محطة رقم سبعة الفرزة الثالثة

محطة رقم سبعة الفرزة الثالثة
انطلق المذياع وهو يذيع البيان الاول للانقلابيين بصوت العقيد عبد السلام عارف وجعل الانقلاب ثورةً
وقد بينتُ ما حصل عن اليوم الاول الا أني سأذكر ابرز البيانات وهو أن الحكومة ستكون انتقالية امدها
ستة اشهر بعدها تُجرى انتخاباتٍ حُرةً ونزيهةً كما قال البيان ويكون الشعب هو الممثل والحاكم لنفسه ولَمّا
استقر الحال واستتب الوضع برز الشيوعيون على الساحة فمات البيان والوعد بالانتخابات واخذ العقيد عبد
السلام يُلقي الخُطَب في المحافظات ويؤكد على ان الانقلاب الذي تَسَمّى بالثورة هو جمهورية
الهية خاكية لكن الاحزاب لا تُحلل المعنى ولا تفهم القصد وابرزهم الشيوعيون ومن كلامهم
المضحك الذي سمعتُهُ هو ان القيادة الشيوعية بما لها من عمق تجربة ومن بُعدِ نظر أنها
تتمكن وتستطيع تحليل الامور ومعرفة ما وراء الاكمَةِ .
وبعد مضي شهور بدأ الصراع العسكري العسكري بين المسؤول الاول في تنظيم الضباط الاحرار وهو الزعيم
عبد الكريم وبين صاحب البيان الاول العقيد عبد السلام وقبل الخوض في الصراع اود ان اعطي القارئ صورةً
عن القرارات التي اعلنها الانقلابيون والتي اعتبرتها الاحزاب قرارات ثورية فعلى صعيد مخالفة الاحكام القضائية
صدر قرار باطلاق جميع المسجونين السياسيين والمسجونين باحكام جنائية وهذا الاندفاع المتهور وغير
المدروس كان اهانةً للسياسيين لأنه ساوى بينهم وبين المجرمين مع كونه استهانة بالقضاء والقانون العام .
وكذلك القرار المتهور الاخر في التعليم الذي جعل سنة الرسوب للطلبة في كل مراحل التعليم من الابتدائي
الى الجامعي والاكاديمي سنة عدم رسوب فساوى القرار بين الناجح بجهوده وبين الراسب فتساوت القرعة مع
ام الشعر في حقوق التعيين وفي الاستحقاقات القانونية الاخرى فتخرج منهم اطباء ومهندسون واساتذه
وضباط عسكريون وضباط شرطة وفي كل الفروع الدراسية مما انعكس سِلبًا على مستوى الشهادة العراقية
بين دول العالم وقد كانت من الشهادات المحترمة في دول الغرب .
واخيرًا القرار الثالث الذي دمر العراق زراعيًّا هو القانون المُسَمّى بقانون الاصلاح الزراعي حيث تقلصت
الزراعة وتراجعت المحاصيل وابرزها الحنطة والشعير والرز رغم الدعم المالي للفلاحين ووجود الجمعيات
الفلاحية وذلك بسبب ترك الفلاح الارض ونزوحه الى المدينة التي كانت تُغريه أيام الاقطاع مع أسباب أخرى
ابرزها هو ان الفلاح لا يملك الوسائل مثل مكائن السقي ومكائن الزراعة التي لدى الشيخ او الاقطاعي أضف
الى ذلك ان المدينة فيها العمل اليومي الذي يدر عليه وعلى عائلته مبلغًا لا يحلم به سابقًا مع امكانيته العيشَ
على أطراف المدينة التي لا تختلف عن واقعه السابق في الريف لذلك تشكلت بؤر سُكانية في مداخل المدن
ففي بغداد مثلاً كانت مدينة الثورة التي تَسَمّتْ بمدينة صدام في زمن البعث والان تُسمّى مدينة الصدر بعد
سقوط الساقط عبد الله المجرم وجاءت التسمية نسبةً للسيد محمد صادق الصدر الذي اغتالته مع ابنه في
حادث سيارة دبرته له المخابرات البعثية وهو والد مقتدى زعيم التيار الصدري وتعتبر مدينة الثورة القاعدة
الاساس لتياره الضالع مع الفاسدين والذي لم يقدم لها زعيم التيار أي مِرفق صحي او مَعلَمْ علمي أو مبنى
خيري لإيواء المشردين والايتام في المدينة التي تَسمّت باسم عائلته كما تشكلت بؤرة الاخرى على اطراف بغداد
الجديدة تُسَمّى بالصرايف وهي خلف السدة وهناك بؤر اخرى لا اتذكرها أمّا في مدينتي الكوت فقد تشكلت
بؤرة من المهاجرين الفلاحين تقع خلف السايلو تسمّتْ بالكريمية على اسم الزعيم ثم تغير اسمها في زمن
البعث لتصبح النصر وقِسْ على هذه البؤر بؤرًا أخرى في باقي محافظات العراق .
وفي عام 1960 قام العراق باستيراد الحنطة من الاتحاد السوفيتي بعد ان كان المُصدِّرَ الاول بين الدول
العربية والمجاورة لمحاصيل الحنطة والشعير والارز وبهذا التخريب الزراعي حذا الانقلابيون حذو جمهورية
مصر كونها هي الرائد الاول في هذا القانون واضف الى هذه التبعية تبعية التعليم فاصبحت مصريةً بمناهجها
فأثّر على مستويات الطلاب بتبديل المناهج وقلبت الامور رأسًا على عقب ثم عادت المناهج القديمة بعد ان
انفرد الزعيم بالسلطة وانتهت العلاقات بين العراق ومصر الى القطيعة والتراشق بالشتائم عِبْرَ الاذاعات
واصبح التعليم والطلاب بين حانه ومانه بعد كل انقلاب عسكري .
هذه ابرز ما حصده العراقيون من حكومة الانقلابيين التي اسموها المكاسب الثورية وايدها الشيوعيون ولو
صدقوا لأسموها المثالب الثورية وهي بداية انحدار العراق الى الهاوية .
************************************************************
الدنمارك / كوبنهاجن الثلاثاء في 29 / كانون اول / 2020
الحاج عطا الحاج يوسف منصور

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here