ملف الصناعة: نحو 67 ألف مشروع متوقف و200 مصنع حكومي عاطل

تسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار في اضطراب الأسواق المحلية وارتفاع كبير في الأسعار، حيث أن معظم البضائع مستوردة ومرتبطة بالعملة الأميركية. هذا الأمر أعاد ملف الصناعة العراقية وتفعيلها إلى الواجهة مجددا، بعد عقود من الاندثار والدمار الذي طال القطاع الصناعي، وسط مطالبات بالعمل على تخفيف الضرر الناتج عن تدهور الدينار العراقي، من خلال اعتماد الصناعة الوطنية التي يفتقر إليها البلد.

خفض رواتب الموظفين وارتفاع قيمة الدولار مقابل الدينار العراقي (1 دولار يعادل 1450 دينار) أثار امتعاضا كبيرا في البلاد، بحسب عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار في البرلمان ندى شاكر جودت.

وأكدت جودت أن هذا القرار ليس قرار البرلمان وهو بعيد عنه، والحكومة هي من اتخذته ونفذته، من دون عقد جلسة برلمانية لمراجعة الحسابات، لكونه ليس قانونا.

وحذّرت جودت من تداعيات قرار خفض قيمة الدينار، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولحق الضرر كله بالمواطن العراقي البسيط، بسبب الفساد وسوء الإدارة، على حد تعبيرها. واعتبرت أن قرار تخفيض قيمة الدينار جاء ضربة قاصمة للشعب العراقي، لعدم وجود سيطرة على الأسواق، التي بدأت تتلاعب بحال المواطن البسيط وتفاقم معيشته.

وفي السياق ذاته، قال مدير إعلام وزارة الصناعة مرتضى الصافي إن المواد المستوردة ستكون غالية الثمن، نتيجة ارتفاع سعر الدولار وكذلك الرسوم الكمركية، بينما المنتج الوطني معفى من التعرفة الكمركية والضرائب، وهذا الفارق سيكون حافزا لتشغيل المعامل العراقية، سواء كانت بالقطاع العام أو الخاص.

بدوره يرى الخبير الاقتصادي همام الشماع أن الركود سيزداد في السوق العراقية، بسبب تراجع القوة الشرائية لكتلة الموظفين بعد انخفاض قيمة رواتبهم.

ورجّح الشماع بأن القوة الشرائية ستتراجع بنسبة 20%، نتيجة لارتفاع الأسعار، وبالتالي سوف تنعكس على القطاع الخاص، وسيؤدي ذلك إلى ازدياد التراجع في الناتج المحلي الإجمالي.

وأشار إلى أن أنشطة القطاع الحقيقي، مثل الزراعة والصناعة، لا تعتمد على سعر الصرف إلا بشكل بسيط جدا، وهذا يعني أن تخفيض سعر صرف الدينار العراقي يمنح المنتج المحلي فرصة لمنافسة المنتجات المستوردة، بمعنى أن السلع الإيرانية والتركية وغيرها من السلع المستوردة في الأسواق العراقية، ستصبح أغلى من السابق، بحسب الشماع.

كما أن المنتج المحلي لا يمكن له إنتاج كل أنواع السلع التي تتطلبها السوق العراقية، فقد يكون هنالك إنتاج زراعي للخضروات وبعض الفواكه، ولكن لا يسد حاجة السوق بشكل كامل -بحسب الشماع- ولذلك تبقى هنالك حاجة للاستيراد.

من جانبه، أعرب رئيس اتحاد الصناعات العراقية علي الساعدي عن ترحيبه بقرار الحكومة، لتقليل الاستيراد ومساعدة المنتج المحلي على المنافسة، وطالب الجهات الحكومية بوجوب دعم الطبقات الهشة والضعيفة من خلال دعم المنتجات المستوردة التي تتعلق بحياة المواطن، وكذلك تزويد المصنعين العراقيين بالمواد الأولية المدعومة لتعويض النقص، مع ترك المواد الكمالية والاستهلاكية وغير الضرورية من دون دعم.

وكشف الساعدي، عن وجود 54 ألف مشروع مسجل في الاتحاد، وكذلك 21 ألف مشروع لدى مديرية التنمية الصناعية، وأكد توقف نحو 90% من هذه المشاريع الحيوية بسبب عدم المقدرة على المنافسة (أي ما يعادل 67 ألف مشروع)، وعدم وجود بيئة أعمال آمنة وبنى تحتية مثالية مثل المدن الصناعية.

