الشاعرة المغتربة أروى السامرائي توثق مظاهرات تشرين العراقية في قصيدة

الشاعرة المغتربة أروى السامرائي توثق مظاهرات تشرين العراقية في قصيدة
بقلم: جاسم نعمة مصاول/ كندا
لعب الادب العربي وحتى العالمي بجميع مصنفاته (قصة، رواية، شعر أو مسرح) دوراً مؤثراً وحيوياً في رسم القيم والافكار والمفاهيم التي تساهم في بناء المجتمعات وتحفيزها وكذلك تشجيعها لاتخاذ مواقف لتصحيح مسيرة هذه المجتمعات بما يحقق لها الحياة الكريمة والازدهار والسلم الوطني، والادب وخاصة الشعر هو اهم سلاح معنوي ونفسي من اسلحة تغيير حياة المجتمعات، وفعلاً كان للشعر أثراً فعالاً في خدمة المجتمعات لأن صوت الشاعر كان مسموعاً أكثر من أي صوت ومدوياً يصوغ وجدان الناس ومشاعرهم على نسق ثقافيٍّ معيَّن، فهو الذي يحفز على الشجاعة ودفع الباطل واحقاق الحقوق المغصوبة من قبل السلطات الحاكمة الظالمة. والشاعر يؤمن بدوره التربوي والنفسي وبقدرته على التغيير ونقل تفكير الناس الى حال افضل.
هنا نتساءل هل ساهمت القصيدة الشعرية في تأجيج مشاعر المتظاهرين السلميين في العراق الذين خرجوا يطالبون بحقوقهم أم أن التظاهرات السلمية هي التي فجرت ينابيع الشعر، الذي ربما جاء عن ردة فعل آنية ازاء حالة من القهر والظلم امتد لسنوات طويلة…
لاشك ان الشعراء يتمتعون بقدرات تمكنهم من مرافقة الحركات المدنية وتوعية الضمائر في حالة التحولات الاجتماعية، وتظاهرات تشرين في العراق لم تكن معزولة عن خطاب الشعر، مثلما لم تكن معزولة عن الخطاب الذي تنتجه وسائل الإعلام، لقد كانت القصيدة كامنة في وجدان المتظاهرين، لذا فأن التأثير هو متبادل بين المتظاهرين والشعراء، تضحيات المتظاهرين واصرارهم على اسقاط السلطة الفاسدة شكل مصدراً لإلهام الشعراء، كما وان الشعر ساهم في تأجيج مشاعر المتظاهرين، إذ “لا ثورات من دون شعراء يكتبون عنها، ويتغنون بشهدائها وانتصاراتها”.
لذا كان الشعر العراقي حاضراً في التظاهرات التي قادها الشباب العراقي المظلوم في شهر تشرين أول من عام 2019 ضد الطبقة السياسية الحاكمة الموصوفة بالفساد والاستبداد والفشل في تلبية احتياجات ومطالب شعبها منذ عام 2003 والتي قادت البلاد الى منحدرات خطيرة في حياة العراقيين وخاصة الشباب منهم ودون أدنى بارقة أمل او أي تقدم يذكر للنهوض بالبلاد حتى ولو الى مستوى الحد الادنى من الحياة الكريمة وحقوق الانسان الاساسية، إذ اصبح الشباب وخاصة المتعلم منهم بلاهدف ولا أمل في الحياة وكل الابواب اصبحت موصدة في طريقهم نحو حياة حرة كريمة تؤمّن لهم مستقبلاً مزدهراً كباقي شعوب العالم.
في تلك اللحظة الحاسمة انبرى الشعراء للتصدي للفساد والظلم الذي يعاني منه الشعب العراقي، وانطلقت قريحتهم الشعرية لوصف هذه الاحتجاجات التي هي ثورة ضد كل ماهو فاسد في السلطة التي تحكم العراق منذ 17 عاماً، أليس الشعراء قديسين وثوار حقيقيين يدافعون عن الامة وحياة الشعب! نعم هم كذلك… لذا كانت نصوصهم الشعرية صرخة احتجاج عالية في وجه الظلم والفساد وخير توثيق لوقائع الاغتيال والاضطهاد اليومي الذي يمارسه البعض من قوات الامن وغيرهم من المندسين ضد المحتجين السلميين الذين يطالبون بحقوقهم المهدورة، وهذه لم تكن الاولى في تاريخ العراق الحديث ويمكن الرجوع الى القرن الماضي لنرى عشرات الشعراء ممن شارك المتظاهرين احتجاجاتهم ضد السلطات الحاكمة او انبرى لكتابة القصائد الحماسية وشد عزيمة الناس وفضح ممارسات السلطات اللاانسانية، من خلال التوعية بمفاهيم الحرية والكرامة، وايقاد روح الشجاعة للنهوض بحال الشعب والتصدي للظلم، بل والتضحية أحياناً والانتصار على قيم الفساد والتخلف والتغطرس للانطلاق الى ماهو افضل في الحياة، اذ أن النصر هو قدر الشعوب الحية الفاعلة في التاريخ والتي عشقت ارادة الحياة من أجل أن تهيء لنفسها موقعا في بناء الحضارة الانسانية، ومن أجل أن تكون مرجعا لذاتها في المقام الأول ولكل الشعوب المحبة لقيم الحرية في الانسانية قاطبة.
