تسمية الشيعة

تسمية الشيعة، الدكتور صالح الورداني
————
كان من نتيجة حالة العداء التي سادت واقع المسلمين ضد الشيعة،وحملات الدعاية المضادة التي استمرت
لقرون طويلة،ولاتزال آثارها ممتدة حتى اليوم – أن أصبحت كلمة الشيعة تعني الزيغ والضلال والانحراف..
وقد نبع هذا التصور من حالة الاعتياد على نهج ثابت ومذهب واحد شاع بين المسلمين عبر القرون ترعرعوا في ظله وارتووا من معينه،وبات من المسلمات أنه الجهة الشرعية الوحيدة المعبرة عن الإسلام والناطقة
بلسانه..
و نبع أيضاً من اختفاء الشيعة وعدم امتلاكهم القدرة للدفاع عن أنفسهم مما ساعد على انتشار الشائعات وإثارة الشبهات من حولهم..
من هنا أردنا من خلال هذا الباب أن نلقي الضوء على أصل تسمية الشيعة وجذورها وهل كلمة شيعة بدعة مختلقة..؟
وفي المقابل لابد لنا من إلقاء الضوءعلى أصل تسمية السنة وجذورها..
و متى برزت هذه التسميات في واقع المسلمين..؟
تسمية الشيعـة
ارتبطت كثير من التسميات السائدة في عالم الفرق عبرالتاريخ بالأشخاص الذين تزعموها وأبرزوها وسط المسلمين..
على مستوى الشيعة:
أطلقت تسمية الكيسانية نسبة إلى كيسان..
وهو مولى الإمام علي ويقال إن هذه الفرقة تولدت من ثورة المختار بن عبيد الثقفي الذي خرج يطالب بدم الحسين..
والزيدية نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين..
ذكرت كتب الفرق والتاريخ أن زيد اختلف مع الشيعة بسبب الموقف من أبي بكر وقوله بجواز إمامته فرفضه الشيعة ومن هنا نشأت فرقة الزيدية..
وكلمة رافضة التي ارتبطت بالشيعة أيضاً..
والسبئية نسبة إلى عبد الله بن سبأ..
والجعفرية نسبة إلى جعفر بن محمد الصادق..
وهو ولايمثل فرقة قائمة بذاتها كما تصور كتب الفرق ..
والإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق..
وعلى مستوى السنة:
أطلقت تسمية المالكية نسبة إلى مالك بن أنس (ت 179 هـ)
وتسمية الحنفية نسبة إلى أبي حنيفة النعمان (ت 150هـ)
والشافعية نسبة إلى محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ)
والحنبلية نسبة إلى أحمد بن حنبل (ت241 هـ)
والأشاعرة نسبة إلى أبي الحسن الأشعري (ت 324 هـ)
والماتريدية نسبة إلى محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (ت 333 هـ)
والظاهرية نسبة إلى سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني (ت 275 ه)
والوهابية نسبة إلى محمد بن عبد الوهاب (ت 1206هـ)
ويلاحظ أن التسميات التي ارتبطت بالأشخاص هى التي سادت والتصقت بكثير من الفرق والاتجاهات،بينما أصل المعتقد و التصور لم يكن له دور في هذه التسميات،كذلك هناك تسميات ارتبطت بحوادث معينة صاحبت بعض الفرق والاتجاهات ولم يكن لها صلة بأصل المعتقد..
فتسمية المعتزلة ارتبطت بأهل العدل و التوحيد نسبة إلى القصة المشهورة الخاصة بواصل بن عطاء التي اعتزل فيها مجلس الحسن البصري..
و تسمية الخوارج ارتبطت بالمحكمة نسبة إلى قصتهم في الخروج على الإمام علي..
و تشهد الوقائع التأريخية أن التشيع لأهل البيت كمعتقد سبق تسمية الشيعة و تسمية السنة ومعتقدها أيضاً..
و تشهد المصادر السنية بأعلمية الإمام علي وتفوقه على أقرانه من الصحابة،ذلك التفوق الذي جعل كتلة من الصحابة تتحزب له وتواليه في حياة الرسول (ص) وبعد وفاته..
و مثل هذا الوضع المتميز للإمام علي هو الذي أنبت بذرة التشيع له ولأبنائه بمباركة الرسول مما يعني أن لشيعة كحزب وتكتل برز في عهده وتحت رعايته..
والنصوص الواردة على لسانه لم تكن سوى صورة من صور الدعم لهذا الاتجاه..
أما الشيعة كلفظ فهي ليست من اختراع أبناء المذهب،وإنما هي كلمة عربية متداولة ورائجة في لسان العرب
في الجاهلية والإسلام،وإن كانت التصقت بالمتبعين للإمام علي في حياته،والمتبعين لأبنائه بعد وفاته..
