كيفيّة ألتّخلص من آلكارثة ألعراقيّة؟ ألقسم ألأوّل

كيفيّة ألتّخلص من آلكارثة ألعراقيّة؟ ألقسم ألأوّل

ألجّريمة الكبرى ألأخيرة بحقّ الشّعب : تخفيض قيمة العملة الوطنية :
لماذا العراق ألغنيّ بثرواته ونفطه و آثاره يعيش مسـتضعفاً ومعوقاً؟
حكمة كونية : [نظرية ألرّشيناليزم كانت منحصرة بسياسة البنك الدّولي, ثمّ شملت كلّ حكومة إستدانت منها لينتشر الظلم](1).

من المعروف حدوث أخطاء كبيرة من قبل ما سميّ بمسؤولي آلعملية السياسيّة و إنتخاب الحكومات بآلتحاصص .. أخطاءٌ ليست فقط صعبة الحلّ, بل تشعبت آثارها و إمتداداتها لكل مدينة وزاوية, بسبب خاصيّة التفاقم للمظالم التي رافقتها, ممّا سبّبت إستحالة الحلّ الجذري لها, و من تلك الأنحرافات التي أشرنا لها سابقا؛ مسألة التحاصص و تقسيم المناصب على الأحزاب, بمعنى إنّ المعيار في إنتخاب المسؤول و الكتلة حتى بعد إجراء الانتخابات؛ لم يعد مقياس الأمانة و الكفاءة و النزاهة و الشعبية و الفوز بآلأكثرية؛ إنما مقياس العمالة و الكميّات و الأعداد و النسب و النهب التي قسّمت و شطرت قوّة النظام و أضاعت حقوق و كرامة الناس, فكان ذلك سبباً لضعف العراق وتعاظم الفساد من كل حدب و صوب , لهذا باتت رئاسة الجمهورية مخصصة للأكراد وهي لا تستحقها بكل المقايس , و باتت رئاسة الحكومة للشيعة لحزب الدعوة الفاقدة بقياداتها للكفاآت والأمانة .. خصوصا في أعضائها و نهجها, أما البرلمان فصار من نصيب فئة لا تعرف سوى آلذبح و التكبر و القتل والخيانة و تدمير الآخر حتى لو كان نبياً مرسلا من السماء أو منتخباً من الاكثرية و تلك طبيعة الحُكام الذين حكموا و ما زالوا يحكمون العراق بحسب توصيات الأنكليز المدروسة حتى أوصلوه للحضيض!

و آلخطأ الآخر و الأكبر؛ هو إستدانة الأموال من البنك الأستكباري العالمي لسد العجز في الميزانية .. بينما الحل كان ممكناً بتغيير برامج الميزانية و تقسيماتها و محاكمة المفسدين الذين سرقوا أكثر من ترليون دولار و غيرها من وسائل الحل ألممكنة .. و الخطأ القاتل الآخر للحكومة العراقية هو خفض قيمة العملة الوطنية .. و هذه الجرائم و مثيلاتها هي التي أوصلت العراق لهذا اليوم ألأسود الذي بات فيه أغنى بلد في العالم يعيش شعبه الجوع و المرض و آلفقر و العوق الجسمي و الروحي لفساد الحاكمين و سياستهم الفاقدة للأمانة و الكفاءة و الدّين رغم إدّعائهم و تعصبهم بآلظاهر.

في السابق تكلمنا بآلتفصيل عن تلك الجرائم و منذ سقوط النظام و للآن و قدمنا دراسات عديدة لإنقاذ الوضع و كان الحل ممكناً و سهلا في وقتها, لكن بسبب الأميّة الفكريّة التي ميزت أعضاء الأحزاب و قياداتها فقد فشلوا في تطبيق الحلول و البدائل .. و ربما لم يدركوها جيدأً بسبب الأمية الفكرية و صبّوا ثقلهم على تصويب قوانين تضمن نهبهم و رواتبهم و تقاعدهم و فسادهم فقط و رحلوا لتحل جماعة أخرى بدلهم .. غير آسفين لأنّ طبيعة المنافق الظالم الفاسد هو هكذا يخرّب و يستبدل الباطل بآلحق و يقدم الأراذل و يعزّهم و يبعد الأفاضل و يضعّفهم و يستكبر عليهم.