فها هي الشاعرة المغتربة المبدعة اروى السامرائي تنطلق للتعبير عن الواقع وتوثيق ماحدث في ساحة التحرير بقصيدة مؤثرة اسمها (ساحة التحرير) لتحاكي المتظاهرين وتعلن لهم بانهم من حمل وجعها عن العراق:
يا غيبة الحاضرين
يامن طربتم على أنات
الجرح النازف من سنين
و حملتم ثقل همي … ووجعي
وفي مقطع آخر توضح بأن تضحياتهم الجسام جعلتها تنشطر الى نصفين او جرفين لامنفذ فيهما تتلاطم فيه الامواج:
بصمتكم المرائي
الذي انزلت دقات ساعة الزمن
المتخثر نصل عقاربها ببطء
فشطرتني نصفين
جرفين مستغلقين
تتلاتطم فيه الامواجُ
ثم في مقطع آخر تصوغ قريحتها الملتهبة عن ضحايا العراق:
اهلي ضحايا
وأولادي ضحايا
ومريم بالعراق
تهز بجذع النخلة
فتسقط عليها
من كل الجهات المنايا
وبالاشارة الى السيدة مريم العذراء (عليها السلام) في هذا المقطع من القصيدة، كأني بها تقوم بالاستعارة من النص القرآني قصة مخاض السيدة العذراء، فبدلاً من تساقط الرطب الجني عليها كي تقر عينها وتركن الى الراحة والسكينة، تتساقط المنايا عليها من كل حدب وصوب لتغتال الارواح العراقية البرئية.
بعد ذلك وفي مقطع آخر تحدثنا عن خلجات نفسها وهو اقوى وأروع ما في القصيدة، لترفع يديها الى السماء بصوت كله عتب وتساؤل وحزن ولوعة وألم وهي ترى العراق يتمزق واحزانه تكبر وترجو ان يكون الحل بإبادة هذه الطغمة الفاسدة الملطخة أيديها بدماء الشهداء من المتظاهرين لتقول:
اما تغضبُ …. اما تغضبُ
ياربي
وتخمد هذا البلاء
فتبيدَ نسلَ العارِ
أحفادَ عادٍ
من باعة الدم و البكاء
اما وهبناك ملاينَ القرابينِ
ومشينا في الهجير مواكب العزاء
مشينا ذلك الدرب الطويل
بقلوب كسيرة
مظللة اليأس بالرجاء
والعيون الذابلات
ثم تذهب بنا الشاعرة المبدعة الى نهاية القصيدة في نص معبر ومؤثر ويدمي القلب، تتسول فيه الى الله العزيز القدير بصوت ملىء بالحزن والألم والغضب في آنٍ واحد ان تكون هي بديلاً عن الضحايا الذين تقمعهم سلطة الفساد احتجاجاً على هذا الوضع المأساوي في العراق، كي يُصنع تاريخ جديد للعراق يظلله الله بالنور والمحبة والفرح:
وجاء الصوت من بعيدٍ
من غيهب الذكرى
ملئٍ بالرجاء
…. ربي
خذني انا البديل
وأروي بدمي ارض بابل و النخيل
لعلها تعود جنتك الخضراء
واجعل شظايا الروح مني مرايا
منصوبة فوق شواهد القبور
لتعكس على المدينة جلال اسمك
وبما فيه من محبة و نور
وهنا تجود الشاعرة السامرائي بنفسها عن طيب خاطر من اجل العراق المذبوح على منصة الفساد والطغيان كي يعود العراق معافى يسوده السلام والحرية ونيل الحقوق المهدورة، وكما يقول الشاعر العباسي مسلم بن الوليد (والجود بالنفس اقصى غاية الجود) والايثار بالنفس هو أسمى صور الايثار.
في الختام لابد ان نقول أن الشعر لا يستطيع أن يقف غير مكترث او في موقف المراقب السلبي أمام الاحداث الجسيمة التي تمر بها الامم والشعوب، أو منعزلاً بدعوى التباس الرؤية وفوضى المرحلة، بل يكون حاضراً وبفعالية، والشعراء يستمدون افكار نصوصهم الشعرية مما يحدث على ارض الواقع ويوثقون وقائع الظلم والفقر والهمجية والتغطرس الذي يمارسه الفاسدون والظالمون ضد ابناء شعبهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here