وأصل الشيعة من المشايعة وهي المتابعة و المطاوعة،و شايعه صحبه و أيده،وهي دلالة على الموالاة والمناصرة كما جاء في كتب اللغة مادة (شيع)..
قال أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة:إن الشيعة لقب قوم كانوا قد ألفوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حياة الرسول وعرفوا به مثل سلمان الفارسي وأبي ذرالغفاري والمقداد بن الأسود وعمار بن ياسر وغيرهم..
وكانوا يقال لهم:شيعة علي وأصحاب علي..
و قال أبو نعيم الأصفهاني في حلية الاولياءعن مجاهد بن جبر:شيعة علي الحلماء والعلماء الذابلي الشفاة الأخيار الذين يعرفون بالرهبانية من أثر العبادة..
وروى ابن الاثير في الكامل: أن علياً نظر إلى قوم ببابه فقال لقنبر مولاه: من هؤلاء..؟
قال: شيعتك يا أمير المؤمنين..
قال:وما لي لا أرى فيهم سيماء الشيعة..؟
فقال:وماسيماهم..؟
قال:خمص البطون من الطوى،يبس الشفاة من الظمأ،عمش العيون من البكا..
و قد ورد لفظ شيعة في القرآن تسع مرات..
وحول قولـه تعالى[إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ]
قال الحكيم الترمذي في تحصيل نظائرالقرآن: أما قوله شيعاً على كذا وجه،فالشيعة:واحدة وجماعتها شيعاً،.
والشيعة كل فرقة شايع بعضهم بعضاً،أي شاع قول كل واحد منهم في قول الآخر، فصاروا مختلطين قولاً وفعلاً،فهم شيعة بالاختلاط،ولذلك يقال للشيء بين شركاء:شائع غير مقسوم،ويقال شاع هذا الأمر في الناس،لتفرقه واختلاط الخبر بأسماعهم وقلوبهم..
وللشيعة نظيرين في الدلالة القرآنيةهما:الفرق،وأهل الدين..
و ذهب ابن خلدون إلى أن الشيعة ظهرت في أيام الشورى،وأن هناك جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعلي،و يرون أنه أحق بالخلافة من غيره ولما عدل بها عنه على غيره تأففوا وأسفوا كالزبير وعماروالمقداد وغيرهم..
انظر العبر..
و ذهب ابن حزم إلى أن الشيعة ظهرت بعد مقتل عثمان..
انظرالفصل في الملل و النحل..
و ذهب ابن النديم إلى أن الشيعة نشأت بعد خلاف طلحه والزبير مع الإمام علي وتمردهما عليه..
انظرالفهرست..
وتسمية شيعة لم تكن ترتبط بالإمام علي خاصة في حياته،فقد كان هناك شيعه لأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعائشة،فمن ثم كانت هذه التسمية سيراً مع المدلول اللغوي مشاعاً لكل فئة وحزب يناصر شخصاً أوفكرة أومعتقد..
و تشير بعض الدلائل التأريخية إلى أن تسمية الشيعة قد التصقت بالموالين للإمام علي وأبنائه لأول مرة في ابتداء حركة المختار بن يوسف الثقفي التي عرفت بحركة التوابين عام 61هـ التي قامت من أجـــــل الثأر للحسين من قتلته..
وأن قائد هذه الحركة كان يلقب بشيخ الشيعة وهو سليمان بن صرد الخزاعي
روى البلاذري في انساب الأشراف : تلاقت الشيعة بالتلاوم والندم – أي بعد قتل الحسين – ففزعوا إلى خمسة نفر من رؤوس الشيعة وهم: سليمان بن صرد الخزاعي،وكانت له صحبة – أي بالرسول – والمسيب بن نجبة الفزاري،
وكان من أخيار صحابة علي،وعبد الله بن نفيل الأسدي وعبد الله بن وال التميمي ورفاعة بن شداد البجلي،فاجتمع هؤلاء النفر في منزل سليمان بن صرد ومعهم ناس من وجوه الشيعة..
إلا أن تحديد تاريخ التصاق تسمية الشيعة بأتباع الإمام علي وأهل البيت ليس هو القضية،وإن كانت هذه التسمية قد التصقت بطائفة الإثني عشرية التي تمثل أغلبية الشيعة في العالم اليوم،من دون بقية طوائف الشيعة الأخرى التي لا تزال لها بقايا وتتسمى بأسماء أئمتها..
مثل الإسماعيلية والنصيرية العلوية..
و الخلاصة أن كل مسلم في حقيقة الأمر هو شيعي من حيث المدلول اللغوي لكلمة شيعة..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here