مفهوم المعارضة الوطنية

مفهوم المعارضة الوطنية
علاء كرم الله

لا تكتمل صورة المشهد السياسي لأية حكومة تنتهج نظاما ديمقراطيا صحيحا ما لم تكن هناك كتلة معارضة وطنية صادقة داخل البرلمان،( أؤكد هنا على كلمة صادقة، فقد تدعي الكثير من الأحزاب والكتل السياسية، بأنها كتلة معارضة داخل البرلمان، وهي في الحقيقة غير ذلك تماما، وغير صادقة فيما تدعيه بل جعلت من معارضتها للحكومة وسيلة للأبتزاز والمكاسب الحزبية والشخصية بعيدا عن أية مصلحة للوطن والمواطن!). نعود بالقول فوجود المعارضة الوطنية داخل قبة البرلمان يكون أشبه بملح الطعام والبهار في الأكل، والذي لا بد منه كونه يعطي نكهه طيبة ولذيذة رغم مجاجته وحرورته!. ومن خلال مشاهدتنا وسماعنا عن عمل المعارضة الوطنية وعن منهاجها السياسي والعملي في دول العالم الديمقراطي المتحضر والناضج سياسيا نجد أن المعارضة هناك تكون أشبه بحكومة ظل ولكن داخل قبة البرلمان حيث تقوم بمراقبة عمل الحكومة والتنبيه الى أي خلل وتلكأ أن وجد في سير عملها، من خلال مراقبة عمل كل وزارات الدولة ومؤوسساتها، وكذلك متابعة أية قرارات تصدرها الحكومة، لربما فيها ما يلحق أو سيلحق الضرر بمستقبل الوطن ومصلحة المواطن، ويكون عملها ذلك بكل شفافية ووضوح وموضوعية وحرص، ويحدث بأن حرص المعارضة الوطنية قد يدفعها أحيانا، الى شيء من الصراخ والمشادات الكلامية الحامية لأعضائها داخل قبة البرلمان، ولكنك تشعر بأن ذلك ناتج عن الحرص الوطني العالي والصادق لا من أجل المزايدات والمهاترات الكلامية والتهريج الفارغ ومحاولة أبتزاز الحكومة ووضع العراقيل وأفتعالها، لأحراجها أمام الشعب!. وفي حقيقة الأمر أن عمل المعارضة الوطنية الصادقة، هو تقويم عمل الحكومة ووضعها في مسارها الصحيح أذا وجد هناك أنحراف عن خط سيرها الوطني وعن الشعارات التي طرحتها ونادت بها قبل تسلمها سدة الحكم وقيادة الدولة. فالمعارضة الوطنية الحقيقية والصادقة، تدخل في منافسة نزيهة وشفافة ووطنية مع الحكومة مما يدفع الحكومة الى تقديم أعلى درجات الأداء على الصعيد السياسي والأقتصادي والأمني والخدمي، والذي يصب في النهاية في خدمة الوطن والمواطن وأمنه وأمانه. كما أن المعارضة الوطنية في دول العالم المتحضرة والديمقراطية لا تلفق الأكاذيب!، على الحكومة كما أنها لا تتحالف وتضع يدها بيد قوى داخلية تعمل بالضد من الحكومة!، أو يقوم عدد من أعضائها بزيارة دول لها مواقف غير طيبة من الحكومة والشعب بل من الدولة بشكل عام!، وبشيء من المخاتلة والمراوغة , وهي بذلك تضع نفسها وتحركاتها موضع شبهة!، وبالتالي ستتحول الى معارضة عدائية، وليست معارضة وطنية، تعمل لتنفيذ أجندات خارجية، ضد مصلحة الوطن والشعب!، كما أن على المعارضة الوطنية والحقيقية والصادقة أن لا تعمل في عتمة الليل ومن تحت الطاولات وخلف الكواليس!، ولا يرفع قادتها شعارات التحالف مع الشيطان في سبيل أن نصل الى سدة الحكم!. فمن حق هذه المعارضة أن تعمل كل شيء ولكن ضمن الأطر القانونية والدستورية والنزاهة السياسية ومصلحة الوطن العليا أذا أرادت أن تكسب الجماهير وتصل الى سدة الحكم، وهي أن نجحت في ذلك وأستطاعت أت تقود الحكم، فعليها عدم نسيان ماضيها، وأن لا تغري قادتهم نعومة كراسي الحكم ورفاهيته وبهرجة وأضواء السلطة، وسرعان ما يصبحوا أسرى المال والجاه والمنصب الذي هو آفة الحكام!، فيكون كل همهم كيفية الحفاظ على السلطة، فيبدؤا بالأنتقام وازاحة كل من يخاصمهم وينافسهم على الحكم بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة!، فالمعارضة ناضلت من أجل خدمة الشعب ورفاهيته، الشعب الذي أنبثقت منه وعادت أليه، لا من أجل التمتع بالمال والمنصب والأمتيازات، فعليها أن تعمل تحت النور والأضواء وأمام أنظار الشعب وبكل شفافية، بعيدا عن أسلوب المكر والخداع والمكائد!. لم يشهد نظام الحكم في العراق من بعد سقوط النظام السابق، وجود كتلة معارضة داخل قبة البرلمان تعمل وتمتلك مواصفات المعارضة الحقيقية الصادقة التي ذكرناها، و أعتقد وقد يتفق معي الآخرين، بأن عدم وجودها كان أحد أسباب فشل العملية السياسية بالعراق!، ولا أدري ما سبب عدم وجودها؟، هل هو لعدم وصول النخب السياسية والحكومات التي قادت العراق من بعد الأحتلال الأمريكي الى حالة من النضج السياسي والفهم الديمقراطي لألية الحكم؟، وخاصة بعدما تبين بأن هذه النخب السياسية تعيش تحت هاجس الأستئثار بالسلطة لا غير والحفاظ عليها بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، بعيدا عن هموم الشعب!. وتشهد الساحة السياسية الآن تهيأة جميع الأحزاب والكتل السياسية نفسها، للأنتخابات المبكرة المزمع أجرائها في حزيران أو تشرين الأول من هذا العام!. أن الأحباط الكبير الذي أصاب العراقيين جميعا منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن ، وبعد أن لمسوا زيف أدعاءات الكثير من النخب السياسية وما رافق أعمالهم بدأ من تشكيل مجلس الحكم مرورا بكل الحكومات والى الحكومة الحالية من فضائح فساد مالي وأداري وأنفلات أمني، هم يعترفون بها وعبر الفضائيات وكل وسائل الأعلام!!، وترك المواطن العراقي وبقاءه غارق في الكثير الكثير من المشاكل والأزمات التي لا حل لها!، ففي خضم هذا المشهد العراقي العام والفوضى السياسية التي يعيشها العراق منذ 17 عاما ولحد الآن والقصور الواضح في أداء كل الحكومات والأحزاب السياسية التي قادت الحكم في البلاد من بعد الأحتلال الأمريكي للعراق، هل ستشهد الأستحقاقات الأنتخابية القادمة، وجود كتلة معارضة وطنية صادقة داخل قبة البرلمان تعمل من أجل مصلحة الوطن والمواطن بعيدا عن أغراءات السلطة؟، نتمنى ذلك ، ولننتظر ونرى!.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here