نمر من ورق

*نمر من ورق*

*بقلم* : *وریا قره داغي*
*موظف* *اممي سابق*

*الاپارتهاید* هو مصطلح هولندي تعني الفصل وتم تداوله رسميا من قبل حكومة جنوب افريقيا الذي حكمت فيه الأقلية الاوروپيه من عام 1948 وحتى إلغاؤها خلال اعوام 1990-1993 وأعقب ذلك انتخابات ديموقراطية عام 1994. الهدف من نظام *الأپارتاهاید* كان لغرض خلق إطار قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية البيضاء التي هاجرت من اوروپا الغربيه على شكل موجات بشريه من *1570* *الى* *1994* .

امريكا والمعسكر الغربي كانوا بحاجة الى النظام العنصري في جنوب افريقيا حيث تم تجهيزه جيشه بأحدث انواع الاسلحه والمعدات العسكريه وتم تدريب قوات عسکریه خاصه لاجل اخماد وقمع المظاهرات المعاديه للاپارتهاید و الثورات التحرريه خوفا من التمدد الشيوعي السوفياتي ايام الحرب البارده.

بعد سقوط النظام الشيوعي توقف الدعم السوفياتي للانظمه والحركات التحرريه في القاره السوداء وبدأت لغة الحوار بين الجهات المتنازعه التي ادت الى تغيرات جذريه في القارة الافريقيه منها اطلاق سراح رمز النضال ضد العنصريه *نیلسون مانديلا* وانتخابه كأول رئيس افريقي لدوله جنوب افريقيا المتعددة الاعراق والطوائف.

حينها كنت مراقبا على مجريات الانتخابات منتدبا من قبل منظمة الامم المتحده للأنماء وكنت شاهدا على الخطاب السلمي للرئيس مانديلا اثناء نقل السلطه لحكومته المتعددة الاعراق وتاثيره الایجابي حتى على مناصريه الحاقدين على حكومة الاپارتهاید العنصریه. مانديلا قالها بکل وضوح: *نحن ننظر الى المستقبل، الماضي خلص انتهينا منه وتعلمنا منه* .

بعض سياسيي البيض عارضوا انتقال الحكم وخرجوا بمظاهرات صاخبة وهاجموا على مقرات ومؤسسات الحكومة. هنا برز إسمان لامعان بين قادة البيض هما الزعيم المعتدل *اف* . *دبليو* . *دي كليرك والزعيم اليميني المتطرف تيري بلانك* . دي كليرك اتبع سياسة الحوار وتسليم السلطه سلميا تحت ضغط دولي بعدما ادرك بان امريكا والكتلة الاوروپیه الغربيه لم تعد لديها مصلحة في ابقاء سلطة البيض بعد سقوط السوفيات.

تيري بلانك اليميني المتطرف جمع مناصريه البيض اليمينين وخرج بمظاهرات ذو طابع متطرف هاجموا مقرات حزب *نيلسون مانديلا* وحرقوا بعض المباني الحكوميه واعلنوا العصيان في المدن ذو الأكثرية البيضاء وهاجموا على مقر البرلمان واحتلوه واعلنوا جمهورية البيض الخ من خروقات دستوريه. تجمع البوور/البویر البيض حول تري بلانك واسسوا مملكة بالقرب من العاصمه پریتوریا وبدؤا بمضايقة السكان المحليين وموظفي الحكومة واصطدموا عدة مرات مع القوات الحكوميه إلا ان هاجم السكان المحليين مملكة البيض في اپریل 2010 حیث قتلو رئيس حركة العصيان تيري بلانك وعدد كبير من مناصرية المسلحين وانتهت اخر حقبة للعنصريين البيض في جنوب افريقيا وبعدها بدا الصراع الافريقي- الافريقي على السلطه والمال وعم الفساد في البلد خاصة بعد رفض الرئيس مانديلا اعادة انتخابه لاربع سنوات اضافيه.

بعد حوالي ثلاثين عاما ظهر علينا الرئيس الامريكي دونالد ترامپ ليغرد بان ذوي البشره البيضاء هم اسياد امريكا المتفوقين وحاول بث سموم عنصريه من خلال خطابات عنصريه ساهمت في هيمنة ذوي البشره البيضاء القادمين من القاره الاوروپیه مستغلا وجود عدد هائل من البطاله بين الافارقه الامريكان البالغ عددهم حوالي 45 مليون نسمه والذين يشكلون حوالي 13% من مجموع سكان امريكا البالغ عددهم 350 مليون نسمه.

خلال المناظره التقليدية بين بايدن الديمقراطي وترامپ الجمهوري على شاشة التلفزيون حاول بايدن جاهدا اجبار ترامپ بادانة هيمنة البيض في امريكا ولكن ترامپ رفض الادانه مما شجع ذوي البشرة البيضاء بالشعور بالهيمنه وكراهيةالمهاجرين الجدد.

بعد خسارة ترامپ في الانتخابات الرئاسيه حاول ترامپ بشتى الطرق والوسائل تضليل العالم بان نتائج الانتخابات تم تزويره من قبل الديمقراطيين بتغطية اعلاميه مبرمجه وطلب من مناصرييه بالخروج الى الشوارع لادانة التزوير وخصص يوم 6 يناير يوم العصيان حيث اقتحم مناصرية مقر الكونگرس واحتلوا المبنى ولم تستطع قوات الامن من ايقاف زحف مناصري ترامپ حيث قتلت الشرطه اربعة منهم وقتل اثنان من قوات الامن.

القوات المواليه للرئيس ترامپ المعروفين بجماعة ( *پراود بویز* ) ورئيسهم *انريكه تاريو* ابن المهاجر الكوبي ظهروا للعالم وهم يحملون العلم الامريكي الفيدرالي القديم الذي يشير الى مرحلة *العبوديه والحرب الاهليه* في جنوب الولايات المتحده الامريكيه في رسالة تحمل عبرات عنصريه تشير الى مرحلة تجارة العبيد في امريكا واوروپا وافریقیا وحتى في اسيا الغربيه.

*مرحلتين مختلفتين في قارتين تبتعدان الالاف الأميال ولكن القاسم المشترك بينهما هو العنصريه والشوفينيه العرقية التي تحطم معالم اي حضارة في العالم مالم يتم احتوائها بصورة موضوعيه* .

المفروض بالرئيس المنتخب بان يلعب دورا ايجابيا في ايجاد حلول ترضي جميع الأطراف *نسبيا* لتفادي مناوشات صغيره قد تؤدي الى حروب استنزافيه طويلة الامد قد تحرق اليابس والاخضر والاوضاع الحاليه في امريكا خير دليل على ذلك فالهجوم على مبنى الكونگرس ناتج عن خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامپ الذي قال جهرا بانه يتضامن مع عصيان الپراود بویز المتطرفه.

العنصريه والصراع العرقي موجود في كل بقاع العالم ولكن بنسب مختلفة منها تم استيعابها ضمن خطة عقلانيه و موضوعيه مدروسه ومنها بقيت تتكدس واصبحت فتيلة قابلة للانفجار في اي لحظه *والرئيس ترامپ* خلال الاربع سنوات من حکمه وضع الزيت على النار وانفجرت القنبلة لتحرق بيته وحزبه وحكمه *ولو استمر في الحكم لاربع سنوات اخرى* لاصبحت امريكا *نمر من ورق* كما ذكرها الرئيس الصيني الراحل ماوتسي تونگ قبل 60 عاما.

لیس هناك من یتمنی سقوط امريكا بل الكل يتمنى بان يرى امريكا تساهم في ايجاد صيغة عقلانيه لمستقبل العالم، *فالعالم ينظر لامريكا كمستقبل وليس كماضي* . فانتخاب رئيس امريكي ذو شخصية معتدله يتدخل متى ما يستوجب الامر سوف يقلل المخاطر والحروب وسوف يضاعف لغة الحوار والسلام والاستقرار التي نحن بحاجة ماسة لها.

08 يناير 2021

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here