و في هذا المقال؛ سنتحدث عن أبعاد و مضار تخفيض (قيمة العملة الوطنية) التي فهمها الحُكام كما غيرهم بآلمقلوب لجهلهم ونفاقهم!؟

فما معنى و طريقة تخفيض قيمة العملة الوطنية؟
و ما هي تأثيراتهــا على الفقــراء ألمسـتضعفين؟
و هل الحلّ العكسي بزيادة قيمة العملة هي الحل؟

معنى تخفيض قيمة العملة الوطنيّة:

قبل بيان معنى وهدف تخفيض قيمة العملة الوطنية؛ أودّ تذكير السّاعين لتثقيف أنفسهم بحسب المدارج الكونيّة؛ بأنّ سبب محنتنا, هو:

– ألجّهل ألتكوينيّ كقرين للظلم بحسب المعايير الكونيّة و التي يشترك فيها جميع ألبشر بمن فيهم القائمين على التربية و التعليم.
– خلط (الحقّ مع الباطل) وهو أسوء من الباطل نفسه لأنك يمكنك كشف الباطل بسهولة لوحده في لحظة نورانية أو يقظة تسبب الهداية, لكن يستحيل كشف الحق إذا كان مختلطاً بآلباطل, و للأعلام الموجّه و المنبر المتعصب دورٌ كبير في إفساد عقيدة الناس لأنه ليس لله.
– كثرة القيادات و الأحزاب و المرجعيّات و القوى العميلة الحاكمة و كل جهة منها تُبرر مواقفها بإعجوبة يحتال معها حتى على نفسه!
– ألدِّين التقليدي المؤدلج حيث كلّ جهة تعتبر نفسها هي الفرقة الناجية أو الحزب الناجي وترى البقية – دعهم يعملون – فمصيرهم النار.
– الكل مُتديّنون و مُحبّون لأهل البيت(ع) خصوصاً ألشّيعة, وهذا الدِّين فاعل وملزم حتى تداخله مع حدود (المال و آلمعاملة) فأنه ينفصل عنهما ليكون الحاكم هو النفس!

لأنّ تفعيل الدّين فيهما – أيّ في المال و المعاملة – بدل النفس و المصالح الشخصية و الحزبية الضيقة؛ من شأنه إيصال ألخسارة و الضرر (للمؤمن الملتزم) كما (للكافر و الملحد و الوطني و القومجي الحزبي), و لهذا كان (تخفيض قيمة العملة الوطنية حلال زلال بل و جهاد) لأنه يصبّ في جيوب المُتحاصصين الملحدين و الوطنيين و المتديّنين على حد سواء .. و يُسبب فقط الظلم و الحيف و الجوع على الطبقة الفقيرة التي تمثل الأكثرية لكنها لا تعرف خفايا هذه المعاملات و التبدلات و المؤآمرات بسبب جهلها, لهذا يجوز هضم حقوقها!

إن تخفيض (قيمة العملة الوطنية) ، في دول الاقتصادات المتخلفة و الريعية (التي يسمّونها : دول نامية أو متخلفة) كآلعراق، هو دليل على فشل السياسات الاقتصاديّة و الماليّة و النقديّة للدّولة ، و هو إجراء يضرّ بمجمل الاقتصاد الوطني مباشرةً ، و يُلحق أضرارا جسيمة بالمستوى المعيشي لأغلبية الشعب من محدودي الدخل خصوصا ، و ذلك كنتيجة لارتفاع تكلفة الإنتاج و زيادة أسعار الفائدة و قيمة العملة الأجنبية التي يكون أمرها بيد الحكومة التي تبيعها للشعب بسعر غير منصف فيهبط سعر العملة الوطنية ، و بالتالي ارتفاع أسعار البضائع، ممّا ينعكس سلبا على مستوى القدرة الشرائية لأغلب الشرائح الاجتماعية من المستهلكين الفقراء ذوي الدخل المحدود.

بينما هناك حل منصف و عادل للأزمة التي قوّضت حياة الناس و دمرت أكثر قطاعات الشعب العراقي الفقير المكابد لأنواع البلاء, سنبينهُ فيما بعد تفصيلا و بإسلوب بسيط يفهمه و يدركه جميع المستويات حتى عوام الناس إن شاء الله ليكون على بيّنة من فساد المتحاصصين و ظلهم بحق الشعب .

