التجاوزات الفظة والدامية على حقوق الإنسان في العراق

كاظم حبيب

تزخر التقارير السنوية لمنظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بمعلومات تفصيلية موثقة عن التدهور المستمر لحالة حقوق الإنسان في البلاد كلها، وعن تقاعس السلطات المحلية، بل وعن مشاركة أجهزة فيها في ممارسة تلك الانتهاكات، سواء أكان بحق الناس المعارضين لسياسات النظام السياسي الطائفي المحاصصي القائم والكاشفين عن فضائح الفساد الشامل في البلاد، أم ضد جمهرة الإعلاميين والعاملين في الصحافة والتلفزة المستقِلة والمعارِضة. ولم يقتصر ذلك على ما يمارس في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب وغرب بغداد والموصل فحسب، بل وبرز بشكل كبير ومستمر أيضاً في ممارسة الحكومة وأجهزة الأمن في إقليم كردستان العراق، لاسيما ضد الصحفيين المستقلين وقوى المعارضة. فقراءة التقرير السنوي لمنظمة هيومن رايتس ووتش يؤكد حصول اعتقالات وحالات اختفاء قسري وقتل خارج نطاق القانون التي لم تقتصر على نشطاء الحركة المدنية وقوى الانتفاضة الشبابية فحسب، بل امتدت لتشمل عشرات الصحفيين والإعلاميين العراقيين لمنعهم من نشر حقائق ما جرى ويجري في العراق، أو منع النشطاء من التعبير عن أراءهم ومواقفهم السياسية والاجتماعية، أو المطالبة بحقوقهم المشروعة والمصادرة منذ عقود. كما تحدث رئيس مركز مترو لحقوق الصحفيين عن التجاوزات الفظة الحاصلة على الصحفيين وأجهزة الإعلام غير الحكومية في إقليم كردستان باعتقالهم واحتجازهم لفترات طويلة، إذ سجل ما يزيد عن 385 حالة تجاوز واعتداء تعرض لها الصحفيون، بسبب بحثهم وملاحقتهم لجرائم الفساد المرتكبة في الإقليم، أو لأنهم يكتبون تقارير عن الأوضاع المعيشية الصعبة للفئات الاجتماعية الفقيرة والمعوزة وانقطاع دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين لأشهر عديدة أو اقتطاع نسبة مهمة من تلك الرواتب دون تعويض لاحق. “وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوجد واحد من أكبر أعداد الأشخاص المفقودين في العالم في العراق. إذ تقدّر “اللجنة الدولية للمفقودين”، التي تعمل بالشراكة مع الحكومة العراقية للمساعدة في استرداد المفقودين وتحديدهم، أن العدد قد يتراوح بين 250 ألف ومليون شخص. منذ عام 2016، توثّق “هيومن رايتس ووتش” عمليات الإخفاء القسري المستمرة على أيدي قوات الأمن العراقية. على حد علم المنظمة، لم تفعل السلطات في بغداد وإقليم كردستان ما يكفي لمعاقبة الضباط والعناصر المتورطين في حالات الإخفاء.”. (أنظر: العراق: تقرير “هيومن رايتس ووتش” إلى “الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي” الدورة 121 – مايو/أيار 2020).

كما أصدرت ثماني منظمات ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان هي: الشبكة العراقية للإعلام المجتمعي، الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان،

المرصد العراقي لحقوق الإنسان، مركز الخليج لحقوق الإنسان، مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين، المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، في إطار مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بياناً فضحت فيه ما يجري في العراق، وبضمنه إقليم كردستان، من حصول تجاوزات فظة وثقيلة على حقوق الإنسان، وبشكل خاص على كرامة الإنسان وحريته الشخصية وحقه في التعبير عن رأيه وانتقاد الحكومة أو الدولة العراقية بسلطاتها الثلاث أو إقليم كردستان العراق.

يعتبر العراق أكثر البلدان تعرضاً لحالات الاختفاء القسري لنشطاء الحركة المدنية وقوى انتفاضة تشرين الشبابية 2019، ومن أكثر البلدان قتلاً للمتظاهرين والمحتجين على الواقع العراقي المزري والفساد الذي يسرق يومياً لقمة العيش من أفواه الفقراء والكادحين والمعوزين والمحرومين، وأكثر البلدان تعرضاً لنهب موارده المالية من جانب الحكام أنفسهم والمحيطين بهم أو حواشيهم، إضافة إلى نهب خيراته، لاسيما النفط الخام. ويعتبر العراق واحداً من أكثر البلدان تعرضاً لغسيل الأموال ونهب العملة الصعبة عبر مزاد العملة في البنك المركزي العراقي والبنوك الخاصة التابعة للعراق شكلياً ولإيران فعلياً.

والعراق من أكثر البلدان في العالم تعرضاً لجرائم متنوعة ابتداءً من سرقة المال العام وتهديد وابتزاز الناس وتشريدهم، والمتاجرة بالمخدرات وبالعهر النسوي والذكوري، لاسيما صغار السن من المشردات والمشردين، عبر صيغ مختلفة، ومنها ما يطلق عليه بـ “زواج المتعة!” للنساء، ارتباطاً بالفقر المدقع المتفاقم، على أيدي الميليشيات الطائفية المسلحة وقوى الجريمة المنظمة وشيوخ دين وبقية مؤسسات “الدولة العميقة” التابعة لإيران في البلاد.

