كيف نهبت واختلست الأموال العراقية وعلى يد محروقي الجباه والرمم والكاجوال

كيف نهبت واختلست الأموال العراقية وعلى يد محروقي الجباه والرمم والكاجوال
جعفر القزويني

يُعادل ما تنفقه دول الخليج مجتمعة في عام واحد، ويشيدُ 600 ناطحة سحاب بحجم وكلفة برج التجارة العالمي أكثر من 500 مليار دولار هو حجم الأموال التي خسرها العراق جراء الفساد، منذ سقوط النظام الأسبق في 9 نيسان/أبريل 2003 حتى عام 2019، وفقا لإحصائيات وخبراء في الاقتصاد وبيانات رسمية.

shareفاقت الأموال المهدورة في العراق منذ عام 2003 500 مليار دولار وسط إقرار من المسؤولين بالتورط دون خجل

للكثير من العراقيين يبدو الحديث عن حجم الفساد الحكومي وأرقامه “المهولة” غير مجد، يؤمنون بالمطلق أنهم يعيشون في أكثر دول العالم فسادًا، فهم يرونه في الإعلام والشارع والمؤسسات، وفي تصريحات المسؤولين وخطابتهم، حيث بات المسؤولون يقرّون علنًا بالتورط فيه دون خجل.

لكن العراقيين يشككون في تلك الأرقام ويعدونها قاصرة عن إحصاء ما ضيعته الحكومات المتعاقبة من أموال وثروات كفيلة بوضع العراق في مصاف الدول العظمى.

شبح اسمه “المؤامرة” تلبس نوري المالكي. فرئيس مجلس الوزراء العراقي السابق، ونائب رئيس الجمهورية الحالي، لم ينافسه في الحديث عن مؤامرة تواجه العراق سوى صدّام حسين. ومثلما فعل الأخير حين هجم على الجيران لتبديد “المؤامرات” المُحاكة ضد البلاد، أخذ الأول المنحى ذاته وهو يصرخ بأعلى صوته “قادمون يا رقّة.. قادمون يا حلب.. قادمون يا يمن”.

وإذا ما كان صدّام مزهوًّا بجيش يعتبر خامس قوّة في العالم، فإن المالكي الآن يشعر بزهو أكبر بالحشد الشعبي الذي يظل يكرر أنه يقف خلف تأسيسه، وأنه يملك نفوذًا كبيرًا على فصائله.

والمالكي إذا ما أراد أحد استذكار مآثره، فيكفي الإشارة إلى أن العراق غرق إبان سنوات حكمه الثمان في دوّامات الفساد والفشل والمَقاتل. أحال فئات المجتمع الفقيرة إلى مجموعات زبائنية. اشترى الكثير من شيوخ العشائر والقادة الأمنيين وأقصى من خالفه. عقد صفقات السلاح الفاسدة، وصنّع رجال أعمال مزيفين يعتاشون على الأدوية الفاسدة ومشاريع البناء الوهميّة المتعلقة بلب حياة العراقيين ومستقبلهم، ألا وهي المستشفيات والمدارس.

جرى كل هذا وأكثر في عهد الرجل الذي ينتمي إلى حزب الدعوة، والذي أحال الحكومة إلى مؤسسة عائلية لولده وانسبائه والمقرّبين منه، وبالرغم من ترديد الإعلام لأخطائه، وحنق المجتمع العراقي منه، إلا أنه لا ينفك عن الإعلان عن نجاحاته المزعومة على كل الأصعدة، وحين يواجه بالحقائق، سرعان ما يقفز إلى الحديث عن مؤامرات ضده: مكالمات هاتفية تلقاها من دول أجنبيّة وعربيّة هدّدته. حاول العالم بأجمعه رشوته، غير أنه رفض.

ثمّة أشباح عديدة تهمس للمالكي بكلّ هذه “المؤامرات”، ولا يعرف أحدًّا اسمًا أو شكلًا لها، وبعد خروجه من السلطة، ظلّت هذه الأشباح تلاحقه، توسوس له، أنْ هو الأفضل، أنْ هو القادر على حلّ الأزمات، أنْ هو العقل المدبِّر لخلاص البلاد من الويلات

والرجل الذي حظي بتسمية “سبايكرمان” على خلفيّة مقتل 1700 جندي في قاعدة سبايكر الجويّة – كان قد وظّف أغلبهم إبان مرحلة الانتخابات وقتلوا على مرمى نظر قادته – والذي يوصف ابنه باسم “رامبو العراق” بسبب حديث والده عن بطولاته العنترية، تعرّض خلال 30 يومًا إلى الطرد من 3 محافظات، حيث حاصره عامّة الناس بالهتاف والإهانة، لكنه يرى أن شعبيته بازدياد.