لقد عرفتم و الناس جميعاً بأنّ العراق و نتيجة حكومة الدولة الجاهلة التي حكمت و تحكم العراقيين منذ قرون؛ قد تسبب في عجز كبير لميزانيتها و صلت لـ 50 مليار دولار أخيراً, حيث بدأ هذا العجز بوضوح منذ حكومة ألسّيد المالكي التي مهد لأرضيّتها السّيد الجعفري و إستمر العجز و الفساد حتى يومنا هذا .. نتيجة الأميّة الفكريّة التي ميّزتهم في مجال الاقتصاد و السياسة و الأدارة و غيرها بسبب العقيدة التي حملوها و التي نظّمت تلك المجالات كحال جميع أقرانهم الذين حكموا و نهبوا خلال الرئاسات ثم رحلوا محمّلين بأموال الفقراء لجيوبهم و لمستقبل أبنائهم و ذويهم و بلا عودة.

و قد تجلى هذا الوضع الخطير بشكل أوضح عندما رشحت الأحزاب الشيعية أخيراً ألسيد الكاظمي لرئاسة الوزراء بإعتباره أفضل العقول المفكرة بنظرهم في الوسط الشيعي – يا للمأساة – ؛ فقد إستمرّ بنفس سياسة ألفساد التي إعتمدها الذين عيّنوه على الصعيد الأقتصادي, فكانت أوّل خطوة له, هي: محاولة سدّ العجز الكبير في ميزانية 2021م لكن بإسلوب مُدمر و خاطئ شبيه بأساليب السّابقين, و هو اللجوء لصندون النقد(النكد) الأستكباري, ألذي يحصل بآلأضافة على فوائد وصلت الآن لأكثر من 5 مليار دولار كل مرة من غير التبعات الأخرى التي ستكون كارثة الكوارث على العراق و منها إخضاع العراق كله لهيمنتهم بآلكامل حتى في تعيين موظف أو فصله!

هذا .. رغم إننا عرضنا في وقت مبكر بعد سقوط صدام و بإسلوب علمي مُبسّط الحلول الإنسانية العادلة لحل أزمة العجز .. لكن كيف يتم حلّ الأزمة مع رؤوساء لا يعرفون حلّ معادلة رياضية من الدّرجة الثانية وكذا جهلهم بأبسط النظريات الأجتماعية التي تحدد مسير أمة!؟

مشكلة المشاكل في الأقتصاد ألعراقيّ :

حكمة:[صلاح أيّة أمة يُعرف من خلال رخص أسعارهم]

في مقال سابق وصفت فيه مشروع موازنة 2021 بـ (موازنة المستكبرين) بسبب المتناقضات و الظلم الذي رافقه مع التبعات الظالمة القادمة .. فقد قدّمت الحكومة مشروع موازنة إدّعت فيها انها موازنة تقشفيّة بامتياز, لكن واقع الحال يقول عكس ذلك تماما! فمشروع قانون الموازنة هو مشروع وضعت فيه الحكومة مصالحها ومصالح الأحزاب في كفة و مصالح الشعب العراقي كلّه في الكفة آلأخرى!ّ

و من أظلم ألفقرات التي تمسّ أساس الأقتصاد العراقي بعد التخصيصات؛ هي مسألة تمويل ألاحزاب والتنظيمات السياسية في مشروع موازنة 2021م والتي تتضمنها كل موازنة استناداً لـ [قانون الاحزاب المرقم 36 لسنة 2015 المادة 33 فقرة 4] والتي نصّت على ما يلي؛ [تُقدّم الحكومة إعانات مالية من الموازنة العامة للدّولة بموجب المعايير الواردة في هذا القانون)] بما فيها موازنة عام 2021م بحجة ان هذه الفقرة وردت ضمن قانون الاحزاب النافذ] و تناست .. بل تغافلت عن كون إستقطاعات رواتب الموظفين التي اقترحتها الموازنة؛ يتمّ استقطاعها ضمن قانون ضريبة الدّخل المرقم 113 لسنة 1982 المعدل, و هي ضربات موجعة بل و قاتلة للفقراء و الأرامل و آلثكلى و المتقاعدين و ذوي الدخل المحدود! و ان رواتب المتقاعدين لا يجوز استقطاع ايّ ضريبة منها كون المتقاعدون قد دفعوا التوقيفات التقاعديّة عنها أثناء وجودهم في الخدمة من كدّ عملهم و حقهم, والسؤال المهم ألذي يفرض نفسه هو؛

