طيران مراحيض

رحمن خضير عباس

           إليكم قصة المدرسة التي طارت مراحيضها ! 

    كان ذلك في نهاية ستينات القرن الماضي ، حيث المدارس الابتدائية ولاسيما في القرى تُبنى من الطين ، أما مراحيض تلك المدارس، فأغلبها تُبنى من 

والبواري  ، وهي بساط من القصب ، تنسجه النسوة الجنوبيات اللواتي يعشن في الأهوار ، من مادة القصب الذي ينمو في تلك المناطق. وللبارية استخدامات متعددة ،فتكون بمثابة بساط أرضي ، أو تكون سقوفا للبيوت الطينية ،كما تستخدم في بناء الصرائف التي يعيش فيها الفلاحون الفقراء ، والمضايف والتي تشكل هيئة البيت الريفي الذي يكون مكانا للضيافة والاجتماعات واللقاءات الدورية لأبناء العشائر. 

   هذه المدرسة- التي لا أتذكر اسمها- بنت مراحيضها من تلك البواري  ، وثبتتها بالقصب ، وجعلتها بعيدة عن صفوف الدرس. ولم يكن الأمر غريبا لأن أغلب مدارس العالم القروي، تلجأ إلى هذا  الخيار. 

   وفي يوم من الأيام ، جاءت عاصفة مطرية شديدة مصحوبة بالأمطار ، فعصفت بمراحيض المدرسة ، واقتلعتها من جذورها ليلا. 

وفي الصباح  لم تعثر المدرسة على مراحيضها . 

فحرر مدير المدرسة كتابا رسميا إلى مديرية التربية في المحافظة. عنونه بالشكل الآتي :

 إلى مديرية تربية لواء الناصرية.

  الموضوع:

        طيران مراحيض 

      انتهت قصة  الكتاب الرسمي الذي أحدث عنوانُهُ جدلا وثرثرة بين موظفي مديرية  التربية الكبار، الذين اعترضوا على اللغة ولم يعترضوا على بؤس الواقع ، وربما وبّخوا مدير المدرسة المسكين ،ونصحوه بأنه يجب أن تلائم عناوينه الذوق العام ، وقيل إنهم تهكموا منهم بإرسال جواب ٍ على هيئة استفسار ،بقولهم إذا كانت المراحيض قد طارت ، فبأي مطار نزلت؟

 ولكنّ سلوكهم الذوق العام لم يكترث لبؤس الطلبة والمعلمين وأوضاعهم المزرية آنذاك. 

  تأمل الناس خيرا في ( عهد الديمقراطية الجديد!) وذلك لوفرة المال من النفط ، واعتقد البعض بأنّ الزمنَ سيكون في صالح المدرسة التي هي أساس لثقافة المجتمع.

 ولم نعلم بأن ذلك الزمن على بؤسه أفضل بمئات المرات عما يعيشه الواقع المدرسي في ظل سيطرة الأحزاب الإسلامية، التي أكلت الأخضر واليابس ،فبعد سقوط النظام السابق ، ومجيء هذه المجموعة من الزمر ، والتي خربت البلد وعاثت به ، وحوّلت المدارس إلى مؤسسات عاجزة عن مهمتها ، حتى أصبح الزمن القديم على بؤسه بأنه زمن جميل! 

  تمضي السنين والأيام والعراق مازال يعيش في بؤس مُفتعل، وتدمير مدروس. 

وذلك لأن كل الحكّام والسياسيين الذين صعدوا إلى الحكم منذ تلك اللحظة لحد الآن  ، سواء عن طريق الانقلابات أو عن طريق الانتخابات.

 كلهم لا يجيدون سوى النهب التخريب والتجهيل ،لذا ستبقى مراحيضُ المدارسِ طائرةً بقيادتهم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here