ونوّه رئيس اتحاد الصناعات العراقية إلى عدم وجود دعم حكومي حقيقي للصناعة المحلية، بينما المواد المستوردة مدعومة في بلدانها بصناديق دعم الصادرات.

وبيّن أن الرسوم التي يدفعها المصنّع العراقي إلى دوائر الدولة تبلغ أكثر من 30 رسما، كما أن كلفة الوقود والكهرباء عالية وغير مدعومة، وأكثر المنتجات الوطنية غير محمية بقانون حماية المنتجات، بالإضافة إلى أن هناك إغراقا سلعيا مقصودا وشبهات غسيل الأموال، بحسب الساعدي.

وحول المصانع الحكومية يوضح الصافي أن عدد المصانع والمعامل التابعة للشركات العامة، يبلغ حوالي 285 معملا، منها 83 معملا متوقفا.

وعن أسباب توقف المصانع يذكر مدير إعلام وزارة الصناعة أسبابا عديدة، منها قِدَم هذه المعدات؛ لأن أغلبها يستخدم منذ عام 1960، وتعرضت في زمن حصار التسعينيات للاستهلاك، بسبب العمل المستمر ونقص معدات الصيانة آنذاك، وكذلك الحروب، وما تعرضت له على يد مسلحي تنظيم داعش.

من جانبه، يقدّر الشماع إجمالي المشاريع الاقتصادية المتوقفة، بأكثر من 50 ألف مشروع صناعي صغير ومتوسط، وقد تصل إلى 100 ألف مشروع معطل.

وبين أن الإنتاج الصناعي كان يشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي، لكنه أصبح أقل من 1% في الوقت الحاضر.

بينما تحدثت جودت عن وجود بعض الشخصيات المتنفذة ممن لديهم صناعات خارج البلد، ولا يسمحون بقيام صناعة جديدة داخل العراق، لأنهم يريدون أن يبقى العراق سوقا استهلاكية لمنتجاتهم.

وأبدت أسفها لما يعانيه العراق من حرب وسوء إدارة وفساد، وصراع إقليمي ودولي، يستهدف العراق، حيث تعمل بعض الدول على إغراق العراق بالبضائع لاستنزاف ميزانياته.

ووضعت وزارة الصناعة والمعادن خطة للنهوض بالصناعة العراقية، وإعادة سمعة “صُنع في العراق” من جديد، وقسمت الخطة إلى 3 أقسام، قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، بحسب الصافي.

ويجري العمل حاليا على الخطة الأولى قصيرة المدى، والتي من ضمنها تشغيل المعامل والمصانع التي نسبة التوقف فيها أقل من 30%. وأكد أنه تم افتتاح 12 معملا ومصنعا من شركات وزارة الصناعة والمعادن، ضمن الخطة قصيرة المدى.

ويوضح الصافي أن هذه المصانع والمعامل منتشرة في بغداد وجميع المحافظات، وتنوعت بين معامل الأكسجين الطبي والأدوية والمعامل الإسفلتية، والأنابيب التي تخدم البنى التحتية، ومعمل للطابوق، ومعمل إنتاج المحولات الكهربائية.

ويشدد على ضرورة قيام القطاع العام أو الخاص، باستثمار فرصة ارتفاع الدولار مقابل الدينار العراقي، والذي سيدفع المواطن لاقتناء المنتج المحلي.

في حين يرى الشماع بأن تغيير سعر الصرف لن يكون أداة سحرية لتطوير الصناعة وإعطائها الفرصة، ولكن المستلزمات الحقيقية لنهضة الصناعة تتطلب وفرة رأس المال، وعودة الصناعات الراحلة في الخارج، وتحقيق الأمن والاستقرار، وجعل السلاح بيد الدولة. ويبدي الساعدي اعتقاده أن الصناعة بحاجة إلى الأمن والخدمات وخصوصا الكهرباء، فضلا عن تفعيل القوانين الخاصة بها، مثل قانون حماية المستهلك المشرّع في البرلمان وغير المفعل، وأيضا قانون احتكار السلع. ويؤكد أن إعادة الثقة بالمنتج المحلي تحتاج فترة طويلة جدا، لأن الصناعة المحلية لم تحظ بفرصة لكي تنجح، حيث فتحت الحكومات العراقية بعد عام 2003 الباب للبضائع المستوردة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here