لماذا هذا التغافل المتعمد عن الدعم المالي الذي يُقدم للأحزاب و حتى لأناس لم يروا العراق مرة واحدة و الكتل السياسية و التي تتضمنه الموازنات منذ 2015 ولحد الان .. بينما جميع أعضاء تلك الأحزاب يدّعون الإيمان و الجهاد و التضحية في سبيل الشعب, و هنا لا ندعوا الآن قطع تلك المساعدة إلا بشرطها و شروطها, و من شروطها محاسبة و مصادرة أموال جميع المتحاصصين الكبار و من حولهم, لأنهم هم المضرّين بآلشعب قبل أيّة جهة داخلية أو خارجيةَ أخرى .. بل أكثرهم كان يعمل مع تنظيمات البعث الأرهابية, و بعدها يأتي دور الأعضاء الصغار, ليمكننا من إقامة دولة عادلة بمؤسساتها و قوانينها العادلة التي تشمل الجميع, لا فقط العتاوي الكبار من دون الباقيين الذين و إن كانوا يتمتعون براتب معين, لكنهم لا يعيشون بآلمواصفات التي حددتها اليونسيف من ناحية الحقوق الطبيعية!

إن ذلك التغافل والدعم السخي الذي تقدمه الحكومة للاحزاب كمعونات مالية جعلت الاحزاب الحاكمة الحالية تنشطر انشطاراً أميبيا للحصول على ذاك المال المجاني وأكثر و بلا مقابل, ممّا تسبب في تعدد و إزدياد تشكيل احزاب وكتل سياسية جديدة لغرض الدخول في الانتخابات بغية الحصول على الوزارت والمناصب السيادية بكل الوسائل حتى وصل عدد الاحزاب المسجلة في مفوضية الانتخابات الآن الى اكثر من 400 حزب و كيان سياسي بينما دولة كندا و بريطانيا نرى حزبين فقط هما حزب المحافظين وحزب العمال يتناوبان على السلطة بظل قانون ثابت فيها العدالة النسبية, بعكس العراق الذي يتحكم فيه قانون 90% من بنوده لصالح جيوب الحاكمين و آلأحزاب!
وهكذا باقي دول العالم (الكافرة) كأمريكا فيها حزبين فقط ؛ الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري, بشعار الحمار و الفيل لخدمة الناس!

حتى وصل الامر لرئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي هو الآخر شكل حزبا سياسيا جديداً مع مليشيات كأقرانه برئاسة مدير مكتبه القاضي (رائد جوحي) للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة والمقرر اجراءها في حزيران عام 2021 تحت مسمى (حزب التجمع الوطني) اضافة الى تأسيس احزاب جديدة هي بالاساس خرجت من عباءة أحزاب قائمة لا زالت في السلطة
كحزب اقتدار الذي يتزعمه الوزير الاسبق السيد عبد الحسين عبطان وهو “قيادي” سابق في المجلس الأعلى(خان جغان) و من ثمّ في تيار الحكمة ، حزب (وعي) الذي يتزعمه السيد صلاح العرباوي وهو قيادي أسبق في حركة فرسان الأمل احدى كيانات المجلس الاعلى السابق ومن ثم تيار الحكمة ، حزب (بداية) يتزعمه السيد محمد الربيعي قيادي اسبق في تيار الحكمة ، حزب تصحيح يتزعمه الشيخان همام حمودي وجلال الدين الصغير وهما من قيادات – أموت في القيادات – المجلس الاعلى الاسلامي السابق ، (أنجاز) يتزعمه السيد باقر جبر صولاغ قيادي اسبق في المجلس الأعلى, بآلمناسبة القيادي جبر صولاغ هو الذي فتح باب القروض لإفلاس العراق!
حزب حقوقيون يتزعمه السيد فالح الفياض القيادي السابق في حزب الدعوة ، حزب الفراتين يتزعمه النائب الحالي السيد محمد شياع ألسّوداني القيادي السابق في حزب الدعوة ولو نظرنا لهذه الاحزاب لوجدناها قد خرجت من رحم احزاب وتيارات سابقة ليس فقط لم تقدم ايّ مشروع للمواطن العراقي, بل جعلوه مديناً والأجيال اللاحقة بمئات المليارات بلا رحمة لملأ جيوب “القيادات” العراقية الفاسدة.

و من ناحية اخرى فان مشروع قانون الموازنة الذي يناقشه مجلس النواب العراقي ألان يُثقل كاهل الفقراء ويزيدهم فقرآ من خلال زيادة استقطاعات تفرض على رواتب الموظفين والمتقاعدين و رفع سعر صرف الدولار الى 1500 دينار تقريباً بدلاً من 1100 دينار ممّا جعل اسعار السلع والبضائع والخدمات ترتفع بشكل جنوني وحاد, وبالتالي زادت نسبة الفقر في العراق الى اكثر من 32%.