الأدهى من كلّ هذا أن المالكي، الذي منحت إبان حكمه ثلث مساحة البلاد إلى تنظيم “داعش”، والذي تهجَّر خلالها نحو 3 ملايين من منازلهم، والذي قُتل الآلاف من المواطنين العزّل بسبب فساد أجهزة كشف المتفجّرات والخطط الأمنية الفاشلة، والذي، بالطبع، أدى إلى مقاتل بأفراد القوّات الأمنية، والذي أجج الانقسام المجتمعي بين الطوائف، يسّوق نفسه الآن على أنه زعيم “التسوية التاريخية” التي تحاول الأحزاب السياسية إقرارها مع اقتراب موعد الانتخابات المحليّة والبرلمانية في العراق. حيث يُحدّد الرجل مقاعد المُشاركين والمُبعدين منها، ويوزّع التّهم على خصومه وأصدقائه من الكتل والأحزاب السياسية، ليبقى وحده ناصعًا.

لكن المشكلة ليست بالمالكي فحسب، بل تتعلّق بالمُدافعين عنه، والمصدّقين لأشباح “المؤامرات” التي يتحدّث عنها، وهم الذين لم يخبروه، أنه كان عليه كشف “المؤامرات” وفك شفراتها بدلًا من الاكتفاء بالحديث عنها، والتلويح بالإطاحة بالمشاركين بها الذين هم أيضًا أشباح.

وعلى طريقة الدكتاتور في تصوير نفسه المُدافع الأول عن القوميّة العربيّة، يحاول المالكي تسويق نفسه باعتباره المُدافع عن الفكر الإسلامي المُهدَّد بالعَلمنة والتطرّف.

يقول النائب السابق ورئيس حزب الأمة العراقي مثال الآلوسي، إن “الفساد المالي والإداري في العراق ليس مسألة ارقام، فما خسره العراق يفوق بأضعاف ما تتحدث عنه هيئة النزاهة والجهات المختصة”، مؤكدًا أن “الموازنات الفلكية ذهبت في جيوب الأحزاب عبر تقسيمها، حيث كل همهم كان، كيف يسرقون أكثر”.

يؤكد الآلوسي لـ “الترا عراق”، أن “الفساد لم يترك بابًا إلا وطرقه في كل القطاعات والمؤسسات والملفات، وخلف لنا كمًا هائلًا من المشاريع الوهمية ومليارات الدولارات كديون خارجية، فضلًا عن تحطيم الاستثمار والبنى التحتية وتدمير كل إمكانات الدولة”.

تتجاوز الواردات المالية للعراق منذ الغزو الأميركي وسقوط النظام السابق، في نيسان/إبريل 2003، 1000 مليار دولار، ذهب نصفها إلى الموازنة الاستثمارية الوهمية، رمز “الفساد الأعظم”، وفق لجنة النزاهة النيابية. خسر العراق، كما تقول اللجنة، أكثر من 350 مليار دولار من خلال تهريب العملة ومزاد البنك المركزي، والعقود والمشاريع الوهمية والمتلكئة منذ العام 2003 حتى اللحظة.

ولأن المال السائب يعلم السرقة، كما يقول المثل العربي، لم يتورع من وقعت بأيدهم أموال العراق أن يتفننوا ويبتكروا في أساليب التزوير والاحتيال والابتزاز، وكل ما من شأنه أن يتيح السرقة، إذ لا رقيب ولا حسيب، واليد الطولى لمن يسرق أكثر.

وأهم السرقات العلنية والمفضوحة والمتستر عليها من قبل الحيتان والكواسج والادعياء والسربلية

1. أجهزة كشف المتفجرات

استورد العراق في 2007 نحو 6 آلاف من أجهزة كشف المتفجرات (السونار) بكلفة بلغت مئتي مليون دولار، ليتبين بعدها أن مسؤولين عقدوا صفقة، جنوا منها الملايين من الدولارات، عبر شراء أجهزة مزيفة تسببت بمقتل الآلاف من العراقيين.

2. مزاد العملة!

تتحدث بيانات رسمية، عن قيام البنك المركزي العراقي ببيع قرابة 312 مليار دولار عبر مزاده لبيع العملة منذ استحداثه، حيث كان مصير 80 بالمئة من تلك المبالغ التسرب الى خارج العراق.

