تسمية السنة،

 الدكتور صالح الورداني
———–
السنة في اللغة تعني الطريقة وهي تنطبق على الحسنة والسيئة منها..
قال الجرجاني:السنة في اللغة الطريقة مرضية كانت أو غير مرضية،وفي الشريعة هي الطريقة المسلوكة في الدين في غيرافتراض ولا وجوب..
انظرالتعريفات..
و قال ابن تيمية:السنة هى العادة وهى الطريق التي تتكرر لنوع الناس مما يعدونه عبادة أولا يعدونه عبادة..
انظراقتضاء الصراط المستقيم..
والسنة تأتي أيضاً بمعنى السيرة..
 انظرلسان العرب وكتب اللغة مادة سنة..
و جاء في القرآن قوله تعالى[قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ… ] آل عمران/137
و قوله[سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً] الإسراء/77
و قوله[سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً] الأحزاب/62
وجاء في الحديــث النبوي:لتتبعن سنن مـن كان قبلكم شــــبراً بشبر وذراع بذراع..
 رواه البخاري ومسلم..
 وجاء:من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة،ومن سن سنة
سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة..
رواه مسلم..
 وجاء:عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي..
 رواه الترمذي وأبو داوود..
والمقصود بالسنة في دائرة النصوص القرآنية والنبوية هوالمدلول اللغوي لا المدلول الاصطلاحي..
أما إطلاق كلمة سنة على الأحاديث النبوية فقد جاء متأخراً بعد القرن الأول،وقبل ذلك التاريخ لم تكن لكلمة سنة صلة بأي من الفرق والاتجاهات التي كانت سائدة في واقع المسلمين..
وبعد انتشارالأحاديث واعتبارها المصدرالثاني للتشريع بعد القرآن قام الفقهاء بابتداع تعريفين للسنة:
الأول:تعريف أهل الفقه:هى ما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها..
 وفي تعريف آخر:ما ثبت عن النبي  من غير افتراض ولا وجوب..
وقد تطلق عند الفقهاء على ما يقابل البدعة..
انظر كتب قواعد وأصول الفقه..
الثاني:تعريف أهل الأصول:هى ما ورد عن الرسول  من قول أو فعل أو تقرير ..
 انظر الموافقات للشاطبي والمستصفي للغزالي و كتب الأصول..
أما تسمية أهل السنة فقد برزت في العصر العباسي وارتبطت بأهل الحديث من الحنابلة ..
وهم الفئة التي تصدت لجمع الروايات والحفاظ عليها والتمسك بها ..
 قام المأمون العباسي بضرب أهل الحديث وتصفيتهم وقبض على إمامهم أحمد بن حنبل وسجنه وعذبه..
ولم يستطع الحنابلة البروز برواياتهم في عصرالمعتصم والواثق من بعده،حتى جاءالمتوكل فقام بنصرتهم
 فلقبوه بناصر السنة ثم القادر من بعده..
انظر كتب التاريخ سيرة المأمون وابن حنبل والمتوكل..
ثم ارتبطت بعد ذلك بالأشاعرة والماتريدية..
ودعمت الدول التي قامت في بلاد ما وراء النهر المذهب الحنفي والماتريدي،بينما دعمت دولة الأيوبيين والمماليك الشافعية والأشاعرة..
واعتبرت هذه الدول أن أهل السنة هم الماتريدية والأشاعرة،بينما دعمت الدول التى قامت فى بلاد المغرب والاندلس مذهب المالكية..
ودعمت الدولة العثمانية مذهب الأحناف لكونه يجيز تولي الخلافة لغير القرشى..
ويدرس الأزهرفي مصراليوم الأشاعرة والماتريدية على أنهما جناحا أهل السنة..
و تطورت بعد ذلك فكرة اهل السنة لتشمل أهل الحديث والمذاهب الأربعة والأشاعرة والماتريدية..
وفي العصر الحالي الذي ساد فيه الخط الوهابي الحنبلي كافة المؤسسات والرموزوالجماعات أصبح أهل السنة هم الحنابلة ابتداءً بابن حنبل وابن تيمية ونهاية بمحمد بن عبد الوهاب..
 ويقصد بهم هنا الوهابيين الذين يدعون تمثيل أهل السنة وينطقون بلسانهم في مواجهة الشيعة..
إن وجود أهل الحديث وأهل الرأي والمذاهب الأربعة والأشاعرة والماتريدية وابن تيمية وجماعته وابن عبد الوهاب وفرقته في الماضي،ووجود الجماعات المتناحرة في الحاضر من إخوان وجهاد وسلفيين وغيرهم،يدل على أن أهل السنة لم يكونوا جماعة واحدة في أي فترة من فترات التاريخ..
وأن هناك نزاع دائم بين هذه الفرق والاتجاهات حول استحقاق تسمية أهل السنة..
ويبدو ذلك بوضوح من خلال تلك المواقف المتطرفة التي تبناها أهل الحديث من الحنابلة وغيرهم تجاه المخالفين لهم في الماضي،حيث اعتبروهم من المبتدعة الضالين،واعتبروا أنفسهم أهل الحق والفرقة الناجية من النار..
وقد انعكس هذا الموقف على الجماعات المعاصرة التي تبنت نفس المواقف من المخالفين لها..
 انظر كتب الفرق والشرح والإبانة لابن بطة،وشرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي،وعقيدة أهل السنةلابن حنبل،وأصول عقائد أهل السنة للأشعري،وشرح السنة للبغوي،والعقيدة الواسطية لابن تيمية..
و مما سبق يمكن القول أن تسمية السنة برزت في واقع المسلمين مع ظهور حركة تدوين الأحاديث وجمع الروايات على يد الحنابلة بداية..
من هنا فهى تسمية خاصة وليست عامة،وإن كانت قد عممت فيما بعد لتشمل فرقاً واتجاهات متعددة..
وإن كانت هذه التسمية قد ارتبطت بالأحاديث وتدوينها والتمسك بها،فإن الشيعة قد ارتبطوا بالسنة ودونوها وتمسكوا بها أيضاً..
و كما أن أهل السنة يتمسكون بالكتاب والسنة كمصدرين للتشريع، فإن الشيعة يتمسكون أيضاً بنفس المصدرين..
ومن هنا يتبين لنا أن السني هو شيعي في الحقيقة، والشيعي هو سني..
و السؤال الذي يفرض نفسه هناهو:لماذا التصقت تسمية أهل السنة باتجاه واحد فقط،ولم تلتصق بأي من الاتجاهات الأخرى التي تتبنى الكتاب والسنة..؟
و الجواب إن اتجاه أهل السنة الذي تركز في الحنابلة،أو المذاهب الأربعة أوالاشاعرة والماتريدية والوهابية من بعدهم دعم من قبل الحكام،وأحاطت به صور الدعاية والترويج وفتحت أمامه أبواب الانتشار والشيوع
دون غيره من الاتجاهات الأخرى،فهو قد علا  وساد بفعل عوامل و مقومات لم تتوافر للآخرين..
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here