ألحل الوحيد والأمثل لدرأ ولو جانب من هذه المحنة, هي: دعوتي لمجلس النواب وهو يُناقش مشروع قانون الموازنة؛ الى إلغاء الدعم الماليّ للكتل والأحزاب ألسّياسية المتضمن في الموازنة بشرطها و شروطها ورفع الغبن عن فُقراء الشعب واستقطاع أي مبلغ من رواتب الموظفين والمتقاعدين وإعادة قيمة الدّولار الى ما كان عليه لإستقرار السوق وخفظ الاسعار وبالتالي تقليص عدد الاحزاب والكتل السياسية من جهة وترشيد النفقات وضغطها من جهة اخرى لتكون الموازنة فعلا تقشفيّة لا إنفجاريّة على حساب الفقراء!

و في حالة واحدة فقط ، قد يكون تخفيض قيمة العملة الوطنيّة تدبيراً إقتصادياً مجدياً ، و ذلك في حالة كون الدّولةُ غير مدينة و مُتقدمة صناعياً و زراعياً تعتمد على نفسها في سد حاجات البلد و تنتج ما يفيض عن حاجتها الاستهلاكية ، بعد تغطية الطلب المحلي – إلى حدٍّ ما – على مختلف السلع أو بعضها الأساسي ؛ فتعمد من ثَمّ إلى تخفيض (مدروس) لقيمة عملتها، بهدف رفع مستوى الإنتاج و الإنتاجية أو التوسعة الصناعية ، و دعم القدرة التصديرية للمنتَج المحلي، و تحفيز الإقبال الأجنبي على منتجاتها الصناعية و الزراعية القادرة على المنافسة في الأسواق العالمية ، حيث إن تخفيض قيمة العملة الوطنية يشجع المستوردين الأجانب على شراء السلع الوطنية.

أمّا في الحالة العراقيّة الغاطسة بآلدّيون مع فقدان المنتجات الصناعيّة القابلة للتصدير أو المنافسة أو حتى سدّ الحاجة المحلية، لأن كل شيء يُستورد من الخارج ، بما في ذلك المواد الغذائية نصف المصنّعة و (المغشوشة) كالعصائر و الحليب المسترجَع المنتهي للصلاحية و كذلك الأدوية و الأثاث و حتى الأبرة و النعال, والمنتجات الزراعية والصناعية ؛ فإن وضع العراق ليس فقط لا يسمح لخفض قيمة العملة الوطنية .. بل لا نحص على أي مردود إيجابي على وجه الإطلاق .. وما هو إلا محاولة إلتفافيّة لإنقاذ الحكومة الفاسدة، من مأزق عجز الموازنة لجيوبهم، بتحميل الفقراء دفع فاتورة الفساد الحكوميّ و النهب ألراسماليّ من قبل قادة الأحزاب الفاسدة بلا إستثناء.

وحتى لا يسجل علينا التاريخ أننا كنا شهود زور وشياطين خرساء, عندما أجمع إتفاق حكام نظام ألغنائم (الرئاسات الأربعة و توابعها), ومعهم رئيس ألبنك المركزيّ و غيرها من المديريات و المؤسسات السيّاحية و الحدودية .. إلخ, على تخفيض قيمة العملة الوطنيّة إلى النصف تقريباً, بواسطة فرض الضرائب و الإستقطاعات الخاصة على مبيعات النقد الأجنبي وتضعيف الدّينار، بنسبة عالية تتجاوز المائة بآلمائة، وتحت إشراف صندوق (النكد) النقد الدّولي، باسم؛ الإصلاحات الاقتصاديّة فقد ؛ كتبنا في حينه كما الأن، دحضاً لحججهم التبريرية؛ إنّهُ ليس لإصلاحاتهم الإقتصادية، و إن أكبر خدعة و كذبة لإصلاحاتهم الصناعية و الكهربائيّة و الاقتصادية والزراعية المزعومة, هي مناداتهم بالقضاء على الفساد .. وأن كل ذلك مردود عليهم بأن التشوه الوحيد الذي تجب إزالته، هو:

