مشاهد ذات عبر؛ الجزء الأول

مشاهد ذات عبر؛ الجزء الأول
د. حسن كاظم محمد
المشهد الأول
في ستينيات القرن الماضي، وأثناء خدمتي بما يعرف بالقرى والأرياف، كانت الوسيلة الوحيدة لتنقلي في المناطق الجبلية هي البغل. المنطقة كانت معرضة للقصف الجوي على القرى وكل متحرك على الأرض. البغل كان بلحظة يقف عن السير ويوجه صيوان أذنه لجهة وينتظر، فنعرف بأن القصف آتٍ. وبعد انتهاء القصف والأصوات المزعجة، يبدأ السير مجدداً، وكنت أسمّيه الرادار السيّار.
العبرة: عرف جاي الخَـطر وگّـف حَركته
يِحمي صاحِبه وهاذي بْـفِـطـرته
البشر مِن عِرف غلطان بنظِرته
وما بدّلهَه ألف وسفَه لْـوَگِـعـته
المشهد الثاني
في أواخر سبعينيات القرن الماضي، كنت أعمل في البصرة كاختصاصي لجراحة العظام والمفاصل، ولي صديق صاحب أعمال زوجته أجنبية يسكنان في بيت بمزرعة تطل على شط العرب. الزوجة أتقنت العربية وتأقلمت مع أهل القرى المحيطة وكانوا يحترمونها. كانت تحب الزراعة وتربية الحيوانات وركوب البلم. عندها حمار اعتنت به عناية فائقة من الطعام والنوم وكافة المستلزمات الأخرى. سافرا إلى الخارج لفترة طويلة وأوصت أحد الجيران بالعناية به. ما حدث إنهم استعملوا الحمار المدلل في بيع النفط وأساؤا معاملته. وبعد فقدانه ذاك الدلال من صاحبته، وبينما كان على عبّارة للعبور إلى الضفة الأخرى من النهر رمى بنفسه مع أحماله في شط العرب لكي يتخلص من حياة البؤس والذل.
العبرة: عِـزّه تْـروح مِنّه موش سهله
ما يِـنسه دلاله وْيـحِـن لَـهــله
صديق الحُر صُحُبته دُون عِـلّه
يِـضحّي بْنـفـسه ويوَفّي لْـخِـلّه

المشهد الثالث
في فترة الحرب العراقية الإيرانية كنت أسكن منطقة الطويسه في البصرة، وكنا نسمع صواريخ أرض أرض تمر عبر سماء البصرة ترجها رجا وقصف مدفعي مقابل من الجانب الإيراني. في أحد الأيام شاهدت كلبا راكضا على ثلاثة قوائم متجهاً لمنطقته ورافعا أحد قائميه الخلفيين والذي كان ينزف دما لإصابته بشظية. بين وهلة وأخرى يوقف السير وينظر خلفه ليطمئن وليأخذ الراحة ويكرر سيره، تحسبا من إصابة أخرى قد تضطره ليصل موقعه زحفاً.
العبرة: رافع ساق خايف ثانيه تِنصاب
كَـلفه زحف يوصل عِتبة الباب
لـو عـضّتك حـيّه بْلسعة الناب
حَـبِل مِن يُمر يَـمَّـك إله تِرتاب
وإلى اللقاء

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here