اهوار العراق، درر العراق، ذهنية السومري في ادراك كنه علاقته بالماء ! (*) ح2

اهوار العراق، درر العراق، ذهنية السومري في ادراك كنه علاقته بالماء ! (*) ح2
د. رضا العطار

من اليسير على ذهن السومريين، سكان مناطق الاهوار في العراق القديم ادراك الصلة الروحية بين الانسان والماء واعتبارهما كذات او ككيان. فهي اكثر غنى واشد تنويعا من ان تُعبّر عنها فكرة واحدة. فهي احد اوجهها الأساسية كالتربة الخصبة والمبدأ الفعال في الميلاد والتناسل او ( الأرض والأم ) . ولكن من الارض تأتينا ايضا المياه العذبة واهبة الحياة . ومياه الآبار والينابيع والأنهار.

ويبدو ان هذه المياه التي تهيم في اهوار ارض الرافدين كانت تعد في الازمنة الغابرة جزءأ من كيانها. فهي احد الاوجه الكثيرة التي يمكن ان ترى من خلالها بركات الارض.
فاذا رؤيت كذلك اعتبرت القوة الظاهرة فيها ذكرا : ( ان- كي ) او سيد الارض . وفي الازمنة التاريخية نجد ان اسم ( انكي ) والدور الذي لعبه في بعض الاساطير هما وحدهما اللذان يشيران الى انه هو والماء العذب الذي يرمز اليه لم يكونا الاّ وجها من اوجه الارض .

غير ان المياه وما فيها من قوة قد حررت نفسها وغدت لها شخصيتها المستقلة وجوهرها الخاص . فكانت القوة التي تكشف عن نفسها للعراقي القديم في تجربته الذاتية للماء، قوة خلاقة وارادة الهية لأنتاج حياة جديدة. واشياء جديدة. فهي من هذه الناحية تماثل قوى الارض والتربة الخصبة. ولكن هناك فرقا بين الاثنين هو الفرق بين السالب والموجب . فالآرض لاتتحرك، فخصبها انتاجية منفعلة او سالبة. اما الماء فيجيْ ويذهب. ويجري في الحقل ويرويه، ثم يتناقص ويفيض. فكأن له ارادة وهدف. فهو مصدر الأنتاجية الفاعلة، للفكر الواعي الخلاق.

ثم ان للماء طرقا ماكرة في الجريان. انه لا يعلو العوائق بل يتجنبها ويداور في اتجاهه غير انه يبلغ هدفه. والفلاح العراقي الذي يروي حقله به، مسيلا اياه من قناة الى قناة يعرف مكره وسرعة تسربه من بين يديه وجريانه الى حيث لا يريد احيانا. وهكذا يسوغ لنا ان نفترض انه جعل بنسب الخديعة والمهارة والذكاء الى انكي. وتطورت هذه الناحية من كيانه حين جعل الانسان يتأمل مياه الآبار والبحيرات الساكنة المظلمة التي لا ينفذ فيها البصر مما اوحي اليه بان الماء يتمتع بالعمق الفكري والحكمة والمعرفة. .

ان الوظيفة التي يملؤها انكي في الدولة السومرية تعبّر بدقة عن مدى قوته والمكانة التي يتبوؤها في الكون المنظم. انه ( نون ) اي نبيل من كبار نبلاء البلد المتميزين بالحكمة وخبرة الحياة. وان المنصب الذي عُيّن فيه، عليه ان يستمد سلطته من آنو وانليل فهو بمثابة وزير، وفي مصطلحنا الحديث وزير الزراعة في الدولة. وقد عهد اليه الاشراف على المستنقعات والاهوار و الانهر والقنوات و شؤون الري وتنظيم قوى البلد الانتاجية. ويتغلب على ما يجابهه من مصاعب بالنصح والتحكم والمصالحة.

* ىمقتبس من كتاب الواح طينية، السومريون لصموئيل كريمر مدير متحف الاثار الشرقية في جامعة شيكاغو 1963

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here