[وجودهم – المتحاصصون – كحكام فاسدين]؛ ذلك أن معالجة التشوهات المختلفة الصناعية و الكهربائية و الزراعية و المالية و الاقتصادية الهيكلية بتخفيض (قيمة الدينار أمام الدولار)؛ لن توقف عمليات الفساد و تهريب العملة للدول المجاورة و للندن وسويسرا، و لن تحدّ من ممارسات الفساد، بل ستُعمق حدّة الأزمة المالية (المفتعلة أصلاً)، و ستدعم نشاط المضاربة بالعملة في السوق السوداء ، و ما هي في حقيقتها إلا سرقات بالإكراه ، لاستنزاف دنانير المستهلكين الفقراء و إعادة ضخها في خزائن و حسابات السياسيين التجار، و إن أقصى فائدة منها هي ربما انفراج مؤقت و محدود – و مشوّه و كيدي – في أزمة السيولة النقدية .. لا يلبث أن يظهر حتى يتلاشى ..

و كما توقعنا و حذّرنا منذ 15 عام؛ فها هم حكام نظام الغنائم في العراق، بعد فشل إصلاحاتهم الاقتصاديّة الترقيعيّة في تحقيق ما روّجوا له من أوهام تعافي الاقتصاد الوطني – و بالرغم من الأضرار الفادحة لتدابير التقشف الجائرة التي فرضوها على الشعب المفقر – حتى إنّ الأغلبية باتت عاجزة عن تأمين الحدّ الأدنى من متطلبات البقاء على قيد الحياة (و النتيجة انهيار قيمي مرعب)؛ يذهبون – بالإجماع – إلى ارتكاب حماقة ما يسمى بتوحيد سعر ألصرف ، بكل ما طبع نظام حكمهم من الاستبداد و الفساد و الفشل!؟

في بلد يحكمه (حكام الأمر الواقع) أو تُجّار السيا؛ بات يفتقد كليا إلى الأمان و الحرية على كل صعيد .. بعد ما إتفق جميع المتحاصصين الفاسدين على ذبح المواطن – إفقارا و تجويعا – من الوريد إلى الوريد ، يوحّدهم البقاء في السلطة بكل وسيلة ميكافللية ممكنة، لينعموا هم و أولادهم برفاهية العيش في قصورهم الفخمة و استراحاتهم (الترفيهية) بالداخل و الخارج, إلى جانب رواتبهم التقاعدية التي فيها يتقاضون – بآلأرقام الفلكية من خزانة البنك المركزي العائدة أساسا للشعب، فقد أكّدت الاحصاآت العلميّة التي قمنا بها – بأنّ 34% من ميزانية العراق تذهب للرئاسات الثلاث مع هيئة القضاء الأعلى – إلى جانب مشاركتهم بنهب البقية الباقية لأعضائهم و حماياتهم!

و السؤال الذي يطرح نفسه أساساً, هو:

هل تخفيض (قيمة العملة الوطنية) هو الحلّ الحقيقيّ لعلاج الاختلالات و التشوهات الاقتصاديّة و الازمة المالية، أمْ أنّ الحلّ الحقيقيّ هو (تخفيض الحكام و ذيولهم الطفيلييون الذين ليس فقط لا فائدة من وجودهم, بل يمثلون إستهلاكاً لحقوق الفقراء و العراق عموماً) لكونهم مستهلكين و فوضويين و أمّيون فكرياً, لذلك يجب محاكمة جميع الذي حكموا وذيولهم من مجلس الحكم وللآن ومصادرة أموالهم ألمليارية التي وصلت بآلمجموع لترليون دولار و ربع الترليون, وضعت جميعها بإسماء أبنائهم و أصهارهم و أحفادهم من أولاد الحرام.

ملاحظة أخيرة معروفة إعتماداً على رأي المُختصّين:

عندما يكون مُعدّل ألتضخم أعلى من 3% ، فذلك يعنى أنهُ على (آلبنك المركزي معالجة الوضع الاقتصادي بما يلزم من أدوات السياسة النقدية)، كما يجب على الحكومة ترشيد السياسة المالية وضبط الإنفاق و مكافحة الفساد بحسب ما بيّنا تحسباً لانهيار الاقتصاد الوطني,
لأنّ حجم ألتضخم في العراق قد تجاوز سطح 30% منذ عام 2017م و هو في إزدياد مضطرد ، نتيجة تفشي ظاهرة الفساد المالي في أجهزة الدولة بشكل رهيب، بالترافق مع السياسات الاقتصاديّة و الماليّة و النقدية الخاطئة لحكومة (المُتحاصصين) الذين جميعهم إتفقوا على أصل واحد, و هو : [إعطاء إقليم كردستان كلّ ما يطلبون] كحقّ لسكوتهم لادامة فسادهم, و هذا هو الأصل الوحيد الذي أتفقوا عليه بلا نقاش أو إعتراض ما دامت الأموال تخرج من جيوب ألفقراء لا من جيوبهم و رواتبهم!

