الكلمة الطيبة!!

الكلمة الطيبة!!
“ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء” , “ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة أجتثت من فوق الارض ما لها من قرار” إبراهيم 24, 26
الكلمة ضوء ساطع عندما تكون طيبة نقية أصيلة المنبع , وفكر ناطق , بها تتحقق الحياة , وتتأكد الرؤى والتصورات السامية.

ونوع المفردات اللغوية في أي مجتمع تعبر عن حالته , فالسائدة منها يعكس صورة الحياة , ويرسم ملامح السلوك والتفاعل الإجتماعي.

وقد دأبت وسائل الإعلام والصحف والأقلام على إستعمال المفردات المناسبة للحالة التي يُراد التصدي لها , فمثلا مفردات الإعداد للحرب غير مفردات الإعداد للسلام , ومفردات المحبة والأخوة غير مفردات الكراهية والشقاق والعداء.

ويمكننا أن نستشرف الأحداث القادمة من المفردات المستعملة للإعداد لها , وفي واقعنا تحقق إستخدام مفردات السوء والبغضاء والكراهية والعداء , وإستثارة المشاعر السلبية والعواطف المؤذية , حتى أصبح عندنا الكثير من الأقلام المُبرمجة لإستعمالها , والعديد من المسؤولين الذين ترسّخ في قاموسهم الذاتي نوع من المفردات السيئة , التي تحدد معالم تفكيرهم وسلوكهم ومواقفهم وإستجاباتهم.

ولا زالت فاعلة ومؤثرة في رسم حركة الأيام وتقرير مصير المجتمع , وتحديد أساليب التفاعل ما بين الناس , وفي كل فترة مؤهلة لدراما ومأساوية , هناك مفردات خاصة مدروسة بعناية , يتم نشرها وإستعمالها في التصريحات والكتابات المُسخرة لتأكيد الغايات , ومن الآخرين الذين يريدون إظهار الحق , مما يؤدي إلى إختلاط الأمور وتشويه التفكير وتشويش تقدير المواقف وفهمها.
والمفردات السائدة هي السلبية الخبيثة الداعية إلى اليأس والتبعية والخنوع والكراهية والطائفية , والمشتقة من عقيدة المحاصصة وثقافتها الجهنمية , التي أوجدت لها جنودا وطوابير أقلام وصحف ومواقع إليكترونية .
وهي ذات إسناد مادي كبير وتسويق إعلامي قوي , يساهم بزرع ما هو سلبي وسيئ في أعماق الناس , ليكونوا مستعدين ومسخرين لتنفيذ الطموحات , وتأكيد المصالح المناهضة لوجودهم وهم لا يشعرون , لأن هذه المفردات المزروعة فيهم حولتهم إلى روبوتات تتحرك وفقا لإرادة غيرها.
ويبدو أن معظم الذين يدعون بأنهم ساسة أو أصحاب أحزاب , قد سقطوا ضحايا باختيارهم أو جبرا فاستلهموا المفردات المؤذية والضارة بالحياة , مما جعل ملامح وجوههم مؤثرة سلبيا في الناظر إليها , فلا ترى وجها تنبعث منه إرادة الحياة وأنوار المحبة , وقسمات الطموح والقوة والحرية والإيمان بالوطن والشعب.

فالوجوه التي تظهر بوسائل الإعلام , تطغى عليها ملامح السوء والبغضاء والكراهية والخوف وعدم الإطمئنان , ويقدح الشر والإنتقام من عيونها , وعندما تتكلم تراها جامدة , حتى لتحسب أنك تستمع لتمثال أو دمية.

تلك حقيقة نشاهدها وننظر إليها بحيرة وعجب , والواقع يشير إلى أن تعبئة البشر بمفردات السوء والبغضاء تؤدي إلى سلوكيات وتفاعلات متناسبة معها , وبهذا فأن نوع المفردة الفاعلة في أعماقه ترسم معالم سلوكه.

وما دامت عملية حقن الناس بالمفردات السلبية متواصلة , ومعززة بالقدرات الإعلامية والدعائية والعاطفية فإن فعل السوء سيتواصل.

فالكلمات الخبيثة السيئة تؤسس إرتباطات عصبية دماغية في الرؤوس , وتشكل دوائر فعّالة تهيمن على الفهم والإدراك والتلقي والتفكير والإستجابة والسلوك.

أي أن الإنسان يتحول إلى عبد مطيع لتلك المفردات المزروعة في دماغه , والتي تم تسميدها بكل أنواع الأسمدة العاطفية اللازمة لنموها العظيم.

ولهذا ترى إنعطافات حادة في الإستجابات التي تصدر عن الذين يحسبون أنفسهم من المثقفين , فما أن تقترب من داوائر المفردات السيئة الفاعلة فيهم , حتى تنطلق كلماتهم كالبارود فيأخذون بالكتابة السلبية بمداد إنفعالهم الحار وعواطفهم الحارقة , وهم لا يشعرون بأنهم أصبحوا مُسخرين لغايات تأخذهم نحو سوء المصير.

والمشكلة أن الغاطس في وحل السوء لا يرى غير السوء , ولا يتخيل رأيا غير رأيه , أو عالما غير عالمه الذي يؤهله للتعبير عن ذاته المزورة ومشاعره المنحرفة وسلوكه المشين , فقد أكلته المفردات ورسمت معالم وجوده.

وهذه سياسة فاعلة في تقرير مصير الأوطان والشعوب , وإعادة تصنيعها وفقا لإرادة الأقوى.
فهل من كلمةٍ طيبة ليكون سلوكنا وتفاعلنا وما يبدر منا طيبا ونافعا للناس؟
و”الكلمة الطيبة صدقة” !!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here