كما يعتبر العراق واحداً من الدول القليلة في العالم التي تكلكل سجونها ومعتقلاتها العلنية والسرية على حرية عدد هائل من سجناء الرأي والعقيدة، أو بموجب القانون رقم 13 لسنة 2005 والمتضمن المادة 4 إرهاب، ويصل إلى عشرات الآلاف، وكثرة منهم دون محاكمات أو قرارات قضائية سليمة. والأنكى من كل ذلك هو أنواع التعذيب اليومي الوحشية التي يتعرض لها السجناء والمعتقلون على أيدي المحققين الأمنيين أو أجهزة أمن السجون لانتزاع المعلومات، سواء أكانت صحيحة أم كاذبة تحت التعذيب المحرم دولياً وعلى وفق الدستور العراقي، أو للحط من كرامتهم وتدمير إنسانيتهم، (يقدم كتاب “السدَّية” للروائي عدنان علي صورة واقعية مرعبة لما جرى ويجري في سجون ومعتقلات نظام الحكم القائم حالياً في العراق وعلى أيدي الأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة وميليشياتها المسلحة، أو القوى الحاكمة الأخرى). ويمكن العودة إلى تقرير المنتدى العراقي لحقوق الإنسان لمتابعة كثرة هائلة من الانتهاكات التي يتعرض لها شعب العراق، لاسيما العواقب الناتجة عن غزو واجتياح داعش حتى الوقت الحاضر على النازحين،

إضافة إلى التقارير السنوية المهمة التي تصدرها الجمعية العراقية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأمريكية، ولها فرع في العراق ومقره في أربيل، الذي يكشف عن الانتهاكات الخطيرة والمستمرة والمتفاقمة التي تعرض لها مواطنو ومواطنات العراق خلال السنوات المنصرمة، ومنهم النازحون، وكذلك بيانات ورسائل هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق حول التجاوزات الديمغرافية الجارية منذ سنوات على مناطق سكن المسيحيين والإيزيديين وأوضاع النازحين وغيرهم ودور قوى معينة في الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية الحاكمة وميليشياتها المسلحة في تنفيذ هذا النهج العنصري المحرم دولياً وفي التجاوز الفظ على حقوق المرأة والطفل.

الشعب العراقي يعاني، باختصار شديد، من نظام سياسي طائفي محاصصي وفاسد ومناهض لحقوق الإنسان وحقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق اتباع الديانات والمذاهب الأخرى والقوميات الأخرى، نحن أمام دولة فاسدة بسلطاتها الثلاث، أمام سلطة تنفيذية لا تمارس واجبها إزاء حماية حقوق الإنسان وحياته بشكل خاص، بل تتقاعس عن إداء تلك الواجبات الملزمة لها، وفيها من القوى والأجهزة الأمنية والميليشيات المرتبطة بالحشد الشعبي التي تمارس تلك الانتهاكات ضد حقوق الإنسان وحقوق المواطنة العراقية.

العراق هو البلد الذي يسمح للدولة العميقة، التي تقودها إيران، بأن تهيمن على القرارات والسياسات والمواقف التي تمارسها الحكومة، وأخيراً فرضت على الحكومة العراقية تغيير موعد الانتخابات، على وفق مطلب البيت الشيعي الذي تقوده قائمة “دولة القانون!”، التي يقودها حزب الدعوة الإسلامية المرتبطة قرارته بسياسات ومصالح إيران في العراق والمنطقة. وعلينا أن ندرك بأن الفساد والطائفية والتبعية للخارج هي من الأسباب الحقيقية لما حصل يوم الخميس المصادف 2101/2021 حيث قتل 32 شخصاً وجرح أكثر من 110 شخصاً بريئاً من بسطاء وفقراء الناس المهمشين اقتصادياً واجتماعياً وباعة المفرد من أصحاب البسطات الفقيرة في ساحة الطيران على أيدي عصابات داعش الإجرامية والتي ما كان لها أن تحصل لولا الخروقات الأمنية بسبب الفساد المستمر والجروح الطائفية النازفة وغياب الرقابة والمحاسبة والشفافية والقضاء المستقل في البلاد.

يواجه شعب العراق مباشرة خطرين كبيرين: خطر عودة الجيل الثالث للدواعش لنشاطاتهم الإجرامية في البلاد، من جهة، واستمرار النشاط الإجرامي للميليشيات الطائفية المسلحة التابعة لإيران والمتسترة بغطاء الحشد الشعبي وقيادته من جهة ثانية، إضافة إلى مخاطر الصراع المستمر بين إيران والولايات المتحدة في الساحة العراقية والعواقب المدمرة لكل ذلك على الشعب العراقي، ومن هنا تنشأ أهمية تجديد وتنشيط

النضال السلمي لقوى الانتفاضة الشبابية والشعبية لمواجهة تلك المخاطر والخلاص من النظام السياسي الطائفي الفاسد لصالح الدولة الديمقراطية العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي الدستوري.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here