و الملاحظ أيضا؛ أنهم و بدلا من معالجة الأسباب الحقيقية للتضخم و الفقر و الأمراض و العاهات وإلخ؛ فقد لجأت الحكومات الحزبيّة إلى تطبيق برنامج صندوق النقد(النكد) الدّولي .. لإعادة هيكلة اقتصادات الدّول الدائنة و المتحولة ، بدءً من رفع الدعم عن السلع التموينية الأساسية (الغذاء) و غيره، مرورا بفرض رسم ضريبي باهظ على مبيعات النقد الأجنبي .. بنسبة 155% من سعر الصرف الرسمي للدينار ، و انتهاءً – بتوحيد سعر الصرف .. وإستمرار تخفيض قيمة الدينار .. حتى استسلام العراق بآلكامل على كل صعيد.

و النتيجة إنْ لم تكن مزيدا من ارتفاع معدل التضخم ، فستكون البقاء على معدلاته المرتفعة أصلا !

فبالرغم ممّا حصّلته الحكومة من عائدات الرسم الضريبي على مبيعات النقد الأجنبي، خلال السنوات الماضية، كما أسلفنا ذكره بالأرقام؛ فإنّ معدلات التضخم – بكلّ مؤشرات القياس – لم تسجل إنخفاضا إلى المستوى المتوقع أو المقبول بالرغم ممّا طرأ عليه بعض التحسن (ارتباطا بتحسن إيرادات بيع النفط)؛ حيث سجل نسباً منخفضة, في حين أشارت توقعات البنك الدولي في تقريره عن آفاق الاقتصاد الإقليمي لعام 2020 و 2021م، إلى أنّ نسبة التضخم في العراق و في بلدان مشابهة؛ قد تبلغ مع نهاية العام الحالي أكثر من 30%!

لكن .. ما أن يُفرّغوا الخزانة العامة إلى حدّ اقتراب الدّولة من حافة الإفلاس؛ فإنهم لا يتردّدون في المسارعة بتحميل الشعب سداد قيمة فاتورة الفساد الحكوميّ مرّة أخرى، بآلرّجوع إلى العمل بمنهج صندوق النقد الدّولي ، بإصدار قرارات جائرة لفرض رسوم ضريبيّة جديدة و رفع نِسب الضرائب الكمركيّة على السّلع المستوردة و ضمان دفع حقّ السّكوت للأكراد، و رفع الدّعم عن السلع الغذائيّة الأساسية و الدواء، وتجميد وتخفيض الرواتب، وإيقاف التعيين في وظائف الإدارة العامة للدولة (إلا بالواسطة و المحسوبية)، وتخفيض قيمة العملة .. إلخ بحسب بنود توصيات صندوق (النكد) الدولي التي لا يستطيع العراق العمل بغيرها لكونها باتت شبه مستعمرة!

spoils system (فحُكّام نظام الغنائم) من الطبقة السياسية أغنياء السطو على المال العام ، يسرقون ميزانية الدولة ، و يملؤون جيوبهم و حساباتهم في بنوك السرية المصرفية، و من ثمّ – عندما تفرغ الخزانة العامة – فإنهم يموّلون عجز الميزانية من جيوب الفقراء الذين لا يملكون الوعي الكافي، كما يحدث الآن في العراق و غيره, ثم إنهم يبيعون أراضي و أصول الدولة و شركات القطاع العام لأنفسهم ، ثم سيبيعون الوطن قطعة قطعة للأجنبي .. المهم هو أن يبقوا في السلطة لنهب الأموال النقد و بالنقد مباشرة.

ذلك أنه عندما يكون الدّولار إلهاً واحدا و الكل له مسلمون و به واثقون بدل الله عملياً لا نظريا؛ فكلّ شيء يكون في خدمة اقتصاد السّوق و خدمة مصالح الطبقة الراسمالية الحاكمة بالسياسة الدّينية المؤدلجة، و القوانين ، و الفتاوى التشريعية المستهدفة ، ونظام القضاء ، و السّجون العديدة ، و المليشيات الممسوخة، و الشرطة الأتحادية المسرطنة، و البرلمان العار، و الحكومة و القضاء وغيرها.

