع أم تحبه وترعاه ؟, كما انه من السهل ان نعلل سبب المشاكسة و الوقاحة او احيانا البراعة والتفوق اللذان يظهران بعلة مركب نقص. وكثير من الناس يسهل عليهم تعليل بعض الاخلاق بنوع التربية. ونعني هنا بالتربية اي القدوة التي يجدها الطفل في ابويه. الى جانب عملية الضبط عن طريق الزجر و الاغراء و من التدريب على اتخاذ سلوك نفسي معين قبل السلوك الاجتماعي لان الاول اثبت, اذ هو يحدث في النفس ما يضارع الغرائز الطبيعية , كالتفائل والشجاعة او التشائم وكراهة بعض الاطعمة ومدى تقبله للعقائد الدينية.
فتمرين الطفل على عادات حميدة تساعده في تكوين اخلاق شخصيته و سلوكه النفسي . لذك يجب ان نعوده ونشجعه دوما على الاعمال التي تقوده الى النجاح في شتى شؤون الحياة. ولا ننسى التأثير السلبي للعقوبة على تربية الطفل. هل يجوز لنا ان نضرب الطفل ؟ الصحيح اننا نستطيع ان نستعمل معه هذا الاسلوب لنمنعه من ان يضرب اخوته او ان يلعب في التراب ولكننا لا نستطيع ان نضربه لأنه لم يقرأ درسه. فالطفل ينزجر من العقوبة. وقد تحدث عنده اضطرابا نفسيا.

اما مركب النقص وتأثيره عند الاطفال يتعلق بنوع العاهة وموقعها, فاذا كان بارزا كحدبة الظهر او العور في العين او عرج في الساق, احتاج الى عناية كبيرة. والمستحسن ان يستشار طبيب في هذه المسئلة. اما اذا كان دون ذلك فلا يستحق القلق . كما انه من الافضل ان تتعدد الاهتمامات عند الطفل وان تكون له هواية او هوايات يتعلق بها وينفق عليها ايضا من ماله, فان في ذلك مجالا كبيرا لآستظهار كفاءأته وتوسيعا لافاقه النفسية والذهنية، و عندما يبلغ سن المراهقة ويواجه الضعط الجنسي مع الحرمان الذي تفرضه عليه تقاليد المجتمع يستطيع ان يجد في هذه الهوايات والاهتمامات ما يخفف عنه هذا الضغط , فيجتاز هذه الفترة الحرجة بسلام.
يجب ان نذكّر الاباء بان التربية تكتسب من البيت لانها عادات نفسية وتقاليد اجتماعية . فليس بأمكان المدرسة ان تعلم الصبي او الشاب على الشجاعة او الكياسة ولكن الاباء بأمكانهم ان يقوموا بأعباء هذه المسؤولية بالعناية والتدريب, صحيح ان المدرسة للتعليم وهي كذلك لكن الى حد ما. حيث انها تقوم بمهمة غرس المعلومات المفيدة في ذهن التلميذ لكنها لا تبسط له الافاق التي يجب ان ياخذها عندما يعيش في مجتمع متطور.
ولو سألت عن رأي في التربية لأجبت : اعط اطفالك اقصى ما تستطيع من حرية مع اقصى قدر من رعاية الحب الوجداني عليك ان تتجنب التدليل وكذلك الاضطهاد لان كليهما يؤدي الى الفساد بل الى الاجرام. وتجنب استعمال القسوة وسوء المعاملة مع الاطفال لانها تقتل فيهم روح الابتكار وتخلق روح الجبن والخنوع ثم تجعلهم في المستقبل قساة مع ابنائهم . تجنب ضرب الطفل , لان الضرب يحيله جبانا ينشأ على احجام وتردد وخجل, وهو يعرف فيك انت الاب , الرجل الاول . وسوف يقيس الرجال على قياس ما لقيه منك . فاذا كنت قد اعنفته فأنه سيخاف الرجال. ويخجل ويتراجع , ولا يجرؤ ولا يقتحم . ولا تخشى عناد الطفل و اذكر ان العناد برهان على الارادة القوية . فلا تقتل هذه الارادة فيه التي ربما تكون في المستقبل سبب نجاحه . وقد يكون في عناد الطفل بذرة المثابرة عندما يبلغ الشباب. واخطاء الامهات في تربية الاطفال كثيرة . فأن الام بطبيعتها تحب ان تربط اطفالها بها فتبالغ في حمايتهم وهي لا تدري انها بهذه المبالغة تؤذيهم . لانهم يتعلقون بها اكثر مما يجب , فيكرهون الخروج والاقتحام , ويخشى الغرباء , وينشأ على عادة الاتكال على غيرهم بدلا من الاستقلال .
ومن المالوف ان الطفل الذي عاش مع امه نحو خمس او ست سنوات وهو ياخذ منها دون ان يعطي ينشأ على هذه العادة كأن من حقه ان يأخذ من المجتمع . والمجتمع يصده ويصدمه , لانه يطالبه بان يأخذ و يعطي . وهنا يبتئس , ويعد نفسه مظلوما . ولذلك يحتاج الاطفال ان يكلّفوا في انجاز عمل او خدمة لقاء ما يعطيهم المجتمع .
حتى ينشأوا على العلاقة السليمة في الاخذ والعطاء , وليس على الاخذ فقط
. ويجب على الام لذلك ان تطري العمل او تذمه بدلا من ان تطري الطفل نفسه حتى يتجه وجهة موضوعية سديدة
( اسلوب الحياة ) من العبارات التي يجب ان نذكرها دائما في تربية الاطفال , فان لكل منا اسلوبه حين يكون في الخمسين من العمر , وهو في الاغلب امتداد لذلك الاسلوب الذي تعلمناه من ابوينا . او زوجة ابينا في السنوات الاربع الاولى من حياتنا . فاذا رايت مثلا زوجة كثيرة الغيرة , تلتهب وتحتدم عندما تجد زوجها يخاطب سيدة اخرى , فثق ان هذا الاسلوب قد تعلمته وهي طفلة قبل ان تتم الرابعة من عمرها . تعلمت ان تلتهب وتحتدم عندما كانت تجد امها تلتفت الى اخيها وتعني به بدلا من ان تعني بها هي , وكانت امها تستطيع ان تعالجها من هذه الغيرة لو انها مثلا كانت تعطيها الرياسة في توزيع الحلوى وتكسبها بذلك كرامة تغنيها عن الانانية والاستئثار .

والطفل المدلل سيبقى على اسلوبه وهو في الستين , يمارس العدوان والخطف ولا يبالي بمصلحة الغير . . والطفل المضطهد الذي ضرب وحرم في طفولته مع زوجة ابيه , سينشأ وهو يعامل كل فرد من افراد المجتمع كما لو كانوا جميعهم يمثلون زوجة ابيه . . يعاملهم باللؤم والخبث والوقيعة والدس والكراهية . او قد ينكسر ويرضى بالهزيمة
الحلقة التالية في الغد! .

* مقتبس من كتاب فن الحب والحياة لسلامه موسى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here