3. 50ألف “فضائي”

في 30 أيلول/ نوفمبر 2014، كشف رئيس الوزراء حيدر العبادي آنذاك، عن وجود 50 ألف موظف فضائي في وزارة الدفاع، يستلمون رواتب بأسماء وهمية.

4. صفقة الطائرات الكندية المدنية

اشترى العراق في أيار/ مايو 2008، 6 طائرات كدنية من طرازCS300″ ” بأسعار مضاعفة تفوق قيمتها الحقيقية بـ 277 مليون دولار. وعزمت بعدها الحكومة العراقية بيعها الى شركة كندية بقيمة تقل عن سعرها بـ 70%، حيث كانت الطائرات غير ملائمة للأجواء العراقية وضيقة لا تتسع سوى لـ 70 شخصًا.

5. صفقات الأسلحة

خسر العراق مليارات الدولارات جراء صفقات تسليح مع روسيا وأمريكا بلغت قيمتها 150 مليار دولار، ذهبت نسبة كبيرة من هذه الأموال الى جيوب القائمين على الصفقات، مقابل رداءة نوعية تلك الصفقات وتفضيل جهة على أخرى.

6. وزير.. و قضايا فساد

كشفت هيئة النزاهة المرتبطة بالبرلمان العراقي، أن وزير التجارة الأسبق عبد الفلاح السوداني مطلوب قضائيًا في ما لا يقل عن 9 قضايا فساد، وصدرت بحقه 8 أحكام غيابية بالسجن في قضايا إضرار بالمال العام تتعلق بمخالفات في استيراد مواد غذائية. وتسلمت السلطات الأمنية، في 25 كانون الثاني/يناير، السوداني من الانتربول الدولي، ليفرج عنه بعد ذلك، بعفو عام.

7. هياكل المدارس

منح وزير التربية الأسبق خضير الخزاعي في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي، شركة إيرانية عام 2008 مشروع إنشاء 200 مدرسة من هياكل حديدية، بتكلفة تبلغ 280 مليار دينار (232.7 مليون دولار)، إلا أنه لم يتم تنفيذ المشروع حتى الآن، بسبب خلافاتها على الأموال مع المقاولين العراقيين، الذين وصل عددهم إلى 18 مقاولاً، هرب غالبيتهم الى خارج البلاد.

8. الكهرباء: 29 مليار دولار

يقدر حجم ما تم إنفاقه على قطاع الكهرباء في العراق، منذ عام 2006 حتى عام 2018، بـ 28 مليار دولار، وفق تقرير رسمي لهيئة النزاهة العراقية، في حين يعاني العراقيون حتى الصيف الماضي من ساعات انقطاع تصل أحيانًا إلى 18 ساعة يوميًا. وكان انقطاع الكهرباء، واحدة من الأزمات التي أثارت الاحتجاجات الأخيرة في البصرة والجنوب.

9. البسكويت الفاسد

بدأت القصة حين نشرت الصحافية، حنان الكسواني، في صحيفة “الغد” الأردنية، تحقيقًا معزز بالصور، عن شحنة فاسدة منتهیة الصلاحیة في أیلول/سبتمبر 2013، وتم تمدیده إلى عامین إضافیین لغایة 2015، لیصدر إلى العراق حیث یوزع على المدارس، على رغم كونه غیر صالح للاستهلاك البشري.

10. 100 مليار دولار في نار داعش

قدر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، في 11 أيلول/ نوفمبر، كلفة الخسائر الاقتصادية خلال 3 سنوات من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على مساحات شاسعة في العراق بأكثر من 100 مليار دولار، في حين ما زالت السلطات، تعطّل ملف التحقيق بسقوط الموصل، على الرغم من صدور تقرير نهائي عن لجنة كلّفها البرلمان في التحقيق، أدانت كلًا من رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ومحافظ الموصل السابق أثيل النجيفي، وقيادات عسكرية وأمنية، فضلًا عن ضباط في شرطة الموصل المحلية.

11. نهب 121 مصرفًا

استولى “داعش” أيضًا، على 121 فرعًا مصرفيًا حكوميًا وآخر خاصًا في محافظات نينوى، كركوك، صلاح الدين، والأنبار، إبان سيطرته على تلك المحافظات في 2014، استحوذ خلالها نحو مليار دولار. كما تقدر الأموال التي حصل عليها التنظيم جراء بيعه النفط بنحو ملياري دولار سنويًا.