و موضوعيّاً ، ليس من حلّ سريع للقضاء على كل هذا الفساد و هذه التشوهات ، إلا بثورة شعبيّة منطلقها الفكر بأفق كونيّ اشتراكي – علويّ, تسبقها المنتديات الثقافية و الأدبية و الفكرية للتمهيد إلى التغيير, و تلك مسألة لا تبدو مطروحة على أجندة التاريخ في المدى المنظور .. لإنخفاض أو لفقدان الوعي و العقيدة الأنسانيّة من قلوب الكتاب و المدّعين للثقافة و الدّين و الوطنية .. ناهيك عن الناس الهمج الرعاع الذين ينعقون مع كل ناعق خصوصا من يؤمن قوتهم!

إذن فما العمل في هذا الوضع المتخلف و المؤلم لمن له ضمير حيّ؟

لأنه لا ثورة حقيقية بلا وعي ثوري و ثوريين طليعيين ، و لا اشتراكية أو عدالة بلا اشتراكيين, و كلاهما (الوعي الثوري و البديل الاشتراكي ألعلويّ) منتفيان، في ظروف التخلف الإجتماعيّ السائدة؛ حيث إن الوعي الاجتماعيّ مضمور و متدني المستوى (أو الوعي الزائف) ، يخلط بين مفهوم الانتفاضة الشعبوية و مفهوم الثورة الشعبية الاجتماعيّة ، و حيث إن الشعب العراقي – المؤدلج إسلاموميّاً – منحكم فكرياً لقيم إقتصاد المنافسة الراسمالية الظالمة؛ يعتبر الاشتراكيّة ألعلويّة كُفراً و من أكبر الكبائر، لذلك على المذاهب الأربعة، كما شيعة العراق الذين هم على مذهب دونالد ترمب ألذي هُزم في لعبة كبيرة ستعلمون غاياتها فيما بعد؛ عليهم التعمّق في محنتهم و تغيير مواقفهم الخيانية الفاسدة التي رهنت العراق و جعلته مجرد مستعمرة لا تحتاج لجيوش أجنبية للبقاء على أرضها, بل تدار نفسها بنفسها في فلك الفساد و الرذيلة بشكل طبيعي.

وآلخروج من الأزمة العراقية المفتلعة (متعددة الأبعاد من القوى المتصارعة) ، يحتاج العراقيون إلى إجماع وطني على تدابير (جراحيّة) عاجلة، لتدارك مصالحهم الحيوية المهددة بالاندثار و التبدل، و تدارك بلدهم المهدد بالتفكك و الضياع وإعلان الأفلاس الأكيد .. قبل فوات الأوان و خسارة كل شيء نهائيا و إلى الأبد, و لتحقيق ذلك يلزم الشروع فوراً بأخذ الإجراءات التالية, كدفعة أولى عاجلة:
ألبقية يتبع .. في القسم الثاني إن شاء الله.

ألعارف الحكيم عزيز حميد مجيد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Rationalism (1)
نظرية (ألرّشيناليزم) : إستحدثت منذ بدايات تأسيس البنك الدولي على أيدي روتشفيلد و أحفاده, لكن العالم كان يجهل أبعادها و تأثيراتها و سبب إعمالها, و يتلخّص بعدم وجود الأستدلال المنطقي(الدليل) أو عقيدة ثابتة يُمكن إعتمادها لضبط المواثيق و العهود, فكلّ شيئ يتغيير بقوة و حكم الدولار و مصالح الطبقة الاقتصادية العالميّة و باقي الناس مجرد خدم و عبيد و يمكن محوهم بفايروس في حال تطلب الأمر ذلك و هو ما قد يتحقق خلال السنوات القادمة, ولا عقيدة يمكن الثبات و الاحتكام إليه, مقابل تلك المصلحة العليا المختصة بتلك الطبقة التي أخضعت كل حكومات العالم لهيمنتها بإستثناء دولة واحدة, و كان هذا المبدأ فاعلاً عندهم, لكنه بدأ يتسرب لحكومات العالم و من هنا تعاظمت المصيبة, خصوصا تلك التي يخضع بقائها على الدّيون المستحصلة من صندوق النقد (النكد) الدولي, وما يجري في العراق هو إنعكاس حقيقي و واضح لتلك النظريّة التي تنفي وجود الحقّ و القيم في المتحاصصين, لذلك لا تتوقعوا الخير منهم أبدأً.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here