المعارضة العربية حينما تتحول إلى سلطة قمعية وفاسدة

المعارضة العربية حينما تتحول إلى سلطة قمعية وفاسدة

بقلم مهدي قاسم

تمشيا مع مقالنا السابق ” الخلل والعلل في بنية التفكير العقيم ” وامتدادا له نضيف أنه :

ــ إن رجال السلطات العربية وكذلك عناصر المعارضة جميعا ، فهؤلاء كلهم في النهاية قادمون من صفوف المجتمعات العربية كأفراد ومواطنين بمختلف اتجاهاتهم السياسية والعقائدية ، بمعنى ليسوا غرباء أو قوات غزاة ، وهذا يعني أنهم يشكّلون جزء واسعا وقطّاعا كبيرا من المجتمع وليسوا شواذا طارئين عليه ، وإن كانوا طغاة أو فاسدين ..

وعندما تجري عمليات تداول السلطة بشكل من الأشكال نرى المعارضة التي أصبحت هي الحاكمة تكشف عن وجهها الدموي والفاسد ، لتبدو أحيانا عبر ممارساتها للسلطة أسوأ بكثير من السلطات السابقة لكون السلطات السابقة ــ بالرغم من دمويتها كانت تدير شؤون الدولة وتقدم الخدمات ولو بحدها الأدنى) لكونها ــأي السلطة الجديدة ــ تمارس مقاليد السلطة بنفس العقلية و الذهنية الشمولية والمتسلطة الإقصائية والأطماع الفاسدة والجشعة في الإثراء السريع عبر نهب المال العام ، مع فارق واحد هو أنها عاجزة عن إدارة مقاليد السلطة والحكم ، وإذا أخذنا مسألة الانتخابات في العراق وتونس ــ ومصر سابقا ــ حيث فازت الأحزاب الإسلامية بالانتخابات ، فسوف تتوسع وتكبر وتتوضح الصورة أو المشهد الذهني وطبيعة التفكير المراوحة جمودا في محلها أكثر فأكثر عند هذه المجتمعات مع فروقات طفيفة ، نقصد من ناحية هذا الخلل والعلل في بنية التفكير العربي المنحاز غريزيا نحو ثوابت الماضي الغابر المثقل بكل أعباء الفقر والتخلف والحروب والكوارث الوطنية والمصاحِبة دوما بالتمرد ذات النزعة البدوية أو القبلية أوالدينية المتشددة..

مع التأكيد على أن السلطة القمعية هي نفسها ، و كما هي ، من ضروب قمع و استبداد وبطش وفساد ومحسوبية وروح الهيمنة الكاملة، سواء قادها إسلاميون أو علمانيون ، فلكلا الطرفين قواعدها الشعبية العريضة ، وغالبا ما تجري عملية تبادل مواقع كأن يصبح العلماني إسلاميا والعكس صحيح أيضا ، وإن بنسبة أقل ، كدليل هو تحول مئات آلاف من البعثيين إلى إسلاميين ـ( خذ التيار الصدري حزب الفضيلة والحزبي الإسلامي العراقي وغيره ) والسبب ــ حسب اعتقادي وظني ــ يكمن في التربية العامة منها الاجتماعية والمؤسساتية الرسمية والقائمة على ضخ الأذهان والعقول الفتية ــ عبرسنين طويلة ــ بعقائد شمولية و إقصائية وتمييز ديني ومذهبي وفئوي ، مع تحديد أعداء وخصوم عقائديين الذين يجب نبذهم ومحاربتهم ، لكونهم مختلفيي التفكير والعقيدة ، في الوقت الذي هم جزء كبير ومهم من مجتمع وأبناء وطن واحد ..

ولكن الطامة الكبرى والأكثر خطورة في آلية وبنية التفكير العليل أن تجري عملية التربية الاجتماعية والتركيز و التلقين الببغائي حسب الأولويات في رأس القائمة الذهنية وهي بالتوالي

،ــ : العشيرة أو القبيلة ، ثم الدين والمذهب وأخيرا الوطن المسكين والمنبوذ حيث يوجد في زاوية باهتة وشبه المعتمة وغالبا ما تكون زاوية منسية !!..

لكون الدين والمذهب ــ فضل عن العشيرة ــ أهم من الوطن حسب هذا التلقين المتواصل ..

ولعل هذا السبب فشل كل محاولات التنوير والنهضة منذ عشرينات من القرن الماضي وحتى الآن ، منذ أن بدأها عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الرائع ” طبائع الاستبداد” ، وقام بعده كل من طه حسين ورفاعة الطهطاوي وارسلان شكيب وأمين قاسم وغيرهم من التنوريين العرب في محاولات نهضوية و تنورية عقلية شاملة أكثر جذرية وجدية مما في السابق وذلك في دفع المجتمعات العربية نحو طريق التنويري الحقيقي والمتواصل ، غير أن هذه المجتمعات أصرّت على أن تبقى عاجزة عن مغادرة كهوف التخلف والجهل والدجل مع حزمة من الذرائع والحجج البائسة لتبرير تخلفها الشنيع ..

إذن فيخطئ من يظن أن النظم والحكومات العربية المختلفة والمتعاقبة هي وحدها مسؤولة فقط عن مرحلة الانحطاط العام الذي تمر بها الشعوب العربية حاليا ، بمعزل عن فئات وشرائح اجتماعية واسعة كبيرة كانت ولا زالت متواطئة ومتعاونة أيضا مع تلك النظم والحكومات المتعاقبة والحالية بإرادتها الحرة على شكل أحزاب و تنظيمات ومنظمات وعساكر وأجهزة أمن ورجال دين وشيوخ عشائر وقبائل وأناس مثقفين أو بسطاء عاديين ..

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here