12. غرق سبعة مليارات دينار

أثار أحدث تصريح لمحافظ البنكِ المركزي علي العلاق خلالَ استضافتِهِ في البرلمان، في 13 أيلول/نوفمبر 2018، عن تلفِ سبعة ِملياراتِ دينارٍ جراءَ تَعرُضِ خزائنِ مصرف ِالرافدين لتسربِ مياهِ الأمطار، موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق.

13. “الضباط الدمج”.. بيع الرتب العسكرية

“الضابط الدمج”: مصطلح أشيع في العراق في مرحلة ما بعد عام 2003، حيث يطلق على الضباط الذين تم تعيينهم ودمجهم مع القوات الامنية، دون أن يتدرجوا عبر الكلية العسكرية، أو نيلهم شهادة دراسية، إذ حصل الآلاف على رتب عسكرية عالية في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

14. فضيحة “اونا اويل”

تحقيق استقصائي أجراه موقعا “فبرفاكس ميديا” و”هافنتغون بوست”، كشف عن “تورط” وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، ووزير النفط الأسبق حسين الشهرستاني ومسؤولين عراقيين آخرين، بفضيحة فساد تتعلق بعقود نفطية، فيما عرف إعلاميًا بـ “فضيحة اونا اويل”. ويتحدث التحقيق عن عشرات المليارت من الدولارات ذهبت في جيوب القائمين على الصفقات.

15. الاستيلاء على عقارات الدولة

بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، استولت شخصيات سياسية ومسؤولون وأحزاب، على أراض ومقار وبنايات تعود ملكيتها إلى الدولة، في أغلب مناطق العاصمة، يقدر ثمن البناية الواحد بأكثر من مليون دولار، في حين لم تستطع الجهات المسؤولة عن هذه العقارات، الانتفاع منها أو انتزاعها من المسيطرين عليها.

16. تهريب الانترنت

يكلف تهريب الإنترنت في العراق، الدولة مبالغ ضخمة، تقدر بمليون دولار شهريًا، وفق آخر بيان لهيئة النزاهة، فضلًا عن سيطرة أحزاب على هذا القطاع الحيوي عبر شركات ومكاتب، إذ تثبت تورطهم في أكثر من مناسبة بهذه العمليات.

17. المناهج الدراسية

تكلف طباعة المناهج الدراسية التي تغيرت لمرات عدة خلال الأعوام الماضية، وفق أمزجة الوزراء الذين تولوا مسؤولية الوزارة، ملايين الدولارات، إذ تطبع هذه المناهج خارج العراق، فيما تورط في هذه الصفقات عشرات المسؤولين الحاليين والسابقين، فضلًا عن التأثير السلبي الكبير لتلك التغييرات على محتوى المناهج.

18. موارد الوزارات.. ضيعة الأحزاب

اعتمدت أغلب أحزاب الدولة في تمويلها مشاريعها، على موارد الوزارت التي يسيطر عليها مسؤولون ينتمون إلى تلك الأحزاب، اذ تخصص غالبية موارد الوزارات ومخصصاتها لتمويل تلك المشاريع والحملات الانتخابية، ودفع رواتب العاملين في مؤسسات الحزب، خاصة المؤسسات الإعلامية.

19. رواتب المسؤولين.. الحمايات والمستشارين

تفوق رواتب ومخصصات المسؤولين في العراق، بشكل كبير مستوى رواتب المسؤولين في دول المنطقة، حيث كلفت تلك الرواتب، ملايين الدولارات واثقلت كاهل الدولة العراقية، طيلة السنوات السابقة، فيما بلغ عدد حمايات المسؤولين الكبار في الدولة 25 ألف عنصر، يتقاضى الواحد منهم نحو 1500 دولار.

تهريب النفط 20-

حصة الفساد الكبرى كانت من نصيب عمليات تهريب النفط، التي كلفت العراق اكثر من 90 مليار دولار في 5 أعوام، تورطت فيها أحزاب وشخصيات نافذة في الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.

ويعد ملف الفساد الاداري والمالي في العراق، أحد كبرى الأزمات التي تواجهها حكومة عبد المهدي، حيث قالت منظمة الشفافية العالمية في تقرير لها نشر، الثلاثاء 29 كانون الثاني/يناير، إن العراق يقبع في المرتبة السادسة عربيًا والـ 13 عالميًا بـ 168 نقطة في أكثر دول العالم فسادًا متقدمًا على فنزويلا وبورندي، في حين جاءت الصومال وسوريا وجنوب السودان واليمن وكوريا الشمالية والسودان بالمراتب الأعلى بالفساد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here