هل يُمكن إخضاع الحُبّ للعقل!؟

هل يُمكن إخضاع الحُبّ للعقل!؟

يتعامل الناس و حتى الفلاسفة مع الحُبّ – المجازي طبعاً – بإجحاف و تطرف, بل مراجع الدِّين و العلماء حفظهم الله تعالى أيضاً يعتبرون الحُبّ شبه حرام و في أحسن الأحوال منبوذ و فيها كراهيّة شديدة, بينما يُحلّلون زواج 1000 امرأة لدقائق من أجل عملية جنسية, كما رأيت معممين أظهروا إستعدادهم للزنا بآلمحصنة لفساد تربيتهم وشبقيتهم و قبحهم و لعدم دركهم للحُبّ الحقيقيّ و جهلهم بأسراره و تكوّرهم على ذواتهم .. بإستثناء إشارة واحدة لنيتشه الفيلسوف بقوله : [لقد حوّلتُ حُبّي الى الاله، وما الانسان في نظري إلا كائن ناقص ما إن أحببتهُ بتواضع حتى قتلني حبّه] ناهيك عن نظرة العرفاء التي لا مجال لعرضها هنا!
و قد بيّنا تفاصيل و أبعاد و آثار و دور الحب و العشق المجازي وصولا للحقيقي في الوجود؛ في سلسلة كونية بعنوان [أسرار العشق] و كذلك في كتابنا الموسوم بـ[الأسفار الكونية السبعة] و كذلك ضمن مقالات بعناوين مختلفة ..

فآلحُبّ ذلك الشعور ألإنسانيّ الكونيّ ألسّامي ألذي يختلف عن العشق طبعاً .. ذلك ألذي يبدو لنا طبيعياً وفطرياً و كثيراً ما يظهر في لحظة أحياناً؛ و هي مشكلة وجوديّة فيزيائية و ميتافيزيقية تُغيير مسارات الحياة و الأقدار بشكل يعجز حتى العقل من كبح جماحه!

نهج الفلاسفة من سقراط إلى آخر فيلسوف وحتى أكثر الفقهاء؛ هو إخضاع كلّ شيء للعقلنة و للمسائل الفقهية ألمتحجرة؛ ثم التحليل، ثم الخروج بلا نتائج آفاقية أو أنفسية, فبالنسبة للحُب ما يزال الأمر كما هو تقريباً, و لم يعطوا تفسيراً منطقيا لعلاقته التوافقية مع الأنسان أو إرتباطه بآلغيب بشكل من الاشكال.

و يبدو،، كما نستنتج من كتاب (الفلاسفة و الحب) للفرنسيتين (ماري لومونييه) و (أود لانسولان)؛ أنّ (الود مفقود بين الحُب و هؤلاء الذين غيروا البشرية) وغذوا عقلها و روحها أيضاً! و أنّ (لا تآلف بين الفلاسفة و الحب) بل حرام و ذنب … أو لا حُبّ هناك أساساً!

كان آخر (فلاسفة الحُب)؛ هو البولوني سيجموند باومان الذي لم تتطرق لذكره مؤلفتا الكتاب السابق الذكر .. و قد رثى الحب في كتابه (ألحُب ألسّائل):

[أن لا حب هناك،، و أن (الحب المتحقق) صار أقرب إلى الموت .. في ثقافة إستهلاكية مثل ثقافتنا التي تفضل المنتجات ألجاهزة للاستخدام الفوري و السريع .. والإشباع اللحظي .. و النتائج التي لا تحتاج لجهد طويل … بل صار الحُبّ مخيفاً كالموت .. و ربما مات؟ لأنّ ذلك يتطلب أن تخرج من ذاتك لأجل أن تستكشف الذات الأخرى .. أيّ تستكشف العالم .. و تمنحها ما تملك بكرم .. و تمدّ لها اليد حين تحتاج يداً .. و تبسط لها الكتف حين تتعب ..]
ما عاد الأمر كذلك .. وقبله .. كان الفيلسوف الألماني (تيودور أدورنو) .. يقول:
[إن الوجه التافه و اليائس للحبّ يبدو كأنه المنتصر] ..

أمّا (سقراط) الذي كان يصف نفسه بأنه (مولد أرواح ) لم يقول شيئاً مختلفاً عن ذلك … مؤكداً:
[لقد أخطأ المدّاحون خطاً بالغاً حين زيّنوا الحب بكل أشكال الخير و الجّمال], أو أنهم .. في أفضل الأحوال .. لا يرون منه إلا جزءا من حقيقته … و الخطأ ينشأ من اعتبار وجود الحُبّ متحققاً حين نُحَبّ و ليس حين نُحِبّ]، و لا نعتقد أن كلامه هذا جاء نتيجة كارثة زواجه بـ (كسانتيب) .. تلك المرأة المريعة التي اعتادت أن تسكب على رأسه الماء القذر .. و توبخه أمام تلاميذه .. و لم يكن يملك سوى أن يقول لها: [كم من مطر خفيف غلب رياحا عاتية]!؟ كانت فكرته تلك تنسجم مع فلسفته ..
و انتهى به الأمر بأن حوّل الحُب إلى شأن ميتافيزيقي .. ينتمي للسماء .. و ليس إلى الأرض …!؟

يقول لنا الكتاب إنه رغم أنّ الحُبّ هو [الظرف القدري للسعادة عند البشر .. و العنصر الدائم لكلّ أشكال الدراما الأدبية .. فإنّ الفلاسفة قد أثاروه بتحفظ يشبه من يدخل إلى قفص الأسد .. و يخشى أن يؤكل حيا] .. و تفسير هذا الخوف عائد إلى (العقل)،، فهم ينظرون لهذه العاطفة بكثير من التعقل .. لأنهم مشغولون بتحرير الإنسان من كل أشكال العبودية ..

و الهرب من عبوديّة الحُب لا يمكن أن يتحقق .. سوى بطريقتين:
خيار الإيروتيكية .. أي الاستغراق في الحُب الجسدي من دون أيّة التزامات أخلاقيّة أو اجتماعيّة.
أو خيار الأفلاطونية .. أيّ التسامي على طريقة (جان جاك روسو) .. أو الشعراء العذريين.

وكلا الطريقتين وجهان لعملة واحدة؛
الأولى: هروب من الحُب عن طريق الجسد ..
الثانية: هروب من الحب عن طريق الروح ..

وكلاهما تحايل كبير على الذّات من خلال رفعها الوهمي .. و هما لا يؤدّيان غالباً سوى إلى الفناء المعنوي على شكل مرض أو جنون .. كما هوالحال في العشق الحقيقيّ .

و يبقى مسك الختام و القول الفصل لمن كان حبيباً و عاشقاً لله وحده ..

برغم ما قالوا و نظّروا عن الحُب

كقول سقراط : [الحُب جحيم]

وكقول شكسبير : [الحُب جنون]

و كقول أرسطو : [ألحُبّ لعنة].

بعكس ما قاله سيّدنا محمد إبن عبد الله (ص) ألذي بعثه الله لنشر الرحمة و المحبة و التواضع, حيث قال:

[لا تدخلو الجنة حتي تؤمنو ولا تؤمنو حتي تحابوا]

وسُئل النبي يوماً : [من هم أحبّ الناس إليك؟ قـال : فاطمة و بعلها و بنوها, و فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني].

و قال(ص) : [لا يؤمن أحدكم حتى يُحب في الله و يكره في الله].

لهذا .. ألحُبّ ليس بجحيم و ليس بلعنه و ليس بجنون كما يقول أشهر الفلاسفة و الفقهاء و المعممين في تناقض صارخ!

بل الحُب رحمة حسب رسالة رسولنا الكريم و بأمر الله العلي القدير الذي قال

[و ما أرسلناك (يا محمد) إلا رحمة للعالمين], مختصراً بذلك كل الهدف من الخلق.
بإختصار وجيز و مع كل ما بيّنت لكم: (الحُبّ حُبلى بآلهموم) و في نفس الوقت لا بُدّ منه و (من لا يتحسس وجود الرّحمة الذي هو نتاج للحُبّ بداخله؛ فأنه خارج عن طور الأيمان و الأنسانية) .

لذلك لا يمكن إخضاع (الحُبّ) للعقل و المعادلات المادية و الرياضية و كما السائد اليوم للأسف .. بل الحُبّ مُتمرّد و خطير على الدّوام, ما لم تتدخل المشيئة الألهيّة فيه لمباركته و لمعرفة كنهه و أسراره, لأن الحُبّ الحقيقي وحده يجعل عاقبة الأنسان خيراً